ملايين المصريين توافدوا على صناديق الاقتراع للتصويت على الدستور الجديد الذي جاء بعد ثورة 25 يناير ،وسط حالة من الاحتقان بين من يؤيد هذا المشروع وبين من يرفض المشاركة تماما وبين من يقبل المشاركة ويدعو أنصاره للتصويت ضد الدستور الذي يعتبرونه لا يستجيب لمتطلبات الشعب المصري . من الواضح جدا أن الاستفتاء على الدستور هو الحل الوحيد الذي يمكن أن يخرج البلاد من هذا الاحتقان الدائر في الساحة السياسية المصرية سواء أصوت الشعب بنعم أو بلا فالمسألة واضحة، إذا اختارت الأغلبية التصويت بنعم للدستور فالدستور سيتخذ الشرعية وسيصبح دستورا للمصريين جميعا، وإذا صوتت الأغلبية ضد الدستور فإن هذا الدستور سيكون في خبر كان وسيتم تشكيل لجنة تأسيسية لوضع دستور جديد يعرض على الاستفتاء مرة أخرى. بعد الإعلان الدستوري الأول الذي أصدره الرئيس المصري محمد مرسي كانت مصر على شفا فتنة كانت ستودي بالبلد إلى ما لا تحمد عقباه ، ولكن وبعد ضغوط من المعارضة التي نزلت إلى الشارع تراجع الرئيس عن ذلك الإعلان وعوضه بإعلان آخر قلل فيه الرئيس من صلاحياته ،تراجعت حالة الاحتقان وتراجع ذلك التصعيد الذي دعت إليه المعارضة ،حيث قبل البعض منها المشاركة في الاستفتاء ولكن دعا في المقابل أنصاره للتصويت بلا على الدستور . يمكن فهم هذا التحول الذي طرأ في مواقف المعارضة من الاستفتاء على الدستور من خلال زاويتين اثنتين الأولى أن هذا التحول ربما جاء نتيجة للاعتقاد الذي أصبح سائدا عند جل التيارات السياسية المعارضة أن الأغلبية من الشعب المصري ستصوت بنعم على الدستور لذلك أرادت أن تحفظ ماء وجهها وألا تكون كمن وقف عائقا أمام تنزيل الديمقراطية حيث تداركت الموقف وأعلنت أنها ستشارك في الاستفتاء أما الثانية والتي نستبعدها وهي أن هذه المعارضة عندما قررت التراجع عن موقفها كانت قد قررت ذلك غاية في حفظ دماء المصريين التي يقول البعض أنه لولا هذا التراجع الذي خفف من شدة الاحتقان لكانت مصر دخلت في فوضى خلاقة ربما لن يكون الخروج منها بالأمر الهين. لا ينكر أحد أن هناك انقسام في الأوساط المصرية حول الدستور ولكن بالرغم من ذلك هناك إجماع أيضا من طرف أغلب التيارات السياسية على المشاركة في الاستفتاء وإن كان بعضها يدعو للتصويت بلا على الدستور،المهم أن يحتكم المصريون للديمقراطية فلا يهم أن يصوتوا بنعم أو بلا لكن المهم أن يؤمن الشعب المصري بالديمقراطية، ويقبل بها، وإن كانت في صالح خصومه ،وكيف لا والشعب هو من قاد الثورة وأسقط النظام غاية في تحقيق الحرية والديمقراطية. إذا كانت بعض أطراف المعارضة قد تراجعت عن قرار مقاطعة الاستفتاء الذي أعلنت عنه مؤخرا فإن هناك في المقابل من المعارضة من انتهج طريق المقاطعة سواء أكان نزيها أو كان من الفلول الذين لا يريدون للثورة المصرية أن تحقق أهدافها والذين يرفضون كل الحلول ليقفوا عائقا أمام أي ديمقراطية في البلاد. بالإضافة إلى فلول النظام السابق الذين لا زالوا يتأسفون على قيام الثورة ويحاولون معارضة أي قرار يضيق الخناق عليهم هناك فلول من نوع آخر فلول الدول العربية التي تدعم بعض المعارضين والتي ليس من مصلحتها أن تنجح الثورة المصرية والتي ستكون بمثابة مبرر لإشعال فتيل الثورات في بلدانها وإسقاط أنظمتها الديكتاتورية . كيفما كانت نتائج الاستفتاء على الدستور أكانت لصالح المعارضة، أو لصالح المؤيدين ،المهم أن تحترم إرادة الشعب المصري ،ويتم تنزيل الديمقراطية التي طالما بحث عنها المصريون ،فحتى وإن صوت الأغلبية لصالح الدستور فإن ذلك لا يعني انتصارا لطرف على الآخر،بل هو انتصار للشعب المصري ولثورته المجيدة التي ستعيد رسم خارطة مصر من جديد . في الحقيقة ينتابني شعور بالأمل عندما أرى الشعب المصري يقبل على صناديق الاقتراع للتصويت على الدستور الذي صنعته دماء الشهداء لأول مرة في تاريخ مصر ووضعته الإرادة الشعبية في الوقت الذي كانت دساتير مصر توضع داخل الغرف المغلقة وتتم المصادقة عليها دون استشارة الشعب ،بل وتلزم هذا الأخير على الامتثال له والعمل به وإن كان لا يناسبه ولا يستجيب لمتطلباته . الشعب المصري بعد هذا الاستفتاء الذي يجب على جميع الأطراف أن تمتثل لنتائجه سيكون الشعب المصري قد أعطى رسائل كثيرة أولها أن مصر لم تعد مصر الديكتاتورية التي أرهقت المصريين وثانيها أن مصر أكبر من أن تحاط بها المكائد وأنها قادرة على الحفاظ على ثورتها بالرغم من بعض المحاولات الفاشلة التي تسعى لإجهاض الثورة وإعادة مصر لسيرتها الأولى.