يجمع الكل، من مهنيين سينمائيين ، فنانين، مخرجين ونقاد ومتتبعين للشأن السمعي - البصري الوطني، على أن المشهد السينمائي و التلفزيوني يفتقد حاليا لإنتاجات درامية دينية تاريخية وطنية حقيقية، مقابل «إشباع» زائد عن الحد في ما يخص الدراما الاجتماعية والبوليسية.. وفوق التخمة في ما يتعلق بالكوميديا التي انقلبت في السنين الأخيرة إلى تراجيديا بسبب فراغ محتواها وخوائها من حيث تحقيق الفرجة والمتعة الهادفة التي يتغياها المشاهدون في كل موسم رمضاني. الدعوة إلى التفكير في إنتاج دراما تاريخية ودينية مغربية هي دعوة إلى توثيق وإبراز، مشهديا، أحداث تاريخية دينية ورجالات وشخصيات تاريخية وطنية أبلت البلاء الحسن في الكفاح والنضال الشرعي، وفي التسامح الديني وسمو السلوك والأخلاق.. لتكون عبرة للأجيال الحالية والأجيال اللاحقة للمساهمة في تفادي كل ما من شأنه أن يدفع نحو الانحراف والفهم الخاطيء لمقومتنا الدينية والتاريخية والأخلاقية... فقد اعترف الكثيرون - ونسرد ها هنا بعضه - أن المغرب بالرغم من توفره على فضاءات تاريخية جد مهمة ومناسبة للتصوير، وعلى كفاءات مهنية متميزة، وعلى مخرجين جيدين، وعلى ممثلين اكتسبوا خبرة عالية في الانتاجات الدرامية العربية وخصرصا السورية وعلى كتاب مؤهلين ( أساتذين جامعيين ومؤرخين...) .. فإن هناك صعوبة ، وليس استحالة، لإنتاج الأعمال الدرامية التاريخية، الدينية الوطنية من منطلق أن هذه الانتاجات تتطلب ميزانيات كبيرة، لأجل توفير متطلباتها الخاصة، من ملابس، وإكسسوارات وديكورات وإحداث فضاءات تصوير، وخيول، ومؤثرات خاصة.. وهي إمكانيات ليس بالسهولة توفيرها ل«انعدام» السيولة الكافية - مثلما يقال - لدى المشرفين على تدبير وتسيير الشأن السمعي البصري الوطني ( الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزيون، المركز السينمائي المغربي..) الأمر الذي يتطلب إرادة حقيقة من المسؤولين ودعوة جهات أخرى لتدخل طرفا في عملية الانتاج هاته من دافع المواطنة الصادقة كالقطاع الخاص أو الهيئات المعنية كوزارة السياحة ، الداخلية المندوبية السامية للقاومة وجيش التحرير.. محمد اسماعيل: الدراما الدينية .. هي إمكانيات قال المخرج السينمائي محمد اسماعيل إن عدم تراكم للدراما الدينية أو التاريخية لدينا بالمغرب يرجع إلى عدم وجود إمكانيات كافية أو مناسبة لإنجاز مثل الأعمال المكلفة من حيث توفير الاكسسوارات وعدد الممثلين وتهييئ الفضاءات المناسبة.. وأضاف إن القول بعدم وجود سيناريوهات ونصوص لمثل هذه الأعمال هنا بالمغرب قول مرفوض ، إنما ينبغي فقط توفير السيولة اللازمة لتتحرك الأقلام ، لأن «في بلادنا هناك ما يكفي من لصناعة هذه الدراما، من حيث الكفاءات ،وكذا من حيث الأحداث التاريخية ، التي تفرز لنا دراما في المستوى المطلوب، ويكفي الاطلاع في هذا المجال على ما أنتجته الدراما المصرية، التي حققت تراكما محترما في القرن الماضي وكذا، مؤخرا الدراما السورية بدءا من مصطفى العقاد ووصولا إلى مخرجيها الشباب . وقبل هذا ، انظروا إلى الدراما الأمريكية التي خلدت دراما تاريخية في المستوى العالي جدا، وكانت وراءها إمكانيات كبيرة جدا..» ادريس الروخ: لابد من خلق صندوق دعم ندرة أو غياب الإنتاجات الدراما التاريخية والدينية التي تتعلق بكل ما هو روحي اجتماعي ... بالمغرب ناتجة عن عدم وجود سياسة عامة ودفتر تحملات يتوجهان نحو تحقيق التعدد و التنوع في الشأن الدرامي.. فكل ما هنالك الآن على المستوى التلفزيوني يستعرض الانتاجات الاجتماعية و البوليسية و الكوميدية ودراما الحركة ، وتغيب الدراما التاريخية و الدينية، وهو تغييب لا أقول إنه مقصود، وإنما ينبغي التفكير مليا فيها، لأن لها وقعها الكبير في نفوس ومشاهداتنا، ونحن كمغاربة وكمجتمع له تاريخ وتراث غني قادر خلق التعدد والتنوع بالنسبة لقنواتنا العامة و المتخصصة. وفي هذا السياق سبق لي أن طرحت سؤالا لماذا لا نعمل على خلق صندوق لدعم الأفلام التي تهتم بالتاريخ والذاكرة باعتبار أن المغرب يحفل بالكثير من الأحداث والشخصيات التاريخية تشكل ذاكرة قوية ينبغي توثيقها ليس فقط كتابة لكن صورة حتى نشرها وترسيخها بشكل أوسع. فهناك أبطال مغاربة سجلوا أسماءهم بكل اقتدار في الفتوحات الاسلامية وفي مواجهات المستعمرين ، و في مواجهاتهم للمحن الصعبة.. ينبغي لها تتحول إلى إنتاجات تلفزيونية وسينمائية في جانب منها أجل حفظ الذاكرة ، وهذا لن يتحقق ، في هذه الظروف، إلا بخلق صندوق دعم هذه النوع من الأعمال.. حسن غنجة : مشكل الدراما التاريخية في المسؤولية والإرادة غياب الدراما الدينية أو التاريخية في اعتقادي يعود إلى السياسة المتبناة في هذا السياق في المغرب، من طرف المسؤولين عن شأن السمعي - البصري، بالرغم أن بلادنا عرفت تطورات مهمة في السنوات الأخيرة، شكلت أرضية مناسبة جدا للنهوض بهذا النوع الدرامي أو الأعمال الدرامية عموما وتحفيز الكفاءات المغربية على جميع المستويات من كتابة ومخرجين ومهنيين للإبداع. وبالرغم من إعطاء صلاحيات كبرى على هذا المستوى، نجد الواقع يعكس شيئا آخر بفتح الأبواب للدراما التركية أما المشاهد المغربي، بل القيام بدبلجتها إلى اللهجة المغربية، الأمر الذي يعكس التوجه الذى يريده البعض بتكبيل الطاقات المبدعة المغربية إن على مستوى الإخراج والتشخيص وغيرها. لذلك أقول المشكل قبلا يكمن في المسؤولية والإرادة.. ، ليأتي في ما بعد قضايا الإمكانيات والنصوص وغيرها هشام بهلول.. مواصفات نجم عربي قادم لعل تألق العديد من الفنانين المغاربة كمحمد حسن الجندي، محمد مفتاح، عبد الله الغمراني، محمد عاطفي، عبد اللطيف هلال وآخرين في جل مشاركاتهم في الانتاجات الدرامية العربية التي صورت بأرض المغرب أو خارجه في السنوات الاخيرة من القرن الماضي أو بداية الألفية الجديدة، فتحت أعين المنتجين و المخرجين المشارقة، وبالاخص السوريين، على الطاقات المغربية الشابة ممن يمكن لها أن تبصم على الإضافة وعلى التنوع في إنتاجاتهم الدرامية التاريخية، خصوصا وأن بعض الدراما الأجنبية التي تصور بالمغرب أخذت توظف «اللمسة المغربية»إنتاجاتها... ومن بين هذه الطاقات والعناقيد المغربية، التي تخطفتها الأيادي السورية لتحقيق هذه الاضافة ، الفنان الموهوب والمبدع هشام بهلول، الذي وقف القضاء و القدر في الأسابيع الأخيرة حائلا بينه وبين مشاركته المقررة في المسلسل التاريخي المصري «مصطفي محمود»، وهو إحدى الشخصيات المثيرة للجدل في التاريخ المصري الحديث على المستوى الثقافي الديني.. ولولا الحادثة المأساوية التي تعرض لها في الطريق السيار بين الرباط و الدارالبيضاء لكان الان منخرطا في تصوير أحداث هذا المسلسل المصري الجديد، الذي لا شك أنه سيحظى بمتابعة كبيرة على المستوى العربي، نظرا لطبيعة الشخصية، و نظرا، أيضا، للقضايا الفكرية والفلسفية التي كانت تطرحها شخصية مصطفى محمود إبانه، حيث كان من المقرر أن تسند للفنان المغربي الوديع هشام بهلول شخصية شقيق مصطفى محمود، وهي شخصية رئيسية في هذا العمل الدرامي المنتظر.. هذه المشاركة، التي لم يقدر لها أن تكتب في السجل الدرامي للفنان بهلول، لم يكن يشفع لها الحدوث لولا تألقه اللافت وموهبته الكبيرة في الكثير من الاعمال الدرامية العربية التاريخية التي انخرط فيها سابقا، وخصوصا السورية، بامكاناته التجسيدية الغزيرة وطاقاته التعبيرية الفائقة بلغة عربية جد سليمة وبلكنة مميزة.. شرعت له الطريق الفسيح للمشاركة الفعلية في ادوار رئيسية في مسلسل «هولاكو» للسوري باسل الخطيب، و«الحسن و الحسين» للمخرج عبد الباري أبو الخير ، و مسلسل «بيوت في مكة» الذي تم تصويره في ورزازات ومراكش للمخرج للسوري حاتم علي ومسلسل« عمر » بن الخطاب الذي كان فيه الحضور المغربي وازنا حيث شارك في كل من محمد مفتاح، محمد حسن الجندي ، سهام أسيف في دور ليلى بنت المهال، و جواد العلمي، أمال بوستة وجمال العبابسي في دور مسيلمة الكذاب وعمر العزوزي في دور العاص بن واذل السهمي ومحمد عاطفي وغيرهم، وهو من إخراج حاتم علي أيضا عمر العزوزي: المغاربة لهم كفاءة عالية لصناعة الدراما التاريخية الإنتاجات الدرامية التاريخية مكلفة جدا، فصناعتها تتطلب إمكانيات كبيرة لتوفير آليات وألبسة وإكسسوارات وخيول... إذا كانت الحدث الدرامي يتطلب ذلك. فعلى سبيل المثال فالمسلسل التاريخي العربي «عمر» الذي أنجزت الكثير من مشاهده هنا المغرب تطلب إنجازه بين ستة مليارات وعشرة مليارات. وبالتالي أقول إن الأفكار لا تنقصنا لصناعة هذا النوع من الدراما، فهناك إرادات وأشخاص يتلهفون لإنتاج مسلسلات أو حتى أفلام عن أناس أثروا في تاريخ المغرب من قبيل محمد عبد الكريم الخطابي وعسو باسلام الملقب فهد بوغافر.. وأذكر بالمناسبة أنني شاركت في إنتاج درامي ألماني بمنطقة تطوان يتطرق إلى «هجرة الوندال» كانت فيه ميزانية يوم واحد فقط حوالي سبعة وثلاثين (37) مليون.. أما بالنسبة للكفاءات المغربية، فأستطيع أن أقول أن هناك مخرجين أكفاء وتقنيين مقتدرين وممثلين في المستوى العالي، ليس بشهادة المغاربة فقط وإنما بشهادة المشارقة والسوريين على الخصوص، وقد تأكد لي ذلك عندما تم تصوير المسلسل التاريخي «صقر قريش» بسوريا، حيث نوهوا آنذاك بأداء المغاربة الراقي على مستوى الدراما التاريخية ( الدينية). محمد اقصايب الدراما التاريخية العربية غير مقبولة من طرف داوئر معينة الأعمال الدرامية الدينية التاريخية صعبة جدا ومكلفة للغاية من منطلق الرغبة في إنجاز مشاهد تتطلب إكسسوارات وخيول وفضاءات بديكورات معينة ، وبالتالي فالمنتجون المغاربة ، وفي هذا الإطار «ما كيزعموش» لإنجاز مثل هذه الدراما . و بالمناسبة، وفي هذا الصدد، أقول إن الدراما التاريخية على المستوى العربي عرفت تراجعا في السنوات الأخيرة ، لأنها أصبحت غير مقبولة من طرف داوئر معينة، خصوصا على المستوى السياسي، أو على المستوى التاريخي، باعتبار الأخطاء التي طلتها مثلما حصل مع المسلسل المصري «محمد يارسول الله» أو مسلسل «عمر..» وبالتالي فهذا فتح الباب في هذا المجال إلى الدراما التاريخية التركية لتغزو العالم العربي. لذلك فالإنتاجات الدينية والتاريخية ، وباعتبارأنها تتطلب حوارات باللغة العربية، فمحليا ، أي مغربيا، لا يوجد عدد كبير من الممثلين يتقنون الحديث بلغة عربية سليمة ولكنة مقبولة. ومن باب النكتة و النكتة فقط أقول إن سر تألق المغاربة في الدراما العربية يعود إلى كونهم يتقنون دور «الكفار» الذي يتم إسناده إليهم ( يضحك). وبالمناسبة فلابد مثلا من وجود مستشار لغوي ومستشار تاريخي في هذا الإطار أثناء إنجاز الدراما الدينية التاريخية.. في دور الانتاج وحتى في التلفزيون. فمثلا كانت قدرة وكفاءة الفنان عزب العرب لها دورها المؤثر في مسلسل «الغريب» ليلى التريكي.. على مستوى اللغة العربية السليمة وكذا الأداء المتميز. بشرى أهريش: لابد من ديبلوماسية درامية الدراما التاريخية والدينية ليس شيئا هينا، فكتابتها يجب أن تسند إلى ذوي الاختصاص بمساندة من أساتذة التاريخ و السوسيولوجيا و المؤرخين والأساتذة الجامعيين لعكس المرحلة التاريخية التي تتم مقاربتها الدراما ، وليس إلى من كل من هب ودب و الذين يدخلون إلى كتابة السيناريوهات بأسماء مستعارة لهدف معين، هذا من جهة. ومن جهة ثانية، فالقناتان الأولى والثانية ، اللتان لديهما مدير واحد ، في الوقت الراهن، لن تستطيعا إنتاج هذه النوعية من الدراما الجد مكلفة، لأنه ليست هناك ميزانية كافية . وفي هذا الصدد أقول، وهذا وهو العنصر الثالث، لماذ ا توفق السوريون في إنتاج العديد من الأعمال الدرامية التاريخية والدينية الناحجة ؟ الجواب بسيط جدا ، وهو أن السوريين اعتمدوا في تمويل هذه النوعية من الأعمال على الأموال الخليجية أو بالأحرى أموال القنوات الخليجية، ويمكن ملاحظة ذلك في جنيريك العديد من هاته الأعمال من قنوات دبي ، أبو ظبي، إم بي سي وغيرها .. ومن هذه الوضعية والواقع الذي نعيشه أقول بأنه ليست لنا «ديبلوماسية درامية» تخول لنا تقديم أعمالنا وإنتاجاتنا وتسويقها .. بالرغم من أنه أصبحت لنا أسماء لها اليد الطولى على مستوى الأداء الدرامي العربي كمحمد مفتاح..، والتي ليست لها القدرة على فرض الأمر الواقع هنا في المغرب. الواقع الحالي هذا الذي يفرض علينا أننا «كنسبوا ونعيروا وكنتفرجوا » في بعض ما يعرض علينا ،خصوصا في رمضان..