لا شك أن الكل صار ينتقد بشدة كبيرة، سيطرة محتويات "تافهة" على مفاصل مواقع التواصل الاجتماعي، ويعيب انتشارها بشكل يدعو للقلق، لكن هل سبق لأحد أن تساءل مع ذاته حول من المسؤول عن التطبيع مع مثل هكذا محتويات، تساهم في تمييع الذوق العام؟ بكل التأكيد، الجواب سهل وواضح جدا، لأن نسب المشاهدات العالية التي تحققها هذه المحتويات عبر منصات التواصل الاجتماعي، تؤكد أن لها داعمين أساسيين، يحتضنونها بقوة، ويساهمون في انتشارها على نطاق واسع، حتى صار تقليدا وسلوكا يوميا لا يمكن لفئات عريضة التخلي عنه. وبالمقابل، نجد العديد من المحتويات الجادة، والتي تحمل في طياتها خدمة ومعرفة هامة للجميع، لا تحوز نفس القدر من المتابعة والاهتمام، وهو ما يدعو فعلا للقلق، ويحتاج إلى نقاش عمومي واسع. فحقيق أن طباع "المغربي" يحكمها هاجس "الفضول" ورغبة مفرطة نحو "حشر الأنف" في كل صغيرة وكبيرة، وهنا لا نعمم، ولكنها الحقيقة التي ينبغي البوح بها، سيما ما يتعلق بفضائح "الآخر" التي باتت تحقق نسب مشاهدات عالية جدا، الأمر الذي جعل الكثير من صناع المحتويات يتجهون "بلا حشمة بلا حياء" إلى السير على هذا المنوال، طالما يذر عليهم مبالغ مالية كبيرة جدا، في غياب تام لأي رقابة من شأنها التصدي لمثل هكذا محتويات، لا شك أن تأثيرها على سلوك الفرد والجماعة بات واضحا جدا، سواء من قبل الجهات الوصية، أو حتى الأسر، التي انخرطت بدورها في هذه "اللعبة القذرة" بحثا عن المال والشهرة، الأمر الذي أفرز سلوكيات وظواهر دخيلة على المجتمع المغربي "المحافظ"، حتى أن جل المتتبعين حتى لا نقول الكل، "طبع" علاقته مع هذه المحتويات الحاطة، وأضحى يشجعها ويدعمها دونما مراعاة لخطورتها الكبيرة في تقويد سلوك المجتمع، وتنميطه وفق استراتيجية وأسلوب يستدعي فعلا فتح نقاش عمومي واسع. أن هذا الوضع الخطير الذي يعيشه المشهد العام عبر مواقع التواصل الاجتماعي، يلزم طرح أسئلة عريضة، تروم بحث مكامن الخلل التي ساهمت في تفشي ظاهرة "التفاهة" والتطبيع معها، وقد صار حريا بالجهات الوصية، أن تشتغل على هذا الموضوع، من خلال تغذية وتنمية الذوق العام والرقي به، عبر إنتاج برامج هادفة، بوصفها "بديل" لا محيد عنه، من شأنه أن يهدم كل هذه المحتويات الحاطة، ويتصدى لها عبر حملات توعية تصل البيوت عبر شاشات المغاربة، تحسس الآباء بدورهم الكبير في مراقبة سلوكيات أبنائهم، ومسؤوليتهم في زجر مثل هذه العادات السيئة.