بما يمكن أن يكون لنا أمل؟ منذ بزوغ فجر الإنسانية و الإنسان بفعل احتكاكه بالعالم يحاول تفسير ما يدور حوله من ظواهر طبيعية و ثقافية، إذ به يجد نفسه بدون إجابات و عاجزا على مواجهتها أو تفسيرها مما حرك البعد الميتافيزيقي فيه و أرجع هذه الاشكالات الجوهرية إلى قوى خارقة، هنا ظهر الدين. فما هو الدين؟ ما هي ارتباطاته؟ إن إعطاء مفهوم للدين يصعب الخوض فيه لأنه كل من حاول تعريف الدين فإنه لا يعرف إلا دينه لكننا يمكن القول على أنه مجموعة من المعتقدات و الممارسات و الطقوس التي يلجأ إليها الناس أفرادا كانوا أو جماعات تقربا من الإله واتقاء عذابه. إن كل دين مرتبط بمقدس أو مقدسات ما، والمقدس هو كل ما نعظمه و نبجله لدرجة أننا مستعدون للدفاع عنه حتى لو تطلب منا هذا الدفاع التضحية بحياتنا و هو ضد المدنس و ينقسم المقدس الى مقدسين: مقدس ديني الذي يتشكل في الإله، الأنبياء و الكتب و الملائكة في الديانات السماوية و الأماكن المقدسة، و مقدس لا ديني أي أنه من صنع البشر و لكنه موضوع تقديس كالدستور و ثوابت الأمة و الحدود الجغرافية . لماذا تحدثنا عن المقدسات؟ كل دين يحاول الحفاظ على بنائه و ركيزته لذلك وجب على معتقدي أو ممارسي هذه الديانة عبادتها واحترامها لأثرها البليغ على نفسية الفرد فالتقرب من الله ة التعبد له يجعل من الإنسان قويا ضد كل ما يعجز عنه لأن الله في تصوره سيحميه من الشر و يوفر له الخير فكانت أول صفقة أو عقد يبرمه الإنسان في حياته هو مع ذلك المقدس. ظهور الدين في حياة الحضارات لم يأت عبثا بل راجع لعوامل دفعته لذلك. فكما يقول جون بول سارتر: إذا لم يكن الإله موجودا فيجب اختراعه. فالظاهرة الدينية ظاهرة كونية لذا فقولة سارتر تتيح لنا المجال للتحدث عن مدى أهمية وجود الإله و منه وجود الدين، أول سبب نفتتح به لائحة الدوافع لاستمرارية أي ديانة هو الخوف، إن مسألة الخوف مما سيحدث لنا في الحياة جعلت من الإنسان يلجأ للدين ففي ثقافتنا الإسلامية مثلا هناك مسألة الجبر و الاختيار و إشكالها الأساسي هو هل الإنسان مسير أم مخير؟ و اختلفت الإجابات من مسير و مخير و من مسير في الأمور الخارجة عن طاقته و مخير في أفعاله. و هذا الخوف مما سيطرأ في الحياة سيتمدد إلى خوفنا من الموت ،فأي قوى طبيعية أقوى منا ستقتلنا فما مصيرنا ؟ فاختلفت الإجابات من تناسخ الأرواح في الديانات الهندية و الى جنة و نار في الديانات السماوية. فقوة الدين في خوف ممارسيه مما جعل أوغست كونت يقول : إن الخوف من الأموات ولّد الدين و الخوف من الأحياء ولّد السياسة. ثاني سبب هو الاستخارة، فالإنسان عجز عن القيام بالعديد من الأشياء فكان الدين ملجأه الوحيد للاتكال عليه في المنح و العطاء و حتى في إشباع حاجاتنا. إن الانسان بطبعه لا يشبع فعند تحقيق رغبة يسعى جاهدا لإيجاد رغبة أخرى التي لا تنتهي فالدين يمنح له الأمل في تحقيق كل ما يشتهيه و إن لم يتحقق له ذلك لأنه سينعم به عند موته. ثالث سبب هو الفرحة و الراحة النفسية و هذه من أكثر الأسباب التي تقوي من الدين و تمكن من استمراريته حيث تلك الروحانية الدينية قوية بما فيه الكفاية لتبث في قلوب الناس راحة نفسية و طمأنينة. يمكن إضافة مسألة الغموض التي تقوي الدين فالغموض تجعل من الإنسان دائم البحث في دينه و أشد تعلقا و طمعا في الالمام به و اتباعه على شاكلة صحيحة تهدم خوفه و تحقق الوعود التي يطمع أن يجازى بها . في القرن 14 كان الدين ممتلكا من طرف السلطة السياسية و كانوا يبيعون لهم صكوك الغفران كتذاكر للجنة يمكن القول أن تجار الدين أيضا ساهموا في استمراريته حين أنهم يبيعون لهم الوهم و كما نعلم أن الوهم هو أقوى و أجمل بكثير من الحقيقة لدرجة أنه يحل محلها، فجهل الناس لمعظم تفاصيل دين معين بالإضافة أن الديانات السماوية على سبيل المثال تنهي عامة الناس في التدبر في الدين و التفكر فيه و كثرة السؤال لكي لا يقع في الضلال و هذا ما يضع حجابا من الجهل على عقولهم. يعتبر المزج بين الدين و الأخلاق أحد الركائز الأساسية لاستمرار الدين حيث هناك مذاهب أخلاقية حولت الى ديانات كالبوذية مثلا. إن الأخلاق الانسانية هي محرك البشرية و دينامو حياته فلولا الأخلاق لما سعى الإنسان لبلورة حياته والتعايش في إطار مجتمع تحده قوانين ، فلا أحد يود أن يكون فاسدا خلقيا و حتى إن كان فإنه يتصنع لكي لا يبدو كذلك فهكذا هي الأديان حتى لو فسدت أو أفسدها معتنقيها لطالما أدرك أنه هو المخطئ و أن دينه هو دين الحق المتشبع بمكارم الأخلاق. فكما جاء في قصيدة أحمد شوقي إنما الأمم الأخلاق ما بقيت**فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا. و هذا ما يقوم به الدين أي كل دين يدفعك لفعل الخير و أن الآلهة تعتبر أن جزءا من ثرواتها التي تقدمها للبشرية هي لصالح الفقراء و المحتاجين و هذه السمة التي هي الصدقة التي تعتبر فكرة أخلاقية عن الهبة و الثروة تعد من الآليات التي استخدمها الدين لضمان استمراريته. ناهيك عن كل الأمور الأخلاقية الأخرى التي تعتبر دينية و تستعمل لصالح الديانات لا لصالح الأخلاق الإنسانية.
نختم سلسلتنا من تبيان مظاهر قوة استمرارية الأديان الى يومنا بصراع الأديان. إن مسألة صراع الأديان و اعتبار كل إنسان أن دينه هو الصحيح و إيمانه به بكامل جوارحه جعل منه يفند الديانات الأخرى لضمان استمراريته و إبعاد أي دين يهدد عقيدته عن مرماه، قوّى أمد عيش الدين و أبرز حجج و علوما جديدة مما جعل هيغل يقول الفلسفة خادمة للدين و ابن رشد يقول إن الحق لا يضاد الحق بل يوافقه و يشهد له و العديد من الفلاسفة الآخرين الذين حاولوا الجعل من الفلسفة و الدين أختان بالرضاعة مما جعل فلسفة الدين هي التفكير الفلسفي في كل ما يتصل بالدين شرحا و تفسيرا و تحليلا من دون التسويغ أو التبرير أو الدفاع أو التبشير. فهل يا ترى سيأتي زمان بلا دين ؟