بعد مرور عشرون سنة على تربع صاحب الجلالة عرش اسلافه الكرام وحمله أمانة قيادة شعبه وهي أمانة عظيمة ومسؤولية جسيمة. يعتبر هذا الخطاب مفصليا و خطابا يجسد المسؤولية الدستورية وأمانة البيعة، خطاب بلغة صريحة وجادة يحمل نبرة النقد الموضوعي والعزم على مواصلة استكمال مسيرة الاصلاح، خطاب مجدد لإرادة تنطلق من الإجماع الوطني حول العرش الذي يوحد المغاربة، وحول ثوابت الأمة ومقدساتها، والخيارات الكبرى للبلاد . عنوان خطاب العرش و المرحلة: – أولا : الملكية الوطنية والمواطنة: وهي ملكية تعتمد على القرب من المواطن، وتتبنى انشغالاته وتطلعاته، وتعمل على التجاوب معها بالإصغاء لنبض الشعب وتتبع قضاياه عن كتب. – ثانيا : الخيار الديمقراطي والتنموي: وهو الخيار الدستوري الذي يعد من الثوابت الوطنية والذي يقوده جلالة الملك بعزم وثبات. – ثالثا : الإصلاحات العميقة: وهي التي أقدم عليها جلالته سواء من خلال المصالحات التي تحققت ، أو من خلال المشاريع الكبرى التي أنجزها ومشهود لها وطنيا ودوليا، كما يؤكد جلالته على مواصلة مسيرة بناء المغرب الحديث، و تجاوز الصعوبات، التي اعترضت مسار البلاد.
العزم على استكمال الاصلاح: يقول جلالته صحيح أنه لم يتمكن أحيانا، من تحقيق كل ما يطمح إليه ولكنه اليوم، أكثر عزما على مواصلة الجهود، وترصيد المكتسبات، واستكمال مسيرة الإصلاح، وتقويم الاختلالات، التي أبانت عنها التجربة. ترصيد الانجازات رغم قصورها: بحيث تم انجاز نقلة نوعية، على مستو ى البنيات التحتية، سواء تعلق الأمر بالطرق السيارة، والقطار فائق السرعة ، والموانئ الكبرى، أو في مجال الطاقات المتجددة، وتأهيل المدن والمجال الحضري، كما تم قطع خطوات مشهودة، في مسار ترسيخ الحقوق والحريات، وتوطيد الممارسة الديمقراطية السليمة. إلا أن البنيات التحتية، والإصلاحات المؤسسية، على أهميتها، لا تكفي وحدها. على مستوى الفوارق الاجتماعية: يقول جلالة الملك بكل صراحة ووضوح وموضوعية، ان ما يؤثر على هذه الحصيلة الإيجابية، هو أن آثار التقدم والمنجزات، لم تشمل، بما يكفي مع الأسف، جميع فئات المجتمع المغربي. ذلك أن بعض المواطنين قد لا يلمسون مباشرة، تأثيرها في تحسين ظروف عيشهم، وتلبية حاجياتهم اليومية، خاصة في مجال الخدمات الاجتماعية الأساسية، والحد من الفوارق الاجتماعية، وتعزيز الطبقة الوسطى. أهمية برامج التنمية البشرية في توجهات جلالة الملك: يولي جلالته أهمية خاصة لبرامج التنمية البشرية، وللنهوض بالسياسات الاجتماعية، والتجاوب مع الانشغالات الملحة للمغاربة. ويؤكد على أنه لن يهدأ له بال، حتى يعالج المعيقات، ويجد الحلول المناسبة للمشاكل التنموية والاجتماعية شريطة توفر النظرة الشمولية، ووجود الكفاءات المؤهلة، والشروط اللازمة، لإنجاز المشاريع المبرمجة. اقرار جلالة الملك بفشل النموذج التنموي: يقول جلالة الملك لقد أبان النموذج التنموي، خلال السنوات الأخيرة، عن عدم قدرته على تلبية الحاجيات المتزايدة لفئة من المواطنين، وعلى الحد من الفوارق الاجتماعية، ومن التفاوتات المجالية. وهو ما دفع لمراجعته وتحيينه. وأن جلالته في الحقيقة، لا يميل لإحداث اللجان الخاصة؛ لأنها أحسن طريقة لدى البعض، لدفن الملفات والمشاكل. ولكنه بادر لإحداثها في بعض القضايا، ذات البعد الوطني، كالجهوية والدستور، ومدونة الأسرة، وهيأة الإنصاف والمصالحة، وحرص شخصيا، على متابعة أشغالها؛ فكانت نتائجها إيجابية وبناءة. مستجد احداث لجنة استشارية خاصة بالنموذج التنموي. لقد قرر جلالته إحداث اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي، التي سيقوم في الدخول المقبل بتنصيبها، مع مراعاة في تركيبتها مختلف التخصصات المعرفية، والروافد الفكرية، من كفاءات وطنية في القطاعين العام والخاص، تتوفر فيها معايير الخبرة والتجرد، والقدرة على فهم نبض المجتمع وانتظاراته، واستحضار المصلحة الوطنية العليا. وأن هذه اللجنة لن تكون بمثابة حكومة ثانية، أو مؤسسة رسمية موازية؛ وإنما هي هيأة استشارية، ومهمتها محددة في الزمن. اختصاصات اللجنة الاستشارية الخاصة بالنموذج التنموي: تختص بالنظر في التوجهات الكبرى للإصلاحات التي تم أو سيتم اعتمادها، في عدد من القطاعات، كالتعليم والصحة، والفلاحة والاستثمار والنظام الضريبي؛ وأن تقدم اقتراحات بشأن تجويدها والرفع من نجاعتها. وعليها أن تباشر عملها بكل تجرد وموضوعية، وأن ترفع لجلالته الحقيقة، ولو كانت قاسية أو مؤلمة، وأن تتحلى بالشجاعة والابتكار في اقتراح الحلول. بهدف إضافة لبنة جديدة في المسار التنموي، في ظل الاستمرارية. وذلك بالتحلي بالحزم والإقدام، وبروح المسؤولية العالية، في تنفيذ الخلاصات والتوصيات الوجيهة، التي سيتم اعتمادها، ولو كانت صعبة أو مكلفة . وفي انتظار ذلك يجب أن يتواصل العمل بمزيد من الالتزام والمسؤولية، في تدبير الشأن العام، والتجاوب مع انشغالات المواطنين .وينبغي التركيز على الخصوص، على الرفع من مستوى الخدمات الاجتماعية الأساسية، ومن أداء المرافق العمومية.
دعوة الحكومة لاعداد جيل جديد من المخططات: دعا جلالة الملك الحكومة للشروع في إعداد جيل جديد من المخططات القطاعية الكبرى، تقوم على التكامل والانسجام، من شأنها أن تشكل عمادا للنموذج التنموي، في صيغته الجديدة الذي ليس غاية في حد ذاته، وإنما هو مدخل للمرحلة الجديدة التي عبرها يتمكن المغرب من دخولها، قوامها المسؤولية والإقلاع الشامل، لأن ما يزخر به المغرب من طاقات ومؤهلات، تسمح له بتحقيق أكثر مما أنجز وذلك في مقدور البلاد حتى يلتحق المغرب بركب الدول المتقدمة. التحديات والرهانات الداخلية والخارجية التي يتعين كسبها: • أولا : رهان تو طيد الثقة والمكتسبات : لكونها أساس النجاح، وشرط تحقيق الطموح وثقة المواطنين فيما بينهم، وفي المؤسسات الوطنية، التي تجمعهم، والإيمان في مستقبل أفضل. • ثانيا : تخطي معضلة الانغلاق على الذات والخوف على المصالح الشخصية: خاصة في بعض الميادين، التي تحتاج للانفتاح على الخبرات والتجارب العالمية، باعتبار ذلك عماد التقدم الاقتصادي والتنموي، بما يتيحه من استفادة من فرص الرفع من تنافسية المقاولات والفاعلين المغاربة. فالانفتاح هو المحفز لجلب الاستثمارات، ونقل المعرفة والخبرة الأجنبية. وهو الدافع لتحسين جودة ومردودية الخدمات والمرافق، والرفع من مستوى التكوين، وتوفير المزيد من فرص الشغل . فبعض القطاعات والمهن الحرة تحتاج إلى الانفتاح على الخبرات والكفاءات العالمية، وعلى الاستثمار الخاص، الوطني والأجنبي. و قد عبرت العديد من المؤسسات والشركات العالمية، عن رغبتها في الاستثمار والاستقرار بالمغرب. وبقدر ما يبعث ذلك على الارتياح، للثقة التي يحظى بها المغرب، فإن القيود التي تفرضها بعض القوانين الوطنية، والخوف والتردد ، الذي يسيطر على عقلية بعض المسؤولين؛ كلها عوامل تجعل المغرب أحيانا، في وضعية انغلاق وتحفظ سلبي. فالذين يرفضون انفتاح بعض القطاعات بدعوى أن ذلك يتسبب في فقدان مناصب الشغل، فإنهم لا يفكرون في المغاربة، وإنما يخافون على مصالحهم الشخصية. بل بالعكس ، فإن الاستثمار الأجنبي في هذه القطاعات، سيدعم جهود الدولة، ليس فقط في توفير الشغل، وإنما أيضا في تحفيز التكوين الجيد، وجلب الخبرات والتجارب الناجحة. • ثالثا : رهان التسريع الاقتصادي والنجاعة المؤسسية : ينبغي بناء اقتصاد قوي وتنافسي، من خلال مواصلة تحفيز المبادرة الخاصة، وإطلاق برامج جديدة من الاستثمار المنتج، وخلق المزيد من فرص الشغل. فان ذلك يتطلب الرفع من نجاعة المؤسسات ، وتغيير العقليات لدى المسؤولين. الابعاد الثلاثة لثورة القطاع العام: ثورة في التبسيط، وثورة في النجاعة، وثورة في التخليق. وقد سبق ان دعا جلالته إلى ضرورة تغيير وتحديث أساليب العمل، والتحلي بالاجتهاد والابتكار في التدبير العمومي. • رابعا : رهان العدالة الاجتماعية والمجالية : لاستكمال بناء مغرب الأمل والمساواة للجميع. مغرب لا مكان فيه للتفاوتات الصارخة، ولا للتصرفات المحبطة، ولا لمظاهر الريع، وإهدار الوقت والطاقات. يجب إجراء قطيعة نهائية مع هذه التصرفات والمظاهر السلبية، وإشاعة قيم العمل والمسؤولية، والاستحقاق وتكافؤ الفرص. اشتراط انخراط المواطن في المرحلة الجديدة للاقلاع: إن نجاح المرحلة الجديدة يقتضي انخراط جميع المؤسسات والفعاليات الوطنية المعنية، في إعطاء نفس جديد، لعملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية ببلادنا. كما يتطلب التعبئة الجماعية، وجعل مصالح الوطن والمواطنين تسمو فوق أي اعتبار، حقيقة ملموسة، وليس مجرد شعارات. و إلى جانب الدور الهام، الذي يجب أن تقوم به مختلف المؤسسات الوطنية لابد من انخراط المواطن المغربي، باعتباره من أهم الفاعلين في إنجاح هذه المرحلة.
دعوة ملكية لمساهمة جميع المغاربة في بناء المرحلة الجديدة: دعا جلالته جميع المغاربة للمساهمة الإيجابية بروح المواطنة الفاعلة، لأن النتائج المرجوة والمشاريع والمبادرات، القادمة، لها هدف واحد هو : تحسين ظروف عيش المواطنين . والمرحلة الجديدة ستعرف جيلا جديدا من المشاريع. ولكنها ستتطلب أيضا نخبة جديدة من الكفاءات، في مختلف المناصب والمسؤوليات، وضخ دماء جديدة، على مستوى المؤسسات والهيئات السياسية والاقتصادية والإدارية، بما فيها الحكومة. تكليف رئيس الحكومة بتقديم مقترحات خاصة بالكفاءات: وفي هذا الإطار، كلف جلالته رئيس الحكومة بأن يرفع لنظره السامي، في أفق الدخول المقبل، مقترحات لإغناء وتجديد مناصب المسؤولية الحكومية والإدارية، بكفاءات وطنية عالية المستوى، وذلك على أساس الكفاءة والاستحقاق. بهدف توفير أسباب النجاح لهذه المرحلة الجديدة، بعقليات جديدة، قادرة على الارتقاء بمستوى العمل ، وعلى تحقيق التحول الجوهري المطلوب. القيمة الوحدوية لذكرى عيد العرش: يقول جلالة الملك إن الاحتفال بعيد العرش المجيد، أبلغ لحظة لتأكيد تعلقنا الراسخ بمغربية صحرائنا، ووحدتنا الوطنية والترابية، وسيادتنا الكاملة على كل شبر من أرض مملكتنا. الاعتزاز بالمكاسب والتصدي لمناورات الخصوم: ان الاعتزاز بما حققته البلاد من مكاسب، على الصعيد الأممي والإفريقي والأوربي مسألة ثابتة، ودعا إلى مواصلة التعبئة، على كل المستويات، لتعزيز هذه المكاسب، والتصدي لمناورات الخصوم. وعليه يبقى المغرب ثابتا في انخراطه الصادق، في المسار السياسي.
المظلة الحصرية للأمم المتحدة في التسوية لملف الصحراء المغربية: كما هو اضح في قناعة المملكة المغربية المبدئية، فان المسلك الوحيد للتسوية المنشودة، لن يكون إلا ضمن السيادة المغربية الشاملة، في إطار مبادرة الحكم الذاتي، حيث أن التحديات الأمنية والتنموية، التي تواجه المغرب، لا يمكن لأي بلد أن يرفعها بمفرده. الالتزام باليد الممدودة للجارة الشقيقة الجزائر لتقيق الطموح المغاربي: لقد أكد جلالة الملك مجددا التزامه الصادق، بنهج اليد الممدودة، تجاه الأشقاء في الجزائر، وفاء من جلالته لروابط الأخوة والدين واللغة وحسن الجوار، التي تجمع، على الدوام الشعبين الشقيقين. وما تجسد مؤخرا، في مظاهر الحماس والتعاطف، التي عبر عنها المغاربة، ملكا وشعبا، بصدق وتلقائية، دعما للمنتخب الجزائري، خلال كأس إفريقيا للأمم بمصر الشقيقة، ومشاطرتهم للشعب الجزائري، مشاعر الفخر والاعتزاز، بالتتويج المستحق بها، وكأنه بمثابة فوز للمغرب أيضا. فهذا الوعي والإيمان بوحدة المصير، وبالرصيد التاريخي والحضاري المشترك، هو الذي يجعل جلالته يتطلع، بأمل وتفاؤل، للعمل على تحقيق طموحات الشعوب المغاربية الشقيقة إلى الوحدة والتكامل والاندماج. مغرب يتساوى فيه جميع المغاربة حقوقا وواجبات: إن المغرب ملك لجميع المغاربة، و بيت مشترك. و على الجميع كل من موقعه، أن يساهم في بنائه وتنميته، وأن يحافظ على وحدته وأمنه واستقرار، مغرب يتسع لكل أبنائه، ويتمتع فيه الجميع، دون استثناء أو تمييز بنفس الحقوق، ونفس الواجبات، في ظل الحرية والكرامة الإنسانية. التذكير تضحيات المغاربة الاحرار: استحضر جلالته بكل إجلال وإكبار، جميع المغاربة الأحرار، الذين قدموا التضحيات الجسام في سبيل الحرية والاستقلال، وساهموا في بناء المغرب الحديث، مغرب التنمية والديمقراطية والتقدم. و في مقدمتهم المغفور له جلالة الملك محمد الخامس، والمغفور له جلالة الملك الحسن الثاني، أكرم الله مثواهما. تحية الاشادة والتقدير: وجه جلالة الملك في ختام خطاب العرش تحية إشادة وتقدير لكافة مكونات القوات المسلحة الملكية، والدرك الملكي، والقوات المساعدة، والأمن الوطني، والوقاية المدنية، لتجندهم الدائم، تحت قيادته للدفاع عن وحدة الوطن، وصيانة أمنه واستقراره. والاستشهاد بالآية الكريمة التي قال فيها تعالى: “وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم”. صدق الله العظيم.