بعد ان احرق الاسلاميون رصيدهم لدى المغاربة، ابتكروا "مقاطعة الانتخابات"، وهي اكثر الالعاب، ان لم نقل المؤامرات، السرية، السفلية، التي دفع الشعب المغربي ثمنها غاليا، هدفها : اقناع المواطن بعدم جدوى المشاركة السياسية والانتخابية، تبخيس العمل الحزبي، عدم اهلية الاحزاب، تخوين وجرح مصداقية كل الفاعلين السياسيين، وبالتالي عدم جدوى التصويت، بحيث يكون الخيار الاستراتيجي الوحيد امام الشعب هو "المقاطعة"، وتكون فرصة سانحة لنزول الاف الاسلاميين والمتعاطفين للتصويت.. يفوز الاسلاميون طبعا، فقد تم تمهيد الطريق امامهم وتنقيتها من كل المنافسين، من خلال سلاح المقاطعة، الذي رصد من اجل نشره و تثبيته سنوات من التأصيل والبناء الفكريين، وقد تبينت فائدته على الاسلاميين، بتوالي المشاركات الانتخابية، ومد اذرعهم الاخطبوطية في مؤسسات المملكة ..
ولا تكتمل الحبكة دون الاستعانة بخدمات مواقع و مدونين، يقبضون بالشمال ليكتبوا باليمين عن خيار المقاطعة ، وترسيخها كفكر، واختراع ما من شأنه الاساءة للإسلام قبيل الانتخابات بفترة، بحيث تنتفض الجينات العربية الاسلامية في جسد المواطن الذي يرى فيما كتب ودون استهدافا للدين، وان من الواجب عليه المشاركة في غزوة التصويت ونصرة من يمثل الاسلام بخطاباته الحماسية و حنكته البالغة في دغدغة مشاعر المتلقي.. اكثر ما خدم الاسلاميين في استحقاقات 2011، في ذروة الربيع العربي واوج تألق حركة 20 فبراير، كان هو عدول الحركة عن المطالب الاجتماعية وتوجهها صوب المساس بالمقدسات والمطالبة بالحرية الجنسية، الحق في افطار رمضان وكل ما من شأنه استفزاز مشاعر اعتى عربيد في الشارع المغربي، ولك ان تتخيل وقع خرجات الحركة، بعد دبلجة المدونين والمواقع و باسيج الاسلاميين للأخبار وترجمتها الى لغة الشارع، ورش بهارات واضافة نكهات كفيلة بزعزعة الامن والاستقرار.. في الاستحقاقات الموالية، كانت مسيرة "ولد زروال"، مسيرة ظاهرها الاساءة للإسلاميين وباطنها الترويج لهم بطريقة غير مباشرة، فقد انتهى العصر الذي يهاجم فيه العدو مباشرة, لان اللعبة الحديثة هي استهداف المعني بالأمر وجعله "شجرة مثمرة"، بطريقة منمقة ، و الزج بمنافس الشجرة المثمرة هذه في اللعبة ثم التخلص منه لاحقا بالضربة القاضية، بالاستعانة بالباسيج والذباب الالكتروني، الذي لا يصدق وقوع جنازة ليشبع لطم.. لم يعد انصار المتأسلمين يعلنون تضامنهم علنا، بل اصبحوا من حين لآخر يهاجمونهم كما يفعلون مع البقية لكن مع بعض المحاباة التي تتعاظم عندما يقع اسلامي في مشكل يعريه للعيان:( تعيين مقرب، استرزاق غير مشروع، فضيحة اخلاقية...)، آنذاك يهرعون دون تقية، للدفاع عنه وبذل النفس والنفيس وتسخير كل المنابر الاعلامية للدفاع عنه، بشعار "لن نسلمكم اخانا..". ويلعب المدونون بسلاح المقاطعة ،الكفيل بإرباك الحسابات في لحظة تتميز بالهشاشة، بعد ان فطنوا الى ان الشعب المغربي على استعداد لسحب الثقة من الذين يتلقون دعما اعلاميا رسميا، فدعم احدهم يعني بالمباشر يعني افقاده الشعبية وتحويله الى ورقة مكشوفة.. تعددت الاسباب والفوز واحد، صحيح ان الاسلاميين لا يقدمون رشاوى للمصوت، وبهذا يتفاخرون امام باقي الاحزاب، لكنهم يعمدون الى استعمال رشوة " الدين"، بانتقاء كلمات خطاباتهم وحشوها بما بإمكانه ان يظهرهم بمظهر المضطهدين والمغلوب على امرهم، الناجون من اصحاب النبي نوح عليه السلام، المنخرطون هم ركاب السفينة وبالتالي فالبقية كفار غرقى لا عزاء لهم.. باستغلال بعض الخرجات، التصريحات والاخبار والركوب عليها، فمرة يهاجمون القروض ثم يتبين ان المهاجم وقيادات اخرى تستفيد من قروض سكن, ومرة باستهداف وزير ورجل اعمال منافس ووصفه بالسارق، قبل ان يتبين انه كان ربحا مشروعا، مرة يتحججون بالصيف والتبرج والسفور ثم يتصارعون على منصب فتنشر بعض القيادات لبعض صور وفيديوهات لا اخلاقية.. كل هذا والشعب في موقف المتفرج، يحسب عليه انه المتسبب في قدوم الاسلاميين, فيعاقب من طرف خصوم المتأسلمين برفع الدعم عن المواد الاساسية ،تحرير سوق الغاز، التقاعد، التعاقد، الغاء مجانية التعليم والصحة، رفع اسعار المواد الغذائية، تثبيت معاشات النخب السياسية..الخ، ويصادق الاسلاميون على تلك القرارات بابتسامة و بالإجماع, بل وبعناق اخوي حار، بعد التأكد من عدم قدرتهم على تدبير الصراعات السياسية بمرجعيات الفصيل الجامعي، و بضرورة التماهي مع شروط وقواعد اعداء الامس للبقاء اطول فترة ممكنة في المشهد السياسي..
حتى اذا انتهت عهدة واقتربت استحقاقات انتخابية اخرى، تباكوا على ما لاقى الشعب من سنين عجاف، استدروا العطف بخطابات المظلومية والاضطهاد، واستعانوا بخدمات المدونين والمواقع والصفحات، لنشر فكرة المقاطعة، مستغلين ياس وخيبة امل الشارع، فيقاطع الشعب، ويصوت الاسلاميون بكثرة.. وهكذا دواليك.