تعتبر التعددية السياسية من السمات الأساسية لأي نظام ديمقراطي، ليس على المستوى الحزبي فقط، وإنما كذلك على المستوى الثقافي واللغوي والديني. فإذا كانت الدول الغربية تتغنى أنظمتها بالتعددية الحزبية منذ سنوات خلت، فإن الدول العربية ركبت هي كذلك سفينة التعددية الحزبية خاصة بعد الربيع العربي، رغم أن بعضها اتخذ التعددية ميزة لنظامها السياسي مباشرة بعد حصولها على الاستقلال كالمملكة المغربية والجزائر ومصر. إذ ظهرت بوادر أول تنظيم حزبي في المغرب سنة 1933 (الكتلة الوطنية)، منذ ظهور قانون الحريات العامة سنة 1958 الذي يعتبر أول قانون نصّ على التعددية الحزبية في المغرب، وإلى حدود يومنا هذا يبلغ عدد الأحزاب بالمغرب 35 حزباً سياسياً.
أما في مصر فيبلغ عدد الأحزاب أكثر من 90 حزبا سياسيًا منها حوالي 30 حزباً تأسست ما بين 2011 و 2014 أي بعد الثورة. فهذه التنظيمات التي ظهرت في المغرب والجزائر وغيرها من الدول العربية جاءت من أجل مواجهة المستعمر قبل أن تصبح أحزابا سياسية تمثل المواطنين وتؤطرهم.
وإلى حدود عام 2011 أي تاريخ اندلاع "الربيع العربي" لم تكن بعض الدول العربية تسمح بالتعددية الحزبية، لكن مع بزوغ "الربيع العربي" سمح بذلك بدعوى أنه من سمات النظام الديمقراطي هو التنصيص على التعددية الحزبية ودسترتها في دساتيرها. وهو الأمر الذي نادت به الجماهير في احتجاجاتها ضد بعض الأنظمة، مما جعل هذه الأخيرة تستجيب لنبض الشارع من أجل إيقاف شرارة الربيع العربي، وبالتالي التغني بالديمقراطية على حساب التعددية الحزبية.
إن أسباب عدم دسترة التعددية الحزبية في دساتير بعض الدول العربية يرجع بالأساس إلى هيمنة الحزب الواحد، وإلى تشبث بعض الأنظمة بسلالة الحكم التي أصبح فيها هذا الأخير وراثياً عوض أن يكون منتخباً من طرف الشعب، رغم أنها تبقى دولة ذات نظام جمهوري، وليست ذات نظام ملكي وراثي.
فاعتراف بعض الأنظمة العربية بالتعددية الحزبية داخل أنظمتها لم يوفر مبدأ التناوب الديمقراطي الذي يعطي لجميع الأحزاب السياسية المعترف بها الحق في تمثيل المواطنين وتأطيرهم، وإنما تبقى مجرد أحزاب تجسد الديمقراطية للنظام
السياسي في ظل هيمنة الحزب الوحيد الذي يتغنى بتلك الديمقراطية. هذه الأخيرة، لا يمكن أن تتحقق بدون وجود أحزاب متعددة فاعلة وفعالة ومهيمنة على الحقل السياسي.