في معرض حديثه، بمناسبة افتتاح مؤتمر مهندسي العدالة والتنمية، صنف بن كيران الفاعلين السياسيين إلى ثلاثة أصناف كالتالي : «الأشخاص والجهات والمجموعات والأحزاب والتنظيمات السرية وغير السرية التي جعلت الحكم هدفا لها وفشلت، ساومت بعد ذلك ورجعت بشكل أو بآخر.وهذه المساومة مقابل الانحناء بشكل أو بآخر» ثم «من جاء يأخذ أجرا مقابل مساندة السلطة والمشروعية»، وفي الأخير «الرجال والنساء الصادقون الصالحون الذين لم ينازعوا على المشروعية ولم يأخذوا مقابلا على السكوت أو على المرور إلى الجهة الأخرى، وهو ما اللي حافظو على بلادنا من داك الوقت لدابا». لعل الصنف الأول يخص اليساريين الذين اتهمهم جميعا دون استثناء «بالمساومة مقابل الانحناء». الصنف الثاني واضح ويتعلق بالانتهازيين الذي تقاطروا على الأحزاب الإدارية. أما الصنف الثالث، على ما يظهر، له «عروة وثقى» ب»الفرقة الناجية» المكونة من «الرجال والنساء الصادقين الصالحين» الذين ساندوا المشروعية دون أخذ مقابل عن صمتهم وعن تموقعهم في جهتها. من المؤكد أنه يقصد بهؤلاء متأسلمي ومتأسلمات حزبه ولا يعمم هذه المميزات على المتأسلمين الآخرين من عدل وإحسان وسلفيين جهاديين ... الذين ينازعون الشرعية على حد قوله. بكلمة، يريد بن كيران إخبارنا بأنه هو ومريدوه هم الناجون في الدنيا وربما في الآخرة. ولكن كيف تيقن بن كيران من صدق أعضاء حزبه بعدما تبين بالملموس أن من بين هؤلاء أشخاص مرتشون وتجار مخدرات ...؟ ثم كيف تأتى له العلم بما في النفوس؟ من الممكن الحكم على الفرد من خلال معاملاته وممارساته بالصلاح بينما يصعب التأكد من صدق الإنسان ما عدا بعض رفاق الطريق الذين تحولوا بحكم الضرورة إلى علب سوداء مثل عبد الله باها الذي استحق نيل هدية وزير الدولة بدون حقيبة في زمن التقشف لا لشيء إلا لكونه «رفيق درب» في مشوار الحركة المتأسلمة. من جهة أخرى، يظهر أن بن كيران يركز على التجربة المنطلقة من بداية ثمانينات القرن الماضي دون الرجوع إلى بداية سبعينات القرن. بعبارة أخرى، يريد أن ينسينا في تجربة الشبيبة الإسلامية وفي تجربته داخلها. فعن ماذا ستحسب هذه التجربة عن منازعة الشرعية أم عن عدم منازعة الشرعية؟ وإذا كانت تنطوي هذه التجربة عن منازعة الشرعية في البداية أو النهاية ثم تحولت إلى عدم المنازعة، فهل هذا معناه السقوط في المساومة والانحناء إسوة بما عاشه اليساريون في نظر بن كيران؟ بالعودة إلى تجربة هذا الأخير وأتباعه طبعا، يجدر بنا أن نقر بحقيقة مفادها أن الشبيبة الإسلامية لم تكن تنازع شرعية النظام بقدر ما كانت بمثابة تنظيم مواز للنظام مهمته الرئيسية هي محاربة اليسار عموما والماركسي اللينيني على الأخص. ولم يختر مطيع طريق منازعة الشرعية إلا بعد الحكم على الجماعة المجرمة التي اغتالت الشهيد عمر بن جلون. وحينها خطب بن كيران في جموع المتظاهرين ضد الأحكام الصادرة عن المحكمة سنة 1980 قائلا : «من أجل قتل كلب أجرب كان يسب الله ورسوله حكم على خيرة شباب الأمة بالإعدام والمؤبد». هذا ما فاه به «الرجل الصادق الصالح» بن كيران من سباب وشتم في حق المناضل اليساري الفذ عمر بن جلون. وفي المرحلة الموالية، قبل الانفصال عن الشبيبة الإسلامية لما أصدر مطيع مجلة «المجاهد» في نهاية سنة 1980 وبداية 1981 حسب ضابط الاستعلامات العامة الخلطي، ألم يكن بن كيران منخرطا في منازعة الشرعية؟ هنا وجب الانتباه إلى أن الحقبة الموالية كانت حاسمة في اختيارات بن كيران وأتباعه باعتبارها مهدت التربة لولوجهم العمل السياسي بتنسيق مباشر مع الضابط الخلطي ومن خلال الرسائل الموجهة للديوان الملكي ولوزير الداخلية. تبدأ هذه الحقبة باعتقال بن كيران بعد المظاهرة والتحقيق معه والحكم عليه بثلاثة أشهر موقوفة التنفيذ وتوطيد العلاقات مع الضابط الخلفي الذي كان يلجأ إليه بن كيران في كل صغيرة وكبيرة ويستشيره في كل ما سيقدم عليه من مبادرات وخطوات من أجل الحصول على الشرعية القانونية لتنظيمه «الجماعة الإسلامية». يقول الضابط الخلفي في هذا الصدد ما يلي : «حين قدم بنكيران ومن معه استقالتهم من الشبيبة الإسلامية، قرروا الخروج من السرية والعمل في المشروعية، فجاء المرة الأولى بنكيران لوحده ثم أتى بصحبة عبد الله بها للتشاور معي إن كان بإمكانهم تأسيس جمعية. فأجبتهم أنه يمكنهم ذلك، وقلت لهم أن يعدوا قانونها الأساسي ويركزوا على 3 محاور : موقفهم من الملكية، وموقفهم من وحدة المذهب المالكي، وموقفهم من الصحراء المغربية، ثم يفصحوا عن لائحة المكتب المؤسس ... .. وفي نهاية المطاف أسسوا جمعيتهم في نهاية سنة 1983 وقدموا ملف جمعية «الجماعة الإسلامية» إلى السلطات، لكنهم لم يحصلوا على الوصل. وبعد أن استشارني هل يجتمعون أم لا بعد التأسيس، سألته إن كانوا سيصدرون جريدة، فقال لي إنهم سيصدرون جريدة إسمها «الإصلاح»، فاقترحت عليه أن يجتمعوا تحت غطاء الجريدة وينظموا ندوات بإسمها»(لكم.كوم، الأربعاء 30 نونبر 2011 ). في هذه الحقبة اتفق بن كيران وأتباعه على «إستراتيجية بناء التوجه الجديد» و»تقوم هذه العملية، على بناء ما أسمته الجماعة بالتوجه الجديد للتعامل والممارسة، هذه «الصناعة» التي تبلورت من خلال القناعات التي رسمتها لنفسها والمتمثلة في تبني إستراتيجية مهادنة في مواجهة السلطات الرسمية ... وكذلك عدم التعرض بالنقد المباشر للحكومة والأجهزة السياسية الرسمية وتركيز حملاتها على اليسار والفكر الماركسي، وقد مكنتها استراتيجيتها هذه من تجنب المواجهة المباشرة مع النظام، وجعل صحافتها تبقى بعيدة عن مضايقة الرقابة ... «(د. البشير المتافي، الأهرام الديمقراطية، عدد 50 بتاريخ 06.03.2013 ). كما يلاحظ، تصرفت مجموعة بن كيران كتنظيم مواز للمخزن حتى بعد انفصالها من الشبيبة الإسلامية إذ أنها حافظت على ثوابتها في «تركيز حملاتها على اليسار والفكر الماركسي» مقابل المهادنة وعدم نقد الحكومة والسلطات الرسمية وتجنب المواجهة مع النظام. هذا ما لخصه الشوباني حينما صرح بأن «حزبه لم يخض فعلا صراعا مع الدولة ولم يسقط فيه شهداء» لكون المهمة التي أوكلت إليه منذ البداية هي محاربة اليسار عن طريق الاغتيالات إن اقتضى الأمر ذلك كما وقع بالنسبة لعمر بن جلون ولعدد كبير من الطلبة اليساريين أمثال بنعيسى آيت الجيد وغيرهم. لم تكتف هذه المجموعة بالتنسيق مع ضابط الاستعلامات العامة، بمبادرة شخصية حسب قوله، بل انتقلوا إلى الاتصال بالدوائر العليا بالبلاد عبر مراسلة الديوان الملكي ووزير الداخلية. ويتعلق الأمر ب»الرسالة المرفوعة إلى الديوان الملكي المؤرخ في 29 نوفمبر 1985، وكذا الرسالة المطولة إلى وزير الداخلية بخصوص وضعية الجماعة الإسلامية بتاريخ 17 مارس 1986، وأخيرا الرسالة المرفوعة إلى الديوان الملكي بتاريخ 12 أكتوبر 1987»( د. البشير المتافي، الأهرام الديمقراطية، عدد 50 بتاريخ 06.03.2013). في الرسالة الموجهة إلى ادريس البصري، يفتتح ين كيران رسالته كالتالي : « ?يسرني? ?أن أرفع إلى جنابكم هذه الرسالة التوضيحية حول جمعية الجماعة الإسلامية وظروف نشأتها وواقعها الحالي? ?وما نرجو اللّه أن? ?ينعم به علينا من خير على? ?يدكم واللّه المستعان»?.? فإذن، يتوسل بن كيران أن يأتيه الخير هو وأتباعه على يد البصري. لماذا؟ يجيب بن كيران : «نشاط هذه الجمعية?(يقصد الشبيبة الإسلامية) ?يقوم على دعوة الناس عامة والشباب خاصة إلى الإلتزام بالإسلام باعتباره شاملا لحياة الإنسان والمجتمع من حيث العقيدة والعبادات والأخلاق والمعاملات،? ?ووجدت هذه الدعوة في? ?تلك الأيام إقبالا كبيرا من الشباب وخصوصا بعد أن تصدى الشباب المسلم الملتزم للشباب اليساري? ?في? ?الثانويات والجامعات ورجعت الثقة بالنفس إلى الشباب المتدين عامة وأقبلوا على? ?جمعية الشبيبة الإسلامية في? ?كل أطراف البلاد ...?». الملاحظ هو أنه يقدم كمقابل لتوسله دوما ما حققته الشبيبة الإسلامية في مواجهتها لليسار. وهذا هو الرصيد «النضالي» على درب خدمة النظام الذي يقايض به الحصول على السماح لمتأسلميه بالعمل السياسي الشرعي. ومن أجل ذلك، ف»إننا نأمل أن تتداركنا عناية اللّه على? ?يدكم فيسمح لنا من جديد بممارسة نشاطنا والاستمرار في? ?القيام بواجبنا في? ?الدعوة?. ?ومن الواجب في? ?رأينا أن? ?يقوم بين المسؤولين والدعاة تعاون قوي? ?لما فيه خير بلادنا». بمناسبة التوسل لمنحهم الترخيص لممارستهم السياسة بشكل قانوني، خصصت للبصري مرتبة لا يفقهها سوى بن كيران وأتباعه مع التشبث دائما بتوضيح أن واجب «الدعاة» أي المتأسلمين هو أن يتعاونوا مع المسؤولين في حربهم ضد اليسار والإلحاد. وفي الرسالة التي بعثها إلى الديوان الملكي بتاريخ 12 أكتوبر 1987 ، يقول بن كيران : «و فعلا فقد قمنا بتأسيس جمعية سنة 1983 و أطلقنا عليها اسم جمعية الجماعة الإسلامية دليلا على أنها تضم مجموعة من الشباب الذين فضلوا التمسك بالنهج الإسلامي الأصيل في جميع مجالات الحياة و لديهم رغبة أكيدة في الدعوة إلى هذا النهج ، في حين اختار كثير غيرهم النهج العلماني الاشتراكي أو الرأسمالي. و نحن في ذلك لا نكون إلا مؤكدين للمبادئ التي ما فتئتم تؤكدون عليها من أن المغرب لن يكون أبدا إلحاديا و لا علمانيا، و إنما سيظل قائما بإذن الله على الكتاب و السنة و الإجماع». المهم في هذه الفقرة هو محاولة إبراز اصطفاف المتأسلمين إلى جانب الملك لكونهم يؤكدون كما يؤكد الملك على نفس المبادىء خلافا للعلمانيين الاشتراكيين والرأسماليين والملحدين. وللزيادة في توضيح رؤيتهم، كتب بن كيران : «إن موقفنا هذا مبني على الاقتناع بأن أزمة العالم الإسلامي أزمة حضارية لم يتأتى تجاوزها إلا بدعوة الشباب إلى تجديد فهمه للدين و التزامه به على أساس التوفيق بين الأصالة و المعاصرة متعاونين في ذلك مع المجالس العلمية باعتبارنا نخاطب الشباب الذي قد لا يصل إلى المسجد لسماع كلام العلماء مباشرة». هنا أيضا، نعثر على التعاون مع المجالس العلمية هذه المرة لكي «يخاطب» الشباب من داخل المساجد ومن خارجها. وبهذا المعنى، سيكون العمل «الدعوي» الاستقطابي إلى صفوف المتأسلمين مكملا لعمل مجالس العلماء. وقد أثيرت هذه الأخيرة نظرا لكون الملك هو الذي يترأسها مع العلم أن الرسالة لم تشر إلى صفته كأمير المؤمنين. وبهذا، يكون المتأسلمون قد عبروا عن استعدادهم للتعاون مع مسؤولي السلطة والقائمين بشؤون الدين الرسمي من أجل «التصدي» لليساريين والعلمانيين والملحدين. وقد كان مصير هذه المحاولات التوسلية هو الفشل بالرغم من اندراجها في خانة عدم منازعة الشرعية والتعبير علنا وبالمكشوف أن بن كيران وأتباعه «متطوعون» لتقديم خدماتهم للنظام على المستويات القمعية والإديولوجية في حربه ضد اليسار. ألا يمكن تصنيف هذه التوسلات في إطار المساومات الرخيصة المفضية إلى تحويل بن كيران واتباعه إلى «متعاونين» مع النظام بما تحمله هذه الصفة من دلالة سلبية وقدحية تعطي الانطباع عن القبول الطوعي لخدمة النظام بمجرد إتاحتهم فرصة العمل السياسي الشرعي؟ وما هو الفارق بين هذه النظرة إلى العلاقة مع النظام وما تمارسه الأحزاب الإدارية؟ ولما لم تسفر التوسلات السالفة عن الوصول إلى المبتغى، ما كان من بن كيران وأتباعه إلا أن يطرقوا أبواب الخطيب خادم المخزن والمتعاطف والمساند للشبيبة الإسلامية ولقتلتها الذين اغتالوا الشهيد عمر بن جلون ووجدوا ضالتهم عنده للفرار من متابعات الأجهزة الأمنية. وقد وضع حانوته الفارغ والمغلق منذ ولادته تحت تصرفهم ليقتحموا غمار العمل السياسي على قاعدة عدم منازعة الشرعية وإعلان الحرب وشنها ضد اليسار. وكانت المواجهة البارزة الأولى عندما طرحت الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية وتلتها حروب ضد الفنانين والصحافيين والسينمائيين ... وبالمقابل، ركزوا على «سياسة القرب» لتوسيع قاعدتهم الاجتماعية في الأوساط الفقيرة والأمية بأحزمة الفقر المحيطة بالمدن مما مكنهم من الفوز بمقاعد برلمانية عديدة بسبب ما ينفقونه من «رشاوي» للمحتاجين من خلال تنظيم حملات الختان ودور القرآن وما إلا ذلك من «إحسان» ... وظلوا ينصاعون إلى أوامر المخزن بقبولهم الترشيح في عدد محدد من الدوائر الانتخابية وإقالة رئيس فريقهم البرلماني والتصويت على مدونة الأسرة ... كما تمسكوا بمساندة النظام ضد حركة 20 فبراير وتزكية كل مبادراته من تعديل دستوري وانتخابات سابقة لأوانها ملتزمين الصمت بالنسبة للتزوير والاختلالات التي شابت هذه الاستحقاقات. وفي الأخير، تأتى لهم أن يفوزوا في الانتخابات التشريعية أكثر مما كانوا يتوقعون وأن يترأسوا الحكومة بفضل أصوات المتعاطفين وغير المتعاطفين معهم. وفي الوقت الذي كان فيه هؤلاء المواطنين والمواطنات ينتظرون تحقيق مطالبهم وتحسين ظروف عيشهم، فوجئوا بالزيادة في أثمان المحروقات وبالتالي في أسعار النقل والمواد الغذائية ... وكذا بترويج خطاب لم يعهدوه على شاكلة «عفا الله عما سلف» بدل محاربة الفساد و»رزاق الله» عوض تشغيل الدكاترة المعطلين ... فيما أطلقت نعوت مختلفة على المنتقدين والمعارضين لتدبير الشأن العمومي من طرف الملتحين من قبيل العفاريت والتماسيح والمشوشين والتشويش والخشيبات والحياحة ... وفي نفس الآن، حرص الملتحون على التأكيد على ثقة الملك في الحكومة وبالأحرى على أنهم الوحيدون، بجانب الملك، الذين يريدون الإصلاح كما عبر بوانو عن ذلك. ويكمن هذا الإصلاح، حسب فهمهم، في التطبيق الحرفي لتوصيات المؤسسات المالية الدولية. وتمثلت مقدمات هذا التوجه بالرفع من أسعار المحروقات والاقتطاع من ميزانية الاستثمار وتطبيق نظام المقايسة بالنسبة للمحروقات والمواد الأساسية في انتظار الفتح الرسمي لملفات صندوق المقاصة ونظام التقاعد ... بعبارة أخرى، اختاروا أن ينهجوا طريق تفقير الشعب عامة بما فيه الطبقة الوسطى التي ستتأثر فئاتها السفلى لا محالة بالضربات المتتالية الموجهة إليها. وعليه، يتبادر السؤال التالي : «ألم يبرهن الملتحون بما فيه الكفاية أنهم ماضون في حربهم من داخل الحكومة من أجل تجويع الشعب و»بلترة» الطبقة الوسطى بعدما حاربوا اليسار والعلمانيين والملحدين وهم خارج الحكومة؟ ألا يكشفون عن وجههم الحقيقي المستبد بتطبيق المثل القائل : «جوع كلبك إتبعك»؟ فكما كان حالهم سابقا من خلال «إرشاء» المواطنين والمواطنات الفقراء والأميين عبر «سياسة القرب» لكسب أصواتهم في الانتخابات، ها هم يركزون كل جهودهم من أجل تفقير الشعب في مرحلة أولى ثم «إرشاء» جموع المعوزين بتخصيص مدخول شهري لا يسمن ولا يغني من جوع لتوسيع كتلة المصوتين على حزبهم مستقبلا لكي يتمكنوا من إطالة عمر تواجدهم بالحكومة للمضي قدما في مخطط الأخونة التدريجية للمجتمع المغربي. ألم تكن هذه المرحلة وليدة صفقة مع الخطيب مقبولة ضمنيا من لدن النظام على أقل تقدير؟ وكيف يمكن تسمية مواقف مثل الخضوع إلى أمر الترشيح الجزئي وإقالة رئيس الفريق البرلماني والتصويت على مدونة الأسرة؟ كيف يمكن تصنيف هذه الانحناءات؟ هذه بعض من «معالم في الطريق» التي تتغيا الانتقال من « البعث الإسلامي» إلى «تسلم قيادة البشرية» المغربية! وقد سار بن كيران وأتباعه إجمالا على نهج عدم منازعة المشروعية ومهادنة النظام والحكومات والسلطة ... وفضلوا، عن طواعية، لعب دور تنظيم موازي للنظام هدفه محاربة اليسار بشكل خاص. كان هذا هو المسار الذي اختطوه لأنفسهم منذ انخراطهم في الشبيبة الإسلامية وبعد تأسيس تنظيم الجماعة الإسلامية مع ما تخلل ذلك من تنسيق مع الاستعلامات العامة والتوسل والتسول لادريس البصري والديوان الملكي شاهرين «رصيدهم النضالي» السابق وواضعين أنفسهم تحت تصرف النظام للتعاون على المستويين الأمني والإديولوجي لاستهداف اليساريين والعلمانيين والملحدين. وبعد تمكينهم من حركة الخطيب، واصلوا سياسة «التصدي» لليسار والحركة النسائية والمثقفين والفنانين والصحفيين وحركة 20 فبراير وانحازوا إلى صف النظام ودافعوا بإصرار عن تدابيره الدستورية والانتخابية بما لها وما عليها. بناء على كل ما سبق، لا يسعنا إلا أن نتساءل عما قدمه هؤلاء الملتحون للنضال الديموقراطي ومدى مساهمتهم في بناء الديمقراطية في المغرب؟ ألم يكونوا، خلافا لذلك وفعليا، طوال مسارهم السياسي جنودا مجندين ضد الديمقراطيين والديمقراطية في المغرب؟