لا نبالغ إن قلنا أن الذاكرة التعليمية ستذكر عام كورونا بأنه العام الذي خلد موسما دراسيا استثنائيا عاشت فيه المدرسة المغربية واحدا من أسوء مواسمها الدراسية ليس بسبب الجائحة التي اجتاحت العالم فحسب، حيث كان تدبير وزارة التربية الوطنية للشأن التعليمي في هذه الأزمة كارثيا حتى إن إجراءاتها وقراراتها لن تحتمل مستقبلا أية قراءة جادة ولن تكون صالحة إلا للتندر والتنكيت. لقد فضحت كورونا واقع النظام التعليمي في البلاد وأظهرت عجز الوزارة الوصية على التعليم عن التعامل مع الأزمات وعن اقتراح الحلول الملائمة لها، فمع بداية ظهور الوباء على الأراضي المغربية لم تكن تملك الوزارة ومن ورائها الدولة تصورا واضحا لمواجهته فاضطرت لمحاكاة تجارب خارجية، تحديدا التجربة الفرنسية، حتى بلغت حالة من التماهي معها جرت عليها وابلا من السخرية، حيث لم يكن يصعب توقع قراراتها التالية، فأي إجراء تربوي فرنسي يُتَّخَذُ يصل صداه بعد يومين أو ثلاثة إلينا لدرجة تحولت معها وزارة التعليم المغربية إلى ملحقة من ملحقات وزارة التربية الوطنية الفرنسية وإلى نسخة رديئة لها. فما بعد قرار تعليق الدراسة في المؤسسات التعليمية من خطوات ترمي إلى اعتماد التعليم عن بعد كانت كلها خطوات غير مفكر فيها وهي خطوات غير واقعية لا تتناسب مع الظروف الموضوعية التي تعيشها المنظومة التربوية لا سيما حين تكفلت بيروقراطية الوزارة بتنزيلها وأشرفت عليها عقليات يطبع سلوكها الارتجالية وتنقصها الكفاءة وتطغى عليها نزعة استعلائية تجاه الفاعلين الحقيقيين في العملية التعليمية التعلمية من مدرسين وتلاميذهم وأولياء أمورهم. حيث فوجئ نساء ورجال التعليم في بدايات الحجر الصحي بإلزامهم بالحضور إلى مؤسساتهم التعليمية رغم عدم التحاق تلامذتهم بها دون أي مسوغ منطقي لهذا القرار الذي كان سيؤدي إلى تحريك عشرات الآلاف من الأطر التعليمية في فترة عصيبة في الوقت الذي كانت الدولة تسعى إلى تقليل الحركة في الشارع ما أمكنها ذلك، فماذا سيفعل المدرس في قسم لا تلاميذ فيه؟ وهل يتقن صنعة أخرى غير التدريس حتى يكلف بها؟ لكن هواجس بعض موظفي وزارة التعليم المركزيين الشاردة، التي لم تدرك خطورة دعوتها تلك، رأت في مكوث الأساتذة في بيوتهم عطالة، وهو ما يستدعي إشغالهم بأي شيء حتى يستحقوا أجرة نهاية الشهر. هذا هو الهاجس الأبرز الذي يشغل القوم والذي يشكل لهم صداعا مزمنا، فحتى بعد التغاضي عن متابعة ذلك القرار فإن هم متابعة المدرس كان مقدما على متابعة تحصيل المتعلمين الدراسي، وهو ما يلمس اليوم من خلال تفعيل التعليم عن بعد، الذي لم يحدث أثرا حقيقيا على السيرورة التعليمية للمتعلم المغربي، ومع ذلك فقد فرض على الأساتذة الاستمرار في مخاطبة أنفسهم في الفضاء الافتراضي بعد عزوف جل التلاميذ على أنشطتهم التعليمية حتى أولئك الذين يتوفرون على الإمكانيات اللازمة لمواكبته، أما باقي التلاميذ فقد وجدوا صعوبة في الاتصال الدائم بالشبكة المعلوماتية، ومنهم من لا يملك هاتفا ذكيا من الأصل دون أن نتحدث عمن ينتمي منهم إلى العالم القروي ممن يستقرون في الجبال والفيافي والذين يفتقرون للحاجات الإنسانية الأساسية، حيث تمثل هذه الزوبعة المثارة ترفا لا معنى له بالنسبة إليهم. كما أن وزارة التربية الوطنية بترويجها لهذا الشكل من التعليم قد رفعت تحديا هي ليست في مستواه، فالوزارة التي كانت ولا تزال عاجزة عن تدبير موقعها الرسمي وتحيينه وتجنيبه الأعطال البسيطة التي تعترضه كلما ارتفع عدد زواره، انفتحت دون أية مقدمات على "التعليم عن بعد" رغم أنه لم يسبق أن اعتمد من قبل في المدرسة العمومية ولم تخضع الأطر التربوية والإدارية لأي تكوين فيه، مما أحدث تخبطا واضحا في تنزيله، بفعل تعدد الوسائط المعتمدة واستخدامها بشكل عشوائي الشيء الذي أوقع التلميذ المغربي في حيرة سواء بإلقاء الدروس عن بعد عبر قنوات محلية تلك الخطوة التي عرفت قدرا كبيرا من الارتجالية، واعتماد بوابة في Microsoft teams التي أريد لها أن تنظم عملية الأقسام الافتراضية لكنها وقعت في مشاكل تقنية بالجملة عرقلت عملية التواصل مع التلاميذ الذي ظل ضعيفا إلى حدود الساعة، مع اللجوء كذلك إلى اليوتيوب وإلى الفيسبوك والواتساب، مما جعل من تواصل الأساتذة مع تلاميذ قاصرين وحتى مع أولياء أمورهم في فضاء يصعب ضبطه أمرا شاقا، فاختلط الجد بالتهريج وهو ما أفقده في النهاية نجاعته. ومع ذلك فوزارة التعليم تقفز على كل هذه المعطيات وتستمر في تسويق الوهم، فهي وجدت غطاء توحي به أن الموسم الدراسي ماض بلا إشكالات تذكر حتى لو مر الربع المتبقي منه دون تعلمات حقيقية ما دامت بيروقراطيتها عاكفة على التوثيق الفارغ عبر الاعتناء كالعادة بالشكل على حساب جوهر العملية التعليمية التعلمية، لكن هذه المرة فإن العبث بالمنظومة قد بلغ منتهاه حين أصابها الوباء المستجد في مقتل بعد أن كشف أساليب تدبيرها أمام الملأ بعد أن كانت تمررها في دواليبها المغلقة.