كان رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- إذا ذُكر شُعيبٌ -عليه السّلام- قال عنه أنّه خطيب الأنبياء،ويعود ذلك إلى ما ميّزه الله به من طلاقة اللّسان، وحُسن الكلام، وقدرته على الإقناع، وقد جاء ترتيبه بين الأنبياء قبل موسى -عليه السلام-، وهو نبيٌ عربيّ، أرسله الله -تعالى- إلى العرب الذين يقطنون في شمال الجزيرة العربية، في حين إنّ إسماعيل -عليه السلام- أرسله لأهل الجنوب منها، فآمن مع شُعيب -عليه السلام- أناسٌ من قومه، ولمّا عانده الباقون ورفضوا دعوته، أخذ من آمن وتوجّه بهم إلى مكة، وبقوا هناك إلى أن توفّاهم الله ودُفنوا فيها. دعوة النبي شعيب لقومه بعث الله -عزّ وجلّ- نبيّه شُعيباً إلى قوم مَدين، وسُمّيت المدينة باسمهم، و تعود أُصولهم إلى بني مدين بن مديان بن إبراهيم عليه السّلام، وقد كانت مدينتهم قريبةً من قرى قوم لوط -عليه السلام-، وكانوا يكفرون بالله، ويَسْعون لنشر الفساد في الأرض، ولا يُوفون الوَزن، ويقطعون الطُرق، ويأخذون أموال الناس ويأكلونها بالباطل، فجاء شُعيبٌ -عليه السلام- ليدعوَهم إلى عبادة الله وحده، وينهاهم عن كلِّ أذى وسوء، ويأمرهم بترك ما يقومون به من الفساد، ليُخرجهم من ظلمات الكفر إلى أنوار التوحيد. قصة النبي شعيب في القرآن أوضح سيدنا شُعيب -عليه السلام- لقومه أنّه رسولٌ من عند الله، وقدّم لهم الدلائل والبيّنات الواضحات، قال -تعالى-: (وَإِلى مَديَنَ أَخاهُم شُعَيبًا قالَ يا قَومِ اعبُدُوا اللَّهَ ما لَكُم مِن إِلهٍ غَيرُهُ قَد جاءَتكُم بَيِّنَةٌ مِن رَبِّكُم)،وأمرهم باجتناب ظُلم الناس وسلب أموالهم، والابتعاد عن قطع طريق المارّة وأخذ ممتلكاتهم قسراً، وقد كان قوم شعيب -عليه السلام- هم أول من فعل ذلك، وحذّرهم بأنْ ذَكَر لهم مصيرهم إنْ خالفوا ما يدعوهم إليه، فيَحلّ عليهم الفقر، وتُمنع البَركة فيما يملكون، إضافة إلى ما لهم من عذاب الآخرة، كما ذكّرهم بنعم الله -تعالى- عليهم، وأخبرهم أنّ ما يَحصلون عليه من الربح عندما يحرصون على إيفاء الميزان والصّدق؛ خيرٌ لهم مما يحصّلونه بخلاف ذلك، لأنّ الحلال فيه البركة وإن كان قليلاً، قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (البيِّعانِ بالخيارِ ما لم يتفرَّقا فإن صدقا وبيَّنا بورِكَ لَهما في بيعِهما وإن كتما وَكذبا محقت برَكةُ بيعِهِما)،فاستهزؤوا به وبصلاته، وكانت حُجّتهم الأولى أنّهم لن يَدَعوا دين آبائهم وأجدادهم. وأوضح سيدنا شعيب -عليه السلام- لقومه أنّه قدوةٌ لهم فيما يأمرهم به، فلا يمكن أن يطلب منهم أن يفعلوا ما لا يفعله هو، وهذا هو حال الأنبياء جميعاً، وغايته إصلاحهم في جميع أحوالهم، قولاً وفعلاً، ثم انتقل إلى أسلوب الترهيب في الدعوة، فحذّرهم أن يصيبهم ما أصاب الأقوام الذين سبقوهم أمثال قوم نوحٍ، وهودٍ، وصالح، وغيرهم، وأقرب مثالٍ على ذلك ما أصاب قوم لوط الذين كانوا قريبي عهدٍ بهم، وكانوا يشابهونهم بالأفعال، وعَلِموا ما حلّ بهم من العذاب، ورغم ذلك لم يتّعظوا وقالوا له: (وَإِنّا لَنَراكَ فينا ضَعيفًا)، حيث تمثّل ضَعفه بأن كان ضعيفاً في بصره، لكنَّ الله ردّه عليه بعد ذلك، فقال لهم: (وَيا قَومِ اعمَلوا عَلى مَكانَتِكُم إِنّي عامِلٌ سَوفَ تَعلَمونَ مَن يَأتيهِ عَذابٌ يُخزيهِ وَمَن هُوَ كاذِبٌ وَارتَقِبوا إِنّي مَعَكُم رَقيبٌ). فقال قوم شعيب -عليه السلام-: (قالَ المَلَأُ الَّذينَ استَكبَروا مِن قَومِهِ لَنُخرِجَنَّكَ يا شُعَيبُ وَالَّذينَ آمَنوا مَعَكَ مِن قَريَتِنا أَو لَتَعودُنَّ في مِلَّتِنا قالَ أَوَلَو كُنّا كارِهينَ* قَدِ افتَرَينا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِن عُدنا في مِلَّتِكُم بَعدَ إِذ نَجّانَا اللَّهُ مِنها وَما يَكونُ لَنا أَن نَعودَ فيها إِلّا أَن يَشاءَ اللَّهُ رَبُّنا وَسِعَ رَبُّنا كُلَّ شَيءٍ عِلمًا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلنا رَبَّنَا افتَح بَينَنا وَبَينَ قَومِنا بِالحَقِّ وَأَنتَ خَيرُ الفاتِحينَ)، وطلب قوم سيدنا شعيب -عليه السلام- منه أن يَرُدّ من آمن منهم، فأخبرهم أنّ مَنْ يؤمن بالله ويخالطُ الايمانُ بشاشةَ قلبهِ لا يخرج منه إلا مجبراً مُكرهاً، فتوجّه إلى الله بالدعاء عليهم، واستجاب الله لدعائه، فأرسل عليهم الرّجفة التي أدّت إلى اهتزاز الأرض بهم حتى أهلكهم الله، وتحقّق ما حذّرهم منه نبيّهم. وقد وردت قصة سيدنا شُعيب -عليه السلام- في القرآن الكريم في مجموعةٍ من السُّور، كلُّ سورة عرضت جانباً معيناً منها، وفيما يأتي بيانٌ لهذه السُّور: سورة الأعراف: جاءت القصّة فيها من خلال تسع آياتٍ، ذكرت من خلالها الأمور التي دعا إليها شُعيب -عليه السلام- قومَه، وردُّهم على دعوته بالتكذيب، وما آمن معه إلّا قليلٌ منهم، ثم توجّه شُعيب ومن آمن معه إلى الله وتوكّلوا عليه، ثم ذكرت الآيات عذاب الله -تعالى- لمن كذّب منهم بالرّجفة. سورة الشعراء: ذكرت قصة سيدنا شُعيب -عليه السلام- مع قومه باسم أصحاب الأيكة، فقد دعاهم إلى توحيد الله -تعالى- وإيفاء الميزان والمكيال، وعدم الاعتداء على الناس، وأوضح لهم أنّه لا يريد مقابلاً عن هذه الدعوة؛ حيث إنّ أجره عند الله، لكنّهم قابلوه بالرفض واتّهموه بالسِّحر، وقالوا إنّه بشرٌ لا يختلف عنهم، ثم طلبوا منه أن يُهلكهم بأن يُسقط السماء عليهم، ثم ذكرت الآيات هلاكهم بعذابهم يوم الظُّلَّة. سورة هود: ذُكرت القصة في اثنتي عشرة آية، دعا شُعيبٌ -عليه السلام- قومه من خلال الآيات إلى توحيد الله، والابتعاد عمّا كانوا يفعلونه، لكنّهم عارضوه ورفضوا دعوته، وهدّدوه بالرّجم لولا منزلته في عشيرته، فحاول أن يذكّرهم بمصير مَنْ سبقهم من الأمم الذين عارضوا دَعوة الرُّسل، ومع ذلك لم يستجيبوا، فأنذرهم بالعذاب، ونجّى الله شُعيباً -عليه السلام- ومَن آمن معه. سورة العنكبوت: ذُكرت القصّة من خلال آيتين، عرَضت دعوة شُعيب -عليه السلام- إلى قومه وتكذيبهم له، فأنزل الله عليهم العذاب وأهلكهم بالرَّجفة. عن بيديا.ويك