تغير حالنا بين عدة شهور قبل وبعد 16 من مارس 2020، أطل علينا وباء لم نكن نتوقع وصوله إلينا، فجأة أغلقت المدارس والكليات والمقاهي ودور المسارح والسينما، ومنعت التجمعات في الأماكن العامة، واحذرت مراسيم الأعراس وتأبين الموتى. وجدنا أنفسنا في منازلنا نترقب حصيلة العدوى وحالات الاستشفاء وكذلك أعداد الوفيات، انتابنا الخوف والذعر، كنا نشاهد على التليفزيون وعبر وسائل التواصل الاجتماعي، تزايد الحلات في دول أخرى تفوق قدراتنا الشيء الكثير، كنا نرتاح لسماع أننا استبقنا الأمور بعدة اجراءات، وكنا مع الأسف يتسرب إلينا التوجس لسلوكيات غير مقبولة، ترجعنا إلى الوراء وتنضاف مدة أخرى للحجر الصحي، وتزداد معها المشاكل والتحديات الفقر، والخوف والتوتر ثم الترقب الذي يزيد الضغط حدة وقسوة.
أصبحنا لا نريد شيئا سوى رفع هذا البلاء الجاثم على أنفسنا، لم نعد نقارنا أنفسنا بالآخرين أصبح التواضع شعارنا، والتضامن هدفنا.
نرفع أيدينا إلى السماء العالية ندعو بإلحاح لرفع البلاء، الذي يحصد أرواحا، والملل بدأ يتسرب إلى نفوسنا، أصبحنا اليوم نرى حياتنا السابقة جميلة بالرغم من إكراهاتها وتحدياتها، هل تغيرت فينا أشياء، أم سنعود الى حياتنا السابقة مع رفع البلاء.
يستوجب إيلاء قطاعي التعليم والصحة، استثمارا يوازي احتياجات ساكنة البلاد برمتها، والاهتمام بالرأسمال البشري، ورفع من قيمة العلماء في مختلف التخصصات بهذا الوطن.
أتبتث لنا هذه الظرفية عدة حقائق أن التعليم يساهم في الوعي وتكوين أطر يفخر بها الوطن، هي ومن كونت في طليعة من يواجهون هذا الفيروس، نعرف الجيش العسكري والشرطة والوقاية المدنية، فانضاف لهم اليوم الأساتذة والأطباء وعمال النظافة، وبعض جمعيات المجتمع المدني.
أظهرت هذه الجائحة الدفء الخاص للأسرة والمؤسسة التعليمية وأهميتهما في حياتنا، غابت التفاهة في القنوات والإذاعات وفي وسائل التواصل الاجتماعي، وإن تكرست بعد ذلك في هذا الشهر الفضيل، لاحظنا في رمضان أنه لم نعد نرى الأكل مرمي في الأزقة كما السابق، لربما تعلمنا عدم الإسراف واكتسبنا مهارة حسن التصرف.
لقد برزت حقيقة أن لاشيئ يستقر على حاله، وعلينا تعويد أنفسنا على مواجهة الظروف الطارئة رغم قساوتها.
أوضح هذا الوضع أن الدولة مطالبة بتقوية اقتصادها الداخلي لتحقيق الإكتفاء الذاتي ثم التصدي، كما أنها ملزمة بالعمل على تشجيع السياحة الداخلية، وتسهيل الخدمات لأبناء الوطن، وأن الجميع ملزم بتحمل المسؤولية تربية وسلوكا قولا وفعلا.
بينت حالة الطوارئ والحجر الصحي، اشتياقنا لأحبتنا وأقاربنا وكذلك أصدقائنا وزملائنا، الذين وإن غابوا عن العين فهم ناحتون في القلب المحبة والاحترام، ورغم الغياب والبعد عن الجميع فلنا لقاء، وكما يقال وإن للغد لناظريه قريب، فستعود الحياة لدوران في شريان نفوسنا، ليطفو في الأفق سؤال استنكاري، ماذا سيتغير فينا بعد ذلك؟