سيظل قيس سعيد ذلك البطل الذي احتمت به الاقلية لإخراج الاغلبية من المسرح السياسي التونسي. ليس صعبا القيام بذلك العمل لان الديمقراطيات الهشة مآلها الزوال أو السقوط في براثين استبداد بلبوس ديمقراطي. قد لا يعطى اهمية للأحداث وللوضع السياسي وما تبعه من ردات وهزات اقتصادية. والسبب يعود بالأساس لاقتناع الدول المجاورة بلا جدوى وجود دولة أو كيان ديمقراطي قد يؤثر مستقلا على شعوبها التي تعاني كل أمراض غياب العدالة والديمقراطية والحكم العادل والراشد. الديمقراطية التونسية هشة رغم قدمها ،ضعيفة لان هزة بسيطة أعادت البلاد لعهد ما قبل حراك البوعزيزي. لم تكن لهذه الديمقراطية قوة تحميها حتى الشعب انطوى على نفسه وكأنه يتذكر احداث سوريا ومتوجسا من تكرار سيناريو مصر. فلا هو أي الشعب جاهر برفضه لقيس سعيد وسياساته. ولا هو ذاك الشعب الذي ينتظر منه الخروج لحماية المؤسسات الديمقراطية كما عودنا عبر مساره التاريخي العظيم. تبين مع سياسات الرئاسة ومع الاستفتاء الدستوري أن الشعب التونسي في حل من ديمقراطيته ،لا يريدها وقد لا تعنيه. خطورة هشاشة الديمقراطية التونسية في تأثيرها البالغ على الكثير من الخطابات والآراء الممجدة لها. بل كانت تونس لوقت قريب ايقونة الشعوب التواقة للاختيار الديمقراطي. نجاح استفتاء قيس سعيد ادخل التجربة التونسية في مرحلة جديدة، لقد يئس الشعب من أحزابه المتقاتلة. رسالة وجهت من الشعب إلى القوى السياسية ليبرالية ويسارية وإسلامية. لقد أفسدتم علينا حلاوة الانتصار ،انتصار الثورة بخيانتكم لها ،دخلتم في صراعات وتنافسات ضيعت الاقتصاد وهزت أركان المجتمع . إنقلاب سعيد قيس شكل كذلك تغذية لكل الاتجاهات الشمولية الرافضة للديمقراطية والمنشغلة بالتحكم والتسلط والتي تقبل التعددية وفق شروط تراها موضوعية ،منها مثلا وجود قوة للتحكم وهذا ما هدف اليه قيس سعيد بدسترة تعطي للرئيس سلطا قوية وشاملة . في الواقع ، تتجه السلطة من خلال ما يسمى بمبدأ الرئاسية نحو إقامة نوع من الدكتاتورية اللانهائية في البلاد لصالح الرئيس الحالي. وقد يمنحه النص الرئاسي إغراء تجديد ولايته من جديد. انها ديمقراطية جديدة تغيب الشعب وتشركه. تقصي الاحزاب ذات التواجد الفعلي وتنفتح على العناصر المدعومة من الدولة العميقة.