نقاش انطلق ومازال متواصلا، فجَّرَه حزب الطليعة الاشتراكي الديمقراطي، أحد مكونات فدرالية اليسار، بعدما تقدم بطلب إلغاء طقس الأضحية لهذه السنة، في لقاء جمع قيادته برئيس الحكومة، سعد الدين العثماني، مستندا في مطلبه إلى سابقة إلغاء المغرب شعيرة ذبيحة عيد الأضحى خلال سنوات تميزت بالجفاف، وأيضا بسبب الوضع الوبائي الذي أشار الحزب إلى كونه خلق وضعية اجتماعية قد لا تُمكن الفئات المتضررة من إمكانية اقتناء كبش العيد، مدافعا عن مقترحه بالقول: “نراه وجيها وسبق للمغرب أن طبقه في سنوات الجفاف والحرب في بداية الثمانينات، لأن أغلبية المواطنين لن تكون قادرة على اقتناء الأكباش. وحتى بالنسبة للقادرين على ذلك، من الأفضل المساهمة بمبلغها لصندوق الدعم”. علي بوطوالة، الأمين العام لحزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي، وفي تصريح صحفي لاحق، استغرب الجدل الدائر حول المطلب، وذكر بأن الملك الحسن الثاني كانت له جرأة إعلان الأمر بسبب ظروف خاصة، مضيفا أن الظروف التي نعيشها الآن أقسى مما كان عليه الأمر في فترات الإغلاق، ومؤكدا أن مطلبه يتعلق أساسا بعدم ذبح الأضاحي، وليس حرمان الناس من فرحة العيد، وذلك لوجود شريحة كبيرة من المواطنين المغاربة لا تستطيع اقتناء الأكباش. بوطوالة أوضح كذلك أن الدعوة للمنع يجب أن تمر عبر فتوى من المجلس العلمي الأعلى، فأغلبية العمال والحرفيين يعيشون الآن بمبالغ الدعم الحكومي الهزيلة، وبالتالي شراء الأضحية مستحيل بالنسبة إلى الملايين، مع إشارته إلى وجوب تعويض آلاف الفلاحين عن خسائر متوقعة، عوض الضغط على ملايين الفقراء لاقتناء الأضحية. وطالب المتحدث في تصريحه باستحضار قيمة التعاون في الإسلام، والتصدق بمبلغ الأضحية لملايين الأسر التي تعيش أوضاعا اجتماعية صعبة جدا، مؤكدا أن سوق اللحوم بالمغرب يجب أن تبقى مستقرة، وتتفادى الزيادات المعتادة خلال العيد. وللتذكير فالراحل الحسن الثاني منع شعيرة الأضحية ثلاث مرات، وذلك سنوات 1963، 1981 و1996. وكانت العلة التي استند إليها الملك الراحل، بصفته أميرا للمؤمنين، هي الضرورة المرتبطة بالقوة القاهرة والعسر الذي يجعل عددا كبيرا من المواطنين في ورطة الإكراه الاجتماعي في مواجهة الديني، لتتحمل فيه فئة كبيرة منهم عناء البحث عن الأضحية مكرهة. رد الحكومة على حزب الطليعة جاء سريعا، بحيث أعلن رئيس الحكومة، سعد الدين العثماني، بمجلس النواب خلال جلسة عمومية للأسئلة الشفوية الشهرية الموجهة لرئيس الحكومة حول السياسة العامة، أنه لا يوجد إلى حدود الساعة أي قرار يقضي بإلغاء عيد الأضحى، مؤكدا أن الأمر بيد أمير المؤمنين، الملك محمد السادس، قبل أن يضيف: "لذلك فإننا سنتجه على أساس أن العيد 'كاين'". توجه أكده عزيز أخنوش، وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، خلال حديثه عن استعدادات وزارته لعيد الأضحى، الذي يتزامن مع استمرار أزمة كورونا وكذلك الجفاف، معلنا أن "كوفيد 19 لم يمنع المغاربة من عيد الفطر، ولكن عيد الأضحى له خصوصية، لأنه مناسبة لوجستيكية"، مضيفا: "كوفيد لم يمنعنا من عيد الفطر؛ ولكن عيد الأضحى عيد لوجستيكي بامتياز، ويتطلب استعدادا لأن المشكل ليس في العيد داخل المنازل، ولكنه مرتبط بالأسواق"، مؤكدا أن "الأمر يتطلب تنظيما وهو ما تقوم به وزارة الداخلية بالتنسيق مع وزارة الفلاحة، لنكون في الموعد". عبد الرحيم شيخي رئيس حركة التوحيد والإصلاح، الذراع الدعوى للبيجيدي، والذي جاء ليؤكد ما صرح به "أخوه" العثماني كون إلغاء عيد الأضحى من عدمه يعود إلى الهيئات ذات الاختصاص وإلى جلالة الملك محمد السادس بصفته أميرا للمؤمنين، بناء على معطيات علمية واقتصادية وأمنية تساعد على توضيح الرؤيا للهيئة العلمية المختصة. وأضاف شيخي خلال ندوة صحفية نظمتها الحركة عبر وسائل التواصل الرقمية، السبت الماضي، أن أي قرار للسلطات المختصة سيكون مقبولا بالنظر إلى اشتغالها على أساس المصلحة الوطنية والرأي السديد المعتمد على معطيات علمية وتوقعات اقتصادية وسياسية واجتماعية وأمنية. بالمقابل رشيد أوراز، الباحث في “المعهد المغربي لتحليل السياسات”، أكد في تصريح صحفي أن الذي سيتحكم “في إلغاء عيد الأضحى من عدمه هو تطور وباء كورونا محليا وعالميا، فإذا لم يختف الفيروس خلال الشهرين المقبلين، أو اختفى وعادت موجة جديدة، فلا شك أن عيد الأضحى لن يتم إحياؤه كما لم يتم إحياء عيد الفطر، وبالتالي ستُلغى طقوس ذبح الأضحية وتنقل العائلات وغيرها. أما في الحالة العادية، فلا أعتقد أن العيد سيتم إلغاؤه”، مضيفا أنه “من الناحية الاقتصادية سيتضرر قطاع تربية الأضاحي بشكل كبير، ولا شك في ذلك. وسيزيد ذلك من تأثيرات الجفاف وتضرر النشاط الاقتصادي خلال الشهرين الأخيرين على القطاع الفلاحي ككل، وتربية المواشي بشكل خاص”. أما الناشط الحقوقي، خالد البكاري، فاعتبر مبادرة الطليعة متسرعة نوعا ما، على اعتبار أنه لا يزال يفصلنا حوالي شهر ونصف عن تصاعد وتيرة الاستعداد لهذا الطقس، مضيفا أن “الإلغاء يقتضي تدخل الدولة لدعم مجموعة من الفلاحين والكسابة ومتدخلين كثر في عمليات بيع وتسويق الأضاحي ومستلزمات العيد، ممن هم أصلا متضررون سواء من طول مدة حالة الطوارئ الصحية، وكذا من نتائج سنة فلاحية موسومة بالجفاف”. النقاش انتقل لمواقع التواصل الإجتماعي بل واحتد هناك، مظهرا وجود فئات مهمة لا تخفي تطلعها لإشارة ما تعفيها من شعيرة "مكلفة" في ظل ظروف مطبوعة بالإستعسار، فيما ير ى آخرون أن فتح الأسواق المخصصة لبيع الأضاحي والإزدحام الذي تعرفه ستشكل فضاء مناسبا قد يهد ما بناه المغاربة في شهور من الحجر الصحي والطوارئ الصحية المكلفين ماديا واقتصاديا ونفسيا واجتماعيا كذلك مستحضرين ماجاء في رسالة الراحل الحسن الثاني الخاصة بمنع ذبيحة 96، والتي قرأها الراحل وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية آنذاك، عبد الكبير العلوي المدغري، ومما جاء فيها: «ذبح الأضحية سنة مؤكدة لكن إقامتها في هذه الظروف الصعبة من شأنه أن يتسبب في ضرر محقق». رضى الله كتب في تعليقه الفايسبوكي: "الإعفاء في هذه السنة خير من التكلف على النفس، وحتى لى شراو العيد نفس المحنة تكون واحد من المحتاجين ايشد و 1000 لاآ..." أما خالد فعلق على مقترح بوطوالة بالقول: "كلامو معقوول هدا راه واقع الناس راه مأزمة ديال بصح ماشي وقت العيد هدا شحال من عام لغاوه بسبب الجفاف ديال الارض وهدا العام الجفاف ديال الجيوب كيف كيف"، أما فاضل فكتب: "الناس مخدامش لهذا نطالب بإلغاء عيد الاضحى والإكتفاء بصلاة العيد فقط"، في حين علق أحمد بالقول: "اضحية العيد ، مثلها مثل فريضة الحج ، ليس من حيث الاجر ، ولكن من كونها رهينة ومرتبطة بالاستطاعة المادية"، أما عصام فكتب: "كتقولو الناس ماعندهاش الفلوس باش تشري اضحية العيد، وفعلا ما خداماش منذ ثلاثة اشهر واللي كانو موفرينو خسروه، ولكن عنداكم تبداو تخاطفو باش تشريو اضحية العيد انتم الاولين قبل ما تاخدو حتى استفادة، ها اللي يبيع بلازمة وها اللي يبيع حوايجو، ها اللي يبيع ....... واحد يشري وواحد يبقى بلاش وهذه هي الحكرة اللي ما بغيناش"... وجهات نظر دفعت أغلب تلك التي صادفناها في اتجاه أخد الوضع الإقتصادي والإجتماعي المتأزم للكثير من الأسر بعين الإعتبار ف“لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ” (الحج، الآية 37)... فهل ستدفع سلطات البلاد في اتجاه تجميد شعيرة ذبح الأضحية لهذا العام أم العكس؟