يعد " الدعم التربوي" آلية للارتقاء بالممارسة التعليمية التعلمية تعمل على تحقيق تكافؤ الفرص و تقليص الفوارق بين التلاميذ وبعد أن كان الدعم من اختصاص الاساتذة والاداريين والمؤطرين والباحثين المهتمين ،أضحى على لسان الولاة والعمال والقواد والشيوخ والجماعات ، إذ استفقنا ذات صباح وقد أضحت المدرسة العمومية المنسية - بقدرة قادر- في صلب اهتمام الجميع . وأجمع هذا الجميع على كون العلاج لما تعرفه النتائج المدرسية من تدني في مستوى التحصيل ومن هدر ومن تسرب يكمن في تقديم دروس " الدعم" من طرف بعض حاملي الاجازة في اطار برنامج " أوراش" لتشغيل الشباب . فهل جاء " أوراش" الذي يروم احداث 250.000 منصب شغل مباشر في اوراش مؤقتة خلال سنتي 2022 و2023 لفائدة العاطلين فعلا لاستدراك الزمن المدرسي الذي هدر نتيجة لتوقفات الدراسة وتقليص الحصص بسبب جائحة كورونا ؟ أم هل هو رسالة حكومية مبطنة تحمل جوابا لمن يعنيهم الأمر مفادها أنها غير مستعدة للتنازل عن موقفها وأنها تملك بدائل في حال استمرار اضرابات المتعاقدين أو غيرهم من القطاعات الأخرى ؟ على كل حال فقد تفتقت عبقرية رئاسة الحكومة ووزارة التربية الوطنية والرياضة تحديدا عن اختيار ميدان التربية والتكوين كمجال من ضمن مجالات أخرى لتشغيل بعض الشباب حاملي الشهادات لتقديم "الدعم" للتلاميذ تعويضا للزمن المدرسي المهدور الناتج عن اضراب أكثر من 24 ألف أستاذ متعاقد خاصة في العالم القروي ، وهذا يحيلنا على اشكالية التفاوتات المجالية في المنظومة التربوية من حيث البنيات التحتية والافتقار للوسائل و التجهيزات و الأدوات الدراسية اللازمة و عدم استقرار أطر التدريس والإدارة بحيث غدت المدرسة القروية بالنسبة لهاتين الهيئتين مجرد محطة عبور نحو الحواضر و هوامش المدن ؟ لأسباب متعددة يتداخل فيها الاجتماعي بالمادي والاسري والصحي ..... و تجدر الإشارة الى أن هناك برنامج آخر " للدعم " تشرف عليه المبادرة الوطنية للتنمية البشرية ، صدر في شأنه مرسوم تحت رقم 2/20/472 بتاريخ 24 غشت 2021 بالجريدة الرسمية تحت عدد 6/7019 بتاريخ 06 شتنبر 2021 ، تهدف المادة 6 من البرنامج الرابع من المرحلة الثالثة منه الى: " تمكين جمعيات المجتمع المدني المهتمة بالشأن التربوي من تقديم دروس الدعم التربوي بمؤسسات التربية والتعليم العمومي برسم الموسم الدراسي 2021/2022" كما تنص المواد الثمانية الأخرى من هذا المرسوم على تكليف الاساتذة بمهمة اعطاء دروس الدعم سواء داخل المؤسسة أو خارجها مجانا طبعا باستثناء التعويضات التي خولها لهم القانون، كما سمح هذا المرسوم لجمعيات الآباء للمساهمة في إعطاء دروس الدعم مجانا حسب برنامج محدد وتحت مراقبة اطر التفتيش ، وفق الأهداف التي سطرتها المبادرة الوطنية للتنمية البشرية من خلال برنامجها الرابع المخصص لتشجيع النجاح المدرسي ومعالجة الأسباب الرئيسية للهدر المدرسي بالأوساط الفقيرة والمعوزة خاصة في الوسط القروي وشبه الحضري. و في اعتقادي فإن برنامج المبادرة المجاني على علاته يعتبر أكثر وضوحا ونضوجا حيث أنه حدد مواصفات الجمعيات المعنية والفئات المستهدفة والأهداف المتوخاة والهيئات المشرفة ، بعكس برنامج "أوراش " الذي يصعب تحديد الاهداف الثاوية خلفه . و حتى لا يقال باننا سلبيون وعدميون ولا نرى من الكاس الا جزأه الفارغ ، فإننا سنفترض بأن نوايا الحكومة حسنة وأن هدفها يتعدى الامتصاص المؤقت لبطالة حاملي الشهادات و إسكات احتجاجات أمهات وأباء وأولياء التلاميذ بسبب الاضراب المتكرر للأساتذة . فاذا كان فعلا هدف الحكومة نبيلا يتغيا ردم الفوارق بين التلاميذ واستدراك الزمن المدرسي الضائع .فهل تكفي في ذلك النوايا الحسنة ؟ قطعا لا ، لان الفقهاء سيقولون يجزمون بأن النية لا تكفي ، بل يجب أن تكون مقرونة بالعمل ، كما يقر فقهاء التربية أن " الدعم " لا تكفي فيه النية الحسنة ايضا ، إذ لا بد من امتلاك الادوات القمينة بتحقيق الجودة المنشودة .فهل أنضجت الحكومة ومن خلالها وزارة التربية الوطنية الشروط لانجاح برنامجها " للدعم " ؟ دعونا نذكر بداية بأن الاهتمام ب"الدعم" قدر برز في المغرب منذ ستينيات القرن الماضي ، إذ حاولت وزارات التربية الوطنية المتعاقبة الحد من الاختلالات الناجمة عن ضعف المردود التعليمي او تسرب المتمدرسين او غيرها من الاختلالات التي تعتري مردودية المنظومة التربوية وذلك من خلال برامج ودراسات ولم تخرج منها المنظومة من جلها بأية نتيجة تذكر وبقي تدني النتائج والتسرب هو سمتها الاساسية ، ويعزى فشل تلك المحاولات للأسباب التالية : الارتجالية ، عدم توفر الامكانيات المادية ووتكوين وتأيهي الموارد البشرية لتنفيذها ، محدوديتها لاقتصارها على مؤسسات او اقاليم او جهات تجريبية ، عدم تعميم التجربة ، عدم ملاءمة ومواءمة البرامج المستوردة، عدم استمراريتها وذهابها بذهاب الوزير أو المدير صاحب المشروع وهذه واحدة من معضلات قطاع التربية والتكوين حيث أنه " كلما أتت أمة لعنت التي قبلها" ، ومن أهم محطات هذه المحاولات : - تدعيم مكتسبات التلاميذ المنتقلين من التعليم الابتدائي الى السلك الأول من التعليم الثانوي وتهييئهم نفسيا ومعرفيا ليتسنى دمجهم في التعليم الثانوي بسهولة من خلال احداث قسم الملاحظة سنة 1965 كجسر لردم الهوة بين السلكين . - تجربة دعم تلاميذ الاعدادي بعد تصنيفهم الى ثلاثة مستويات متباينة في المواد الدراسية الاساسية ( اللغة العربية – الفرنسية- الرياضيات ) في اطار مشروع 960 EPI تجربة اعدادية الامل بالرباط من 1973 الى 1979 ) . - تجربة التقويم البسيكوتقني والتي ظهرت معها البوادر الاولى للتدريس بالأهداف وتم التركيز فيها على المواد الاساسية في التعليم الاعدادي آنذاك وهي ( اللغة العربية-اللغة الفرنسية- الرياضيات ) وقد كانت تجربة مهمة اجريت مع مجموعة من التلاميذ تم تتبعهم خلال سنوات التعليم الاعدادي بأكملها وقد افرزت هذه التجربة تراكما مهما على مستوى اعداد الدروس وعلى مستوى التقويمات المستعملة والتي حددت انواع التعثر وحاولت سدها مباشرة قبل الانتقال الى المرحلة الثانية من التدريس وقد استمرت هذه التجربة قرابة خمس سنوات من 1983 الى 1987 وهمت فقط اربع مناطق جهوية كبرى هي ( الرابط –الدارالبيضاء- مراكش- فاس ) . - اعمال لجان الاصلاح (شتنبر 1985 ) وبالخصوص عمل اللجنة الخامسة المكلفة ببيداغوجية الدعم والتقوية والتي طرحت عددا من القضايا يمكن تلخيصها في : · تحديد مفهوم لبيداغوجية الدعم والتقوية و كيفية معالجة التعثر الدراسي و مقاييس تقويم المدرسين للتلاميذ ، و العوامل التي لها دور فاعل في عملية تشخيص التأخر الدراسي و دور المفتش بفعل ممارسته الطويلة للتدريس وخبرته ودوره في المساهمة في تحديد اسباب التأخر الدراسي واقتراحه وسائل العلاج . · استعمال الاختبارات النفسية واختبارات الذكاء في تشخيص درجة التأخر الدراسي وتدريب المدرسين على استعملها والاستعانة بالملف المدرسي للتلميذ واهميته في التشخيص والتوجيه . - اجراء دراسات سنة 1987 تتعلق الاولى (PS 1) بروائز تشخيص مكتسبات التلاميذ والثانية (PS 2) خاصة بتشخيص التعلم والثالثة (PS 3 ) خاصة ببيداغوجية الدعم . - الاستعانة بمكاتب الدراسات والاستشارات الأجنبية . - تمرير روائز تشخيص مكتسبات التلاميذ الوافدين على السنتين السابعة الاساسية والاولى ثانوي في بداية التسعينيات كان الغرض منها الوقوف على المستوى الحقيقي للتلاميذ الوافدين على هاتين المرحلتين التعليميتين وضبط احتياجاتهم المعرفية والمهارية. - إحداث مديريات بالوزارة مهتمة بمجال الدعم تحت مسميات مختلفة ( مديرية الدعم...مديرية التربية غير النظامية ....) تولت اصدار مجزوءات ودلائل خاصة ونظمت تكوينات في مجال الدعم لمحاربة ظاهر الانقطاع والتسرب والتعثر المدرسي .كما قامت بعدة عمليات تمرير لروائز التقويم التشخيصي بعضها تجهل نتائجه . - عقد شراكات بين وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني ووكالات اجنبية من أجل دعم مبادرات الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين من أجل تقليص الفوارق على المستوى التربوي من خلال تحقيق تكافؤ الفرص في الولوج إلى التعليم العمومي بالمغرب وتحسين التعلمات. ويبقى الهدف الاساس من كل هذه المجهودات وغيرها مما لا يستع المجال لذكره هو تقليص الفارق بين الاهداف والنتائج المحصلة و تجاوز الصعوبات وتعميق المكتسبات وتطوير المردودية . و كثيرة هي الدراسات التي تناولت موضوع الدعم التربوي باعتباره عنصرا ضمن عناصر أخرى للمنظومة التربوية، كما أن هناك أبحاث جعلت من الدعم التربوي مدخلا رئيسا من مداخل معالجة العملية التعليمية التعلمية، ان برنامج الدعم المزمع تنزيله في اطار الحل الترقيعي المسمى " أوراش " أو " أرواس " كما سماه بعض الظرفاء يحمل بوادر فشله لانه يفتقد لكل مقومات المشروع التربوي الناجح ولانه تجاهل كل التجارب التي راكمتها المنظومة في هذا المجال . هكذا وبكل بساطة يقوم المدير وهو عبد مأمور ليس باستقبال طلبات المترشحين لاعطاء دروس الدعم والتقوية ! اين هي الاجراءات القبلية من تشخيص التعثرات بواسطة أداوات ملائمة ومن تحديد للفئات المستهدفة ومن بناء لخطته من ومن وضع برنامج لأنشطته ؟ ما هي المعايير المعتمدة لاختيار المترشحين للقيام بهذه المهمة التربوية ؟ هل تم اعداد برنامج لتأهيل المترشحين الذين وقع عليهم الاختيار ؟ ما هو دور المفتشين في تأطير ومراقبة ومصاحبة هذا البرنامج ؟ بكل صراحة الوقت غير كافي لا للاختيار ولا للتكوين ولا للمصاحبة ولا للتأطير ، و لا فائدة ترجى من وراء هذا البرنامج لأنه يفتقر لأبسط مقومات المشاريع التي تستهدف الناشئة عماد المستقبل يا حسرة ! و لا يغدو ان يكون بهرجة ودرا للرماد في عيون الأسر . وتفاديا لكل هذا الارتجال وهذا الحل الترقيعي فقد كان بمقدور الحكومة ان تجلس الى طاولة الحوار مع المتعاقدين ومع غيرهم من نساء ورجال التعليم المتضررين وتستجيب لمطالبهم المعقولة وتضع بذلك حدا للاحتقان الذي تعرفه المدرسة المغربية ، وأنا على يقين ان المؤسسات ستصبح خلايا نحل من أجل استدراك ما ضاع من الزمن المدرسي . والجميع يتساءل الى حد يستطيع طرفا هذا النزاع التشبت بمواقفها ؟ واذا كانت الحكومة صادقة فعلا و ترغب في تشغيل العاطلين ، فإن المؤسسات التعليمية بالإضافة الى حاجتها الى المدرسين لسد الخصاص وللحد من الاكتظاظ والاقسام المشتركة فأنها تحتاج كذلك الى أطر الدعم التربوي والاداري والاجتماعي وخصوصا بالسلك الابتدائي حيث تتعدد مهام المديرين فمنهم المدير والمرشد التربوي والحارس العام والمقتصد والمعيد وقيم المكتبة والمنشط والمشرف على المطعم وفوق هذا وذاك فهو ساعي بريد. وإذا كانت الحكومة مهتمة فعلا بتشغيل العاطلين، فلتقم بتوظيف أطر جمعوية مبدعة مشهود لها بالكفاءة في مجالات متعددة كالمسرح والموسيقى ومختلف الفنون والاستعانة بخبرة خريجي المعاهد المتخصصة العاطلين لإحياء الانشطة التربوية والاجتماعية والثقافية والفنية والرياضية التي ماتت بمدراسنا أو كادت وتعتبر الأنشطة جزءاً أساسيا من المنظومة التربوية الحديثة فهي تعمل على بناء فرد متوازن على المستوى النفسي و الجسمي، وتعمل على تكوين مهارات و قيم وأساليب دافعة على إنجاح الممارسة التربوية. واذا كانت الحكومة تهدف إلى دعم تعلمات التلاميذ فان ذلك يتأتى أيضا بتوظيف قيمين على الخزانات والمكتبات المدرسية التي اصبحت مع الاسف من الماضي وأصبح تلامذتنا لا يقرؤون ولا يبحثون ، ويكتفون عند الحاجة بالنسخ واللصق COUPER- COULER من مواقع الشبكات العنكبوتية ، إن إحياء دور المكتبة المدرسية كأداة فاعلة يساعد في إثراء المناهج الدراسية ونشر الثقافة العامة و تزويد التلاميذ بالخبرات والمهارات التي تساعدهم على توسيع أفقهم وتنمي لديهم العادات القرائية وتعرفهم بمحيطهم المباشر و بيئتهم المحلية والمجتمع المحلي وتفتح أعينهم على العالم . و يتأتى الدعم أيضا عن طريق تجهيز القاعات متعددة الوسائط وتوظيف مشرفين عليها من الشباب المختص لإرشاد وتوجيه التلاميذ وتدريبهم على حسن استعمال التكنولوجيات الحديثة و كيفية الابحار في الشبكة العنكبوتية والاستفادة مما توفره المعلوميات من معارف في مختلف المجالات بما يدعم المناهج والبرامج الدراسية و يعزز الدروس الفصلية .
فيما مضى كانت المدرسة العمومية خزانا اساسيا تخرج منها قادة سياسيون ومفكرون وأدباء كبار وفنانون ورياضيون . ولكنها اليوم مع الاسف لم تعد تلعب دور الترقي الاجتماعي الذي كانت تلعبه قبل سنوات واصبحت مشتلا لتفريخ الأميين والعاطلين . وتحولت من مدرسة للنجاح الى مدرسة للإخفاق والفشل بفعل السياسات التعليمية المتعاقبة -برنامج اوراش/ أرواس على حد قول احد الظرفاء - الرامية الى رفع اليد عنها لصالح "المدللة" المدرسة الخصوصية .