(...) كل هذا يهبط بالقصة من منزلة كانت رفيعة إلى منزلة لا أحبها لكاتب مجيد كالأستاذ السباعي. فمتى يتاح لكتّابنا أن يراقبوا أقلامهم، وأن يمتلكوا أنفسهم والا يستجيبوا لهذه الدعوة الخطيرة التي تدعوهم إليها السينما والتمثيل الرخيص ؟ (طه حسين، نقد وإصلاح، ص 107).
يجمع العديد من الباحثين على أن الحديث عن التغيرات التي بإمكان فيروس كورونا إحداثها لا يمكن التنبؤ بها، وهو أمر لا يمكن دحضه أو الطعن فيه، لكن المثير في الأمر هو حديثهم عن مفهوم يعتبر هو الآخر مفهوما معلقا في الفراغ، يتعلق الأمر بعالم "مابعد" كورونا، مفهوم بسرعة الضوء خطف الأنظار وأصبح التسليم به شيئا من "الموضة" المفاهيمية، لا سيما وأن كلمة "مابعد" تحمل في طياتها وبصورة "جينيالوجية" على "ماقبل". فكيف يمكن إذن تفكيك هذا التداخل؟ وهل هي مجرد استعارات "زجاجية" قد لا نلمس تأثيرها من الناحية المنهجية على ثنائية ماقبل/مابعد؟ أم هي مفاهيم انقليسية؟ Notion anguilles ثم كيف يحق لنا الحديث عن "مابعد" وإغفال ثنائية من/إلى، خاصة وأن مسألة التغير الاجتماعي هي سيرورة processus مُقاسة بالزمن، وتنفذ حتى أعماق-أعماق البنية الداخلية للمجتمع؟
قبل محاولة الإجابة عن هذه الأسئلة، لا بد من التطرق إلى بعض الحيثيات التي تطبع سلوك بعض الأفراد كي نكشف عن الطبيعة الذهنية، لا سيما وأن التغيرات الاجتماعية التي عرفتها جميع الدول في مراحل سابقة من مراحل التاريخ الإنساني تكشف لنا عمق البنيات الذهنية والثقافية، وبموجبها يمكن لنا قياس سرعة تحقق التغيرات ومن تم أحقية التسليم بمفهوم "مابعد" كورونا.
إن المتتبع للأحداث اليومية لا يمكنه أن ينكر المجهودات المبذولة من طرف جميع أعضاء الجسد الاجتماعي من طب وأمن، درك، تعليم، سلطة قضائية، إعلام بجميع أصنافه، كل واحد فيهم له دور معين يساهم فيه بطريقة ترابطية-عضوية بغية تمكن الجسد الاجتماعي من أداء وظائفه ولو بطريقة "قيصرية"، لكن لا يخفى أيضا بعض الأحداث السلبية التي طفت على السطح كخرق لحالة الطوارئ وعدم الإمتثال للقرارات الرسمية، فهل يمكن اعتبارها مجرد حالات استثنائية يسعى من خلالها المجتمع إعادة توازنه؟ أم هي حالات تدخل ضمن ما يسمى الخلل (العوق) الوظيفي dysfonctionnement؟ ومن تم لابد من الكشف عن مايسميه R.merton بالوظائف الخفية.
مع فرض الحجر الصحي، فيضان هائل من الأحداث ينساب على شاشات الهواتف والتلفاز والمذياع، لحالات خرق الطوارئ كانت أولى فصولها مع بعض "الحاخامات" أصحاب الأبخرة والرقية الشرعية وتسليع الدين ومحاولة إظهار الوجه الملائكي، تلتها بعد ذلك تصيّد الفرص لتصفية الحسابات باعتبارها فترة حساسة وغير متعوذين على الكم الهائل من القرارات والمراسيم الزجرية، إضافة إلى دعوات ومتمنيات حقودة بإنزال هذا الوباء على كل من يخالفنا توجهاتنا، وكانت آخرها -على الأقل وإلى غاية كتابة هذه الأسطر- مع فصيل آخر من كهنة معبد "آمون" يسبّون ويلعنون بل ويهددون بعض أفراد الشرطة والقوات المساعدة، وكأن هؤلاء الأخيرين يظلون حاملين سبحتهم والدعاء بالبقاء بعيدين عن ذويهم، وهم لا يقومون إلا بواجبهم، عكس بعض أفراد "الحاخامات" الذين مافتئوا
يقرعون آذاننا بعبرات "خدمنا، خدامين، غنخدمو" وياليت قدّيسهم يعترف أنه أول الخادمين ( تقاعد أفلاطوني ).
اعتداءات على بعض أفراد الشرطة تلك التي شهدتها بعض المدن، والبعض الآخر عرف مايسمى cache-cache، دون أن نغفل موضوع الكمامات هو الآخر، سلوكات يمكن تفسيرها بأنها نتيجة لسنوات الضياع، ليست "المذبلجة" بل كما أشار إلى ذلك أحد الأساتذة الباحثين بسنوات التجهيل والتضبيع.
لكن إن أردنا الغوص أكثر فالأمر يتعلق بذهنية ثقافية غير متكيفة على احترام القانون، هذا الأخير في نظر البعض يجب أن يكون مشخصنا مؤنسنا كي يتم احترامه؟ أما مجرد روح ماهوية فيبقى خارج دائرة تفكير هؤلاء الأفراد، ولنا في مثال السياقة أكبر دليل، عربدة وتهور لكن بمجرد أن نلمح زيّا شرطيا (قانون مؤنسن) نكاد نصاب بالشلل، ويجب أن لا ننسى أن ماضينا يحتفظ لنا بمشاريع ومراسيم مازالت قيد الدراسة والبعض يبحث عن "تخريجة" على الرغم من أن المشروع قد يتم رفضه تشريعيا.
إن تفسير بعض السلوكات يجب أن لا يسقط في الحسبان استحضار العقلية وما تجتره من عادات وتقاليد وعبارات كانت لها وقع دون أن ندري ذلك على تفكيرنا وعلاقاتنا الاجتماعية. فعلى سبيل المثال لا الحصر يجب أن لا ننكر أننا نعيش في مجتمع ردّد لسنوات طويلة عبارات " قضي بلي كاين، سلّك، معندك مدير، مغرب هادا" وهي عبارات من شأنها أن تسقط ثقة المواطن في القرارات الرسمية، والحديث عن صلح بين المواطن والمؤسسات لن تقوم له قائمة بدون الحديث عن العقلية الذهنية؟ فهي الوحيدة المتحكمة في أنماط تفكيرنا ومن تم معاملاتنا.
إن تصالح المواطن مع المؤسسات يفرض أولا السهر وبصرامة على ثنائية الحق/الواجب وكذا المسؤولية/المحاسبة وإعطاء لكل ذي حق حقه، بعيدا عن فلسفة "فلان ديالنا" والمكانة الرمزية و"مول الشكارة"، هاته البروفايلات جميعها إن تم القطع معها-ولا نقصد بذلك القطع كما تراه بعض "المومياءات" في تعليقاتهن الفايسبوكية-ولكن القطع مع ريعها وتقافة "باك صاحبي" فحتما لن نجد صعوبة في ضبط ذلك المواطن بل سيضطر لضبط نفسه بنفسه، أما التمسك المطلق ب" ماعندك ماتصوّر" فلن نجني منه سوى مواطن ساخط، بل الخطر الأكبر هو أن يكون ساخطا وأخرسا في نفس الوقت قد يصبح لقمة سائغة لبعض المذاهب المتطرفة؟ ومن تم ستبقى القوانين الزجرية والدساتير لوحدها غير كافية لإعادة الحياة لهؤلاء الأشخاص، إذ لا يمكن تغيير مجتمع بظهير على حد تعبير M.crozier، لذلك يجب علينا عقلنة المطالب وعقلنة الاستجابة للمطالب. عن بعد. واقع فرض نفسه على الصعيد العالمي وليس فقط المحلي، اختلفت الردود حوله كما تختلف مع جميع الأشياء الجديدة، بين الرفض التام والجزئي ثم القبول المشروط والمؤقت أو التحفظ وصولا إلى نوع من القبول المقنّع ثم التسليم...(أعراب ص109)، كلها ردود
تمخضت حول طبيعة التعليم لاسيما في شقه الابتدائي والاعدادي والثانوي عكس التعليم الجامعي وإن جاز لنا القول فهو مع فرصة تاريخية ذهبية بامكانه استثمارها للنهوض بمسألة الانتاج الجامعي ونخص بالذكر الشق البيداغوجي.
مع مرحلة، التطبيع تم القيام بورشات وحلقات تواصلية من تأطير مؤسسات وجمعيات، تلتها بعد ذلك شبه محاضرات على اعتبار أن المتلقي موجود بالفعل افتراضيا وغير موجود بالقوة، وهي وضعية لايسعنا إلا تثمينها وتشجيعها لكونها أتاحت الفرصة للطالب الجامعي بالانفتاح على شروحات وتفسيرات وطرق بيداغوجية متنوعة لمختلف الباحثين، من شأنها مساعدة الطالب ونخص بالذكر الطالب-الباحث على بناء شبكة مفاهيمية وإضافة مايمكن إضافته لرصيده المعرفي تعفيه من بدعة "البوليكوب"، وربما سيكون من المفيد على الأطقم البيداغوجية لو حاولت بلورة هذه الخطوة لتنظيم امتحانات جامعية موحدة وطنيا إسوة بنظام الباكالوريا، وهو مايتطلب رزنامة زمنية قد تبدو في بادئ الأمر سهلة المنال ولكن في طياتها فهي صعبة التحقق في ظل مشاريع البحث العلمي وما تتطلبها من مجهودات ووقت وطاقة وتمويل...لكن ما نؤكد عليه في هذه النقطة، أن التعليم الجامعي عن بعد هو رب ضارة نافعة للحد من ثقافة "البوليكوب" التي لا تنتج سوى تلك "خذ" و"هات" إذ أصبحت النجاعة تقاس بعدد المراجع التي تحتويها ذاكرة الهواتف، مع تفقير على المستوى المفاهيمي والتفاعلي قد يضطر معه المحاضر في ظل الشحّ المعرفي إلى الاستعانة بطريقة الإملاء كإحدى أنواع الإهانة للذات الجامعية ككل.
إن التعليم الجامعي عن بعد حتى لو مازال في مرحلته الاختبارية والتي حتما ستتبعها تقارير ونمذجات typologie ستتم دراستها فيما بعد للوقوف على مكامن القوة والضعف، فهذا النوع من التكوين لن يجد صعوبة على مستوى العلاقة الكلاسيكية طالب/مؤطر باعتبار أن الأمية الرقمية تم تجاوزها في الحياة الجامعية، لكن لا يمكننا إنكار وجود تحديات تتعلق بنوع التكوين المراد تمريره ومسألة الجودة la qualité التي لن تخرج طبعا عن مشروع تأهيل الطالب لسوق الشغل، في ظل النقاش المفتوح سلفا حول الإغراءات التي من الممكن أن يقدمها قطاع التكوين المهني بنموذجه الجديد المبني على الكفاءة والرقمنة والمأسسة، بالاضافة إلى عودة مشروع الترقية بالشهادات لفئة الموظفين، والبوليميك المتعلق بمجانية التعليم، كل هاته الأمور عبارة عن مدخلات ومخرجات من شأنها أن تشكل مادة دسمة للباحثين خاصة وأن الجميع مثفق على ضرورة الرفع من ميزانية البحث العلمي وأن إرشادات التنمية المستدامة بالاضافة إلى البراديغمات المعاصرة تنطلق من اعتبار الحي والمؤسسة هما أصغر وحدة ميكروية تنطلق منها عجلة التنمية.
السوسيولوجيا مدعوة لمسائلة ذاتها، عبارة كثيرا ما ترددت على مسامعي منذ أول لقاء تواصلي تحت مظلة هذه "الأميرة" ومن يدري فربما كانت تتردد قبل ذلك، ومن خلال الحلقات التواصلية التي تمت عن بعد استوقفتني نقطة لأحد الأساتذة الباحثين في تطرقه لوظيفة قلّما نعير لها اهتماما، تلك المتعلقة ب"مول الحانوت" معتبرا إياه الباحث أنه صيدلي الحومة/الدرب من خلاله بيعه لبعض الكينات وهو الدور الذي عاد لممارسته مع الكمامات مطالبا أفراد المجتمع بالالتفاف حول مول الحانوت لكونه أقرب الأشخاص إلينا والدائم لنا.
بطبيعة الحال لا يمكن الا أن نثني ونفخر بمول الحانوت والاعتراف بجميله، لكن خطابا كهذا قد يسقطنا في ما يسمى النوم في العسل، باعتبار أن الخطاب السوسيولوجي هو ما يجب أن ينفذ إلى العمق الثاوي ويبحث في الخفي خاصة وأن الإرث السوسيولوجي قد يسعفنا في إزاحة غطاء التعتيم وفقا لمنطق "الحتمية" déterminisme، كيف ذلك ؟
في كتابه الثقافة والمجال: دراسة في سوسيولوجيا التحضر والهجرة في المغرب، الصادر عن مختبر سوسيولوجيا التنمية الاجتماعية (جامعة سيدي محمد بن عبد الله ، فاس 2015 ) يحذر الباحث المغربي "عبد الرحمان المالكي" من الوقوع في شرك التصورات الاختزالية ويناقش ما يسميه "أسطورة العودة" أو "وهم المؤقت" l'illusion du provisoire الذي يتحول إلى دائم في حديثه عن الهجرة القروية إلى فاس فيقول: [ وبما أن المدينة تتغير مع الزمن، فمن الطبيعي أن يغير المهاجر نظرته إليها كذلك، بل نلاحظ نوعا من الإرتداد نحو الوراء ومحاولة إيهام النفس بأن الهجرة العكسية ممكنة شريطة التوفر على أرض سقوية ] وهو نفس الاستنتاج الذي توصل إليه "عبد المالك صياد" في دراسته للهجرة الجزائرية إلى فرنسا، عندما أكد أن فكرة العودة هي عنصر مهيكل لوضع المهاجر، فهي في نظره أحد الأوهام الجماعية لنضج الفكرة، ثم تحقق المشروع وبعد ذلك إعادة إنتاج الظاهرة.
هذا الإرث السوسيولوجي في موضوع الهجرة يجب أن لا نسقطه من وضعية "مول الحانوت" خاصة وأننا على موعد مع إعادة تقطيع الخريطة الجغرافية عبر تأهيل مناطق الجنوب، حيث تصبح مدينة الرباط ضمن مدن الشمال وأكادير نقطة وصل بين الشمال والجنوب، من شأن هذه المعطيات على المدى ليس القريب أو حتى المتوسط بل على المدى البعيد ووفقا لسوسيولوجيا الهجرة أن تدفع ب"مول الحانوت" إلى التفكير في أسطورة العودة بلغة "عبد الرحمان المالكي" خاصة المنحدرين من الأقاليم الجنوبية والذين يشكلون نسبة لا يستهان بها من تجار أحيائنا والذين يضمون أيضا تجارا محليين فرضت عليهم الظروف تحويل بعض مرافق منازلهم إلى شبه متاجر، لكن هذا النوع من الممكن أن يجد نفسه في منافسة غير متكافئة خاضعة لمنطق الحوت الصغير/الكبير، جراء الاغراءات والتخفيضات المعروضة على السلع والخدمات وسهولة وانسيابية الأداء من طرف الأسواق الشبه ممتازة والتي أصبحت تنمو في أحيائنا أكثر من الصيدليات، فليذهب البحث العلمي للجحيم ومرحبا بالديناميات السيّالة لرجل أوربا المريض.
أما بالنسبة لمفهوم "مابعد" فقد يكون أمرا عاديا بالنسبة لغير المهتمين بحقول العلوم الاجتماعية، لكن في حقل علم الاجتماع بالخصوص يستدعي منا الحرص والتدقيق كثيرا، لاسيما وكما جاء في بداية هذه الورقة أن ما بعد تحيل على تغيرات وفي نفس الوقت لا يمكن التكهن بدرجة تلك التغيرات وهو أمر يقودنا إلى "أنطولوجيا" نسبوية relativiste تسلم بتعدد الوقائع وتعقدها وتقود إلى ابستمولوجيا ذاتوية subjectiviste.
.
إن الحديث عن "مابعد" يستدعي وبالضرورة ضمانات منهجية قادرة على التأكيد على قوة الفعل، أي حسب هذا التوجه فعالم مابعد كورونا يندرج ضمن إطار الحتمية إن قارناه بعالم
ماقبل كورونا، لكن هذا العالم غير قادرين على التحكم في مؤشراته ومتغيراته باعتبار أن سفينته لم ترسو بعد، وهو مايتناقض مع العلمية التي تستوجب مبررات عقلانية وغائية بالمعنى "الفيبري".
لذلك فالسوسيولوجيا كعلم ذو عنفوان مفاهيمي، يجب أن تكون على معرفة بذاتها أولا كي يتسنى لها مسائلتها، فإما أن نركن إلى خزانة الوراء ونترك مفهوم "مابعد" للعامة، أو الإقرار بعالم مابعد كورونا وتجاوز عائق التجارب الامبريقية الذي عمر لسنوات طويلة بفعل هيمنة التقليد أو التقلدة بلغة "المختار الهراس"(أعراب ص103)،. فبإمكان السوسيولوجيا تجاوز هذه "الهوة" إن هي فعلا أرادت أو بالأحرى كانت لها الجرأة لطلب ود "التاريخ" باعتبار أن التقليد يظهر كجدار إسمنتي متصلب على حد قول "ماركس"، مع التشديد على البراديغمات ذات المدى المتوسط ومقاومة إغراء الرغبة في بلورة النظرية الكبرى البعيدة المدى (Stephen castles).
فالسوسيولوجي متى تمكن من المزاوجة بين التاريخ والأشواط التي قطعتها المجتمعات الأخرى باعتبار أن لكل مجتمع زمنه الخاص، فبامكانه أو من المفروض عليه أن يكون "عرّافا"، بل عرّافا متشائما، ولا نقصد بذلك التشاؤم الفلسفي "الشوبنهاوري، بل التشاؤم السوسيولوجي النقدي الذي كانت إسهامات مدرسة "فرانكفورت" بأجيالها الأربع أحد أبرز تجلياته، واختارت لنفسها مسار التحليل السوسيولوجي النقدي متعدد المشارب للواقع المتحول والمتغير سياسيا واجتماعيا وثقافيا، بدءاً بالجيل المؤسس "ماكس هوركهايمر" الذي تفرغ لإعادة بناء الفكر الماركسي، ثم الجيل التاني الذي أحدث منعطفا تداوليا حول نظرية الفعل التواصلي(هابرماس)، مرورا بالجيل التالث المهتم ببراديغم الاعتراف من خلال نقد التصور الوطني للإطار"الويستفالي" cadre westphalien (نانسي فرازر)، وكذلك أوكسيل هونت من خلال مؤلفه "الصراع من أجل الاعتراف" (2000) وصولا إلى الجيل الرابع الذي أرسى دعائم هذه السفينة تحت براديغم التبرير عبر النظر في الواقع كما هو، من أجل تلمس عناصر الفعل الاجتماعي لاستشراف المستقبل، على الرغم من محاولات الوئد القديمة-الجديدة من طرف بعض الشطحات الميتافيزيقية والتي صار العقل المعاصر وكرا لها.
وهاهو قد أسدل الستار عن الشوط الأول من هذه الحرب مع هذا العدو المدعو "كورونا" فإن ما يمكن أن نختم به هذه الورقة التي حاولنا فيها التركيز على الثقافة الذهنية كأنماط تنشئوية، هو دعوة جميع أعضاء الجسد الاجتماعي بأن يأخذوا في حسبانهم أن العدو يجب أن لاتطول هدنته، كما يجب على المحارب الا يفترش الصوف والحرير بل أن يرتاح فوق الأشواك، مع التأكد دوما من طراوة أوتار قوسه كي لا نظطر لخوض أشواط إضافية.
وحيث أن المسألة تتعلق بعقلنة المطالب وعقلنة الاستجابة للمطالب، فهل فعلا السوسيولوجيا مدعوة لمسائلة ذاتها؟ أم أن الأمر لا يتعلق سوى بغائية يندرج محركها ضمن "العود الأبدي" ؟
* لائحة المصادر والمراجع *
طه حسين، نقد وإصلاح، دار العلم للملايين بيروت، كانون التاني، ط 2 1960. عبد الهادي أعراب، سوسيولوجيا التغير الاجتماعي، تساؤلات واستنتاجات حول المغرب، دار النشر: مقاربات للنشر والصناعات الثقافية، فاس 2019.
عبد الرحمان المالكي، الثقافة والمجال: دراسة في سوسيولوجيا التحضر والهجرة في المغرب، مختبر سوسيولوجيا التنمية الاجتماعية، جامعة سيدي محمد بن عبد الله ، فاس، المغرب، 2015.
Abdelmalek sayad, la double absence. Des illusions de l'émigré aux souffrance de l'immigré, préf de Pierre bourdieu, liber, paris, ed du seuil 1999
Stephen castles, la migration du XXI siècle comme défi a la sociologie, migration