عرفت جل الدول العربية خلال فترة الربيع العربي وما بعده اصلاحات سياسية هامة، تلك الإصلاحات همت بالأساس الأنظمة السياسية القائمة سواء على مستوى النظام الحاكم أو على مستوى المؤسسات والأحزاب السياسية، فهذه الاخيرة عرفت تطورا جد كبير في جميع البلدان العربية، إذ هناك بعض الدول التي نصت على التعددية السياسية والثقافية وذلك لأول مرة في وثيقتها الدستورية. وإلى حدود عام 2011 أي تاريخ اندلاع “الربيع العربي” لم تكن بعض الدول العربية تسمح بالتعددية الحزبية، لكن مع بزوغ “الربيع العربي” سمحت بذلك بدعوى أنه من سمات النظام الديمقراطي هو التنصيص على التعددية الحزبية ودسترتها، وهو الأمر الذي نادت به الجماهير في احتجاجاتها ضد بعض الأنظمة، مما جعل هذه الأخيرة تستجيب لنبض الشارع. فمصر عرفت ارتفاعا جد كبير من حيث عدد الأحزاب التي تأسست في ظل دستور 2014 إذ تأسس أكثر من 30 حزبا خلال سنتي 2011 و 2014، وهو نفس الأمر الذي نهجته باقي الدول خاصة تونس التي عاشت خلال 60 عاما على الحزب الوحيد لتأتي الثورة وتخلف تأسيس أكثر من 100 حزب إذ أصبح بعدل تقريبي حزبا لكل نائب داخل البرلمان. وبالرجوع إلى المغرب كنموذج من هذه الإصلاحات الدستورية نجد دستور 2011 الذي جاء استجابة للاحتجاجات التي عرفها الشارع المغربي. فقد ارتقى المشرع المغربي بالأحزاب السياسية، وذلك من خلال تنصيصه لأول مرة على المشاركة في ممارسة السلطة وذلك من خلال الفصل السابع، فالدساتير الخمسة السابقة كلها كانت تعترف للأحزاب السياسية بتنظيم المواطنين وتمثيلهم فقط، كما أنه لأول مرة تم التنصيص على حقوق المعارضة، وكذلك لأول مرة حمل دستور 2011 مصطلح “المعارضة”، علما أن المغرب عرف التعددية الحزبية منذ ظهير الحريات العامة لسنة 1958. إن الحديث عن الأحزاب السياسية ومكانتها في دساتير “الربيع العربي” يطرح مجموعة من الأسئلة ليس من خلال الارتقاء بها من حيث التنظيم والتمثيل إلى المشاركة في السلطة، بل الأمر يتخطى كل ذلك، وذلك من خلال مدى قدرة تلك الأحزاب السياسية على إعطاء مكانة خاصة للشباب كنخبة قادرة على الإنتاج السياسي والإداري وضخ دماء جديدة في المشهد الحزبي بالمنطقة العربية. * باحث في القانون الدستوري والعلوم السياسية – المغرب