بينما تتواصل الاحتجاجات الصاخبة في كافة أرجاء البلاد منذ عدة شهور، منددة بتزايد معدلات الفقر والبطالة واتساع دائرة الفوارق الاجتماعية والمجالية وتجميد الأجور وغيره من الاختلالات، أمام ما باتت تعرفه أسعار المحروقات والمواد الأساسية واسعة الاستهلاك من زيادات جنونية مطردة، للمطالبة بالحد من الغلاء الفاحش الذي أثقل كاهل الطبقات الفقيرة والمتوسطة، ولاسيما في ظل ما خلفه تفشي فيروس كورونا المستجد ومتحوراته من تداعيات اقتصادية واجتماعية قاسية، فضلا عن موجة الجفاف التي ضربت في مقتل الموسم الفلاحي بسبب قلة التساقطات المطرية وتراجع حقينة السدود إلى أضعف المستويات... وفي الوقت الذي لم يعد يفصلنا عن الشهر الفضيل رمضان سوى بضعة أيام، والذي تفاعل فيه ملك البلاد مع هموم وانشغالات المواطنين والمواطنات، من خلال إعطاء تعليماته السامية لحكومة عزيز أخنوش من أجل السهر على حماية قدرتهم الشرائية والضرب بيد من حديد على السماسرة والوسطاء والتصدي لكل أشكال المضاربة والاحتكار، وضمان تموين الأسواق بالمنتجات الغذائية الضرورية... ولما سارعت الحكومة إلى إصدار بلاغ يؤكد عبره رئيسها على عزمها الرفع من التعبئة ومستوى المراقبة لوضعية الأسواق ومدى انسيابية البضائع والمنتجات داخلها، والحرص الشديد على مستوى التسويق والجودة وتعقب ومعاقبة المخالفات والسلوكات الانتهازية. والذي عبرت فيه وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات بدورها عن انخراطها في العمل بمساعدة مختلف الإدارات المعنية على تموين الأسواق الوطنية بما يلزم من منتجات غذائية تعرف استهلاكا قويا، ولا سيما الدقيق والطماطم والتمر والقطاني واللوز والبرتقال والزيت والحليب والزبدة والعسل واللحوم والبيض والسمك... أبت الإعلامية المسماة فاطمة ح. من فريق برنامج "صباح الخير يا بلادي" الذي يذاع مباشرة على الهواء صباح كل يوم من الاثنين إلى الجمعة ب"إذاعة العائلة المغربية MFM" إلا أن تؤجج غضب بعض المستمعين، من خلال إصرارها على محاولة إقناع أحد زملائها المدعو الغالي أ. ومن ورائه المتتبعين لحلقة يوم الأربعاء 16 مارس 2022 بأن مبلغ ألف درهم كاف وزيادة لتغطية مصاريف شهر كامل للأسرة الواحدة إذا ما أحسنت تدبير أمورها، دون أن تحدد لنا عدد أفراد هذه الأسرة، ما عدا إن انطلقت من عدد أفراد أسرتها المحدد في أربعة أشخاص على ما يبدو، والحال أن هذا المبلغ الزهيد لا يكفي لتغطية مصروف طفل واحد، اللهم إلا إذا كانت تريد لنا أن نعيش حياة الضنك والقهر أكثر مما نحن عليه اليوم. وبصرف النظر عن تدخلات المستمعين وآرائهم حول موضوع الحلقة، وبقدر ما لا يمكن لأي كان التشكيك في سلامتها العقلية، فإننا نشك في مدى جديتها إزاء هذا الطرح المثير للغرابة والاستفزاز، ليس فقط لأنها امرأة وتعرف أسرار مصروف الشهر وكلفة قفة اليوم الواحد لأسرة من أربعة أشخاص، باعتبارها أكثر احتكاكا بالسوق من الرجل، بل كذلك لعلمها بما صارت عليه الأسعار من ارتفاع صارخ. إذ من غير المقبول أن يأتي هذا الادعاء من قبل صحافية ذات ارتباط وثيق بحياة المواطنين وهمومهم اليومية، وتعلم جيدا أن مصروف البيت بات يشكل جمرة حارقة في أيدي ربات البيوت. فكيف لمبلغ 34 درهما إذا ما قسمنا ألف درهم على ثلاثين يوما، أن تكون كافية لإطعام أربعة أشخاص أي أقل من 9 دراهم للفرد، في وقت نجد فيه أن تقريرا حول "وضعية السجون بالمغرب خلال فترة (2016/2020)، على ضوء المعايير الدولية والتشريعات الوطنية وضرورة الإصلاح" يشير إلى أن ميزانية التغذية المخصصة لكل سجين، انتقلت من 12 درهم إلى 23 درهم بزيادة قدرها 92 في المائة؟ ولا نخال أن "لالة فاطمة" تجهل أن معظم الموظفين في مختلف القطاعات يعيشون وسط عدة مشاكل في تدبير الأجرة الشهرية، وتتضاعف معاناتهم عندما تقدم وزارة المالية على صرف أجورهم قبل موعدها أو يقوم بعض أرباب العمل لإعطاء مستخدميهم سلفات، كلما تزامن ذلك مثلا مع حلول عيد الأضحى، مما يؤكد على أن الدولة تقر ضمنيا بهزالة الأجور التي لا تصمد كثيرا أمام المصروف الشهري، وبالأحرى القدرة على التوفير الذي من شأنه إعفاؤهم من اللجوء إلى مؤسسات القروض الصغرى المنتشرة كالفطر عبر التراب الوطني لمواجهة مصاريف الطوارئ والعطل الصيفية والدخول المدرسي، إذ يؤكد الكثيرون على أن رواتبهم بالكاد تستطيع تغطية مصاريف الشهر حتى مع شد الحزام، فما بالكم بعشرات الآلاف من الأسر الفقيرة التي أصبحت تعيش على "التسول"، إثر فقدانها مورد رزقها في ظل جائحة "كوفيد -19"، إما بسبب إفلاس بعض المقاولات أو لجوء أخرى إلى تسريح أعداد كبيرة من العمال والمستخدمين وغير ذلك من الأسباب التي لم تعد خفية على أحد.
إننا نتمنى صادقين ألا يعدو قول الإعلامية فاطمة ح. بأن مبلغ ألف درهم كاف لتغطية المصروف الشهري لأسرة مغربية أن يكون هفوة غير مقصودة، وتعمل على تداركها في القادم من الأيام. إذ أن الحكومة نفسها التي ظلت تتلكأ في إيقاف مسلسل الغلاء الذي ما انفك يلهب جيوب المواطنين، تعلم اليوم بأن "السكين بلغت العظم"، وإلا ما كانت لتقرر تخصيص دعم مالي لمهنيي النقل البري للبضائع والركاب، حتى لا يكونوا مضطرين إلى مواجهة ارتفاع أسعار المحروقات خاصة بعد اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، بالتسبب في الزيادة في أسعار المواد الأساسية وتذاكر الحافلات وغيرها...