يقتضي الحديث عن المواطنة بالضرورةالتطرق لمسألتيالحقوق والواجبات، هذه الثنائية التي ببلوغها يصير "المواطن-الإنسان" فاعلا في محيطه الاجتماعي وبعيدا عن أسباب التهميش والاقصاء واللامبالاة إزاء الشأن العام. وأود هنا أن أتطرق لمسألة "الحق في الصحة" كأحد مداخل العدالة الاجتماعية وكأحد حقوق الإنسان الأساسية، إضافة إلى كون تمكين المواطنات والمواطنين من حقهم في الصحة واحدا من العوامل التي تزيلأسباب الإقصاء الاجتماعي ( هذه العوامل المتمثلة في توفير الفرص أمام جميع المواطنين والمواطنات بشكل متساو للاستفادة من: الخدمات الصحية والتعليمية وظروف السكن اللائق والولوج إلى سوق الشغل). وقد أَوْلَتْ جميع المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الانسان أهمية كبرى للحق في الصحة، كما جاء الدستور المغربي الجديد ليعطي لهذا الحق مكانته التي يستحق عبر دسترة الحق في الصحة، إذ ينص الفصل 31 من الدستور على ما يلي: "تعمل الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات المحلية الترابية، على تعبئة كل الوسائل المتاحة، لتيسير أسباب استفادة المواطنات والمواطنين، على قدم المساواة، من الحق في: - العلاج والعناية الصحية؛ - الحماية الاجتماعية والتغطية الصحية، والتضامن التعاضدي أو المنظم من لدن الدولة.". وتنزيلا لمقتضيات الدستور، ومن أجل تمكين المواطنين من الاستفادة من الخدمات الصحية بشكل عادل يضمن المساواة بين الجميع، ويكرس البعد الصحي كأحد أهم أبعادالتنمية البشرية المستدامة،اعتمدتوزارة الصحة عددا من المقارباتلضمان فعالية عملها وبلوغ أهدافها التي سطرتها في برنامج عملنا، حيث اعتمدنا المقاربات التالية: * المقاربة التشاركية: تهدف إلى توفير الخدمات الصحية على أساس مشاركاتي مع كافة الأطراف المعنية بالقطاع الصحي حسب مجالات تدخلها، يرتكزعلى الشفافية والمسؤولية؛
* المقاربة المنظوماتية: التي تهدف إلى تأمين التناسق في تطوير النظام الصحي وتجويد الخدمات الصحية من خلال تدعيم وتحسين عرض الخدمات الصحية، ودعم وتوفير الموارد البشرية، وضمان التغطية الصحية والتمويل الصحي وكذا توفير الأدوية الضرورية واللقاحات والتجهيزات الطبية مع إرساء نظام معلوماتي صحي يسمح للمسؤولين باتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب. كما تعتبر الحكامة الرشيدة وحسن التدبير من أهم المناهج التي ستحكم التوجهات الرئيسية للقطاع. * المقاربة الحقوقية: وهي موضوع حديثي في هذا المقال، ويتبين من خلال استرتيجية وزارة الصحة أنها تولي لهذه المقاربة أهمية كبرى وجوهرية. وهو أمر في غاية الأهمية، فالولوج إلى الخدمات الصحية والاستفادة منها بشكل مُتساوٍ هو حق لكل المغاربة، ومن حق كل مغربية وكل مغربي الاستفادة منها دون أن يتعرض لأي مساس بكرامته، ودون أي تَمَنُنٍ من أحد، وبعيدا عن أي أسلوب ابتزازي.ومن شأن هذه المقاربة تفعيل كل المقتضيات الدستورية والمعاهدات والمواثيق الدولية المتعلقة بالحق في العلاج والعناية الصحية. ولتعريفالحق في الصحةنستشهد بماما جاء في دستور منظمة الصحة العالميةوالذي يقول بأن "التمتعَ بأعلى مستوى من الصحةِ يمكنُ بلوغه هو أحدُ الحقوقِ الأساسيةِ لكل إنسان، دونَ تمييزٍ بسببِ الجنسِ أو الدينِ أو العقيدةِ السياسيةِ أو الحالةِ الاقتصادية أو الاجتماعية.وهو الأمرُ الذي يَفرضُ على الحكوماتِ تهيئةُ الظروفِ المناسبةِ التي تتيح لكل فرد إمكانيةَ التمتعِ بأكبرِ مستوى ممكن من الصحة عبرَ ضمان الخدمات الصحية، وتوفير ظروفعمل آمنة ومساكن لائقة وتغذية سليمة". ولا شك في أن بلوغ هذه الأهداف في بلادنا يحتاج عملا تكامليا، تتضافر فيه جهود جميع القطاعات الحكومية. ولأجل القيام بخطوة جبارة لإرساء الحق في الصحة للطبقات المعوزة وضعت وزارة الصحة استراتيجية قائمة على رؤية شمولية، ترتكز على برامج وخطط عملية. ومن بينها: 1- برنامج المساعدة الطبية RAMED: وقد تم إعطاء الانطلاق لتعميم نظام المساعدة الطبيةRAMED، من لدن جلالة الملك محمد السادس في كل جهات المملكة يوم 13 مارس 2012 بالدار البيضاء. وهو مشروع مجتمعي كبير يستهدف 8,5 ملايين نسمة من المواطنات والمواطنين ذوي الدخل المحدود. هذا الورش المجتمعي يشرف عليه كل من وزارة الداخلية ووزارة الصحة. ومن أجل إنجاح هذا البرنامج تقوم وزارة الصحة بتقوية الخدمات الصحية عبر العديد من الإجراءات والتدابير التي تم الشروع في إعمالها منذ دخول المساعدة الطبية إلى حيز التنفيذ، بالإضافة إلى مصاحبة هذه الإجراءات بتدابير أخرى تتعلق بإخبار وإعلام المستفيدين بواسطة رزمة من الآليات الإعلامية لتمكينهم من التعرف والوقوف على العلاجات والخدمات الصحية التي يوفرها هذا النظام. 2- إنشاء الوحدات الطبية لمستعجلات القرب: وقد تم إنشاء و تشغيل 30 وحدة طبية لاستعجال القرب من بين 80 وحدة تمت برمجتها بالأقاليم التي لا تتوفر على مؤسسة استشفائية أو بالمناطق البعيدة عن المؤسسات الاستشفائية؛ · دعم وحدات المساعدة الطبية للإنقاذ لفائدة النساء الواضعات والمواليد الجدد بالوسط القروي (SAMU Obstétrical). لتسهيل عملية التكفل والترحيل السليم وذلك بإحداث 20 وحدة جديدة خصوصا بالمناطق النائية. 3- تنظيم الحملات الطبية الكبرى ( المستشفيات المتنقلة) سطرت وزارة الصحة في استراتيجيتها الحالية المعتمدة على سياسة القرب مجموعة من التدابير، وعلى رأسها تنظيم الحملات الطبية، نظرا لمساهمة هذه الأخيرة في الفحوصات الطبية المتخصصة للسكان في المناطق النائية، وفك العزلة الصحية عن العديد من التجمعات السكانية. ولذا فإن الوزارة تعتزم تشجيع هذه الآلية كامتداد طبيعي للمؤسسات الصحية الثابتة وذلك عن طريق : · انطلاق قوافل طبية متخصصة في جميع الأقاليم التي بها معدل استشفاء يقل عن%1,5والتكفل بالحالات المرضية التي يتم الكشف عنها؛ · تنظيم حملات وطنية للكشف والتكفل بضعاف البصر في الوسط المدرسي؛ · تنظيم 15 حملة طبية للتكفل الجراحي بداء الساد "الكاتراكت" لفائدة حوالي 3000 شخص مصاب بالعمى. تستهدف العملية بالخصوص الفئات الفقيرة و ساكنة العالم القروي؛ · تنظيم حملة وطنية للكشف الطوعي المجاني عن فيروس العوز المناعي البشري. كما قررت وزارة الصحة في تجربة هي الأولى من نوعها في بلادنا باقتناء مستشفيين متنقلين يضم كل منهما جميع الأقسام الصحية المتواجدة بالمستشفيات، بما فيها المركبات الجراحية. وذلك لتنظيم حملات طبية متعددة الاختصاصات بالمناطق النائية ببلادنا. إن ما سبق هو خطوات من بين أخرى تسعى لتجسيد المقاربة الحقوقية وتمكين المواطنات والمواطنات الذين تطالهم الهشاشة من حق من حقوقهم الأساسية ألا وهو الحق في الصحة.