رغم أن الإعلام ليس بريئا و إنما هو أداة للتحكم في الشعوب ، إلا أنه قد يساهم إن ألتزم بالأخلاقيات في إنماء وبناء الأوطان ،و ذلك لما تلعبه السلطة الإعلامية من أدوار تنموية و فكرية ، و اجتماعية و اقتصادية و سياسية وثقافية . لكن إذا ما توقفنا هنيهة أمام قنوات الاعلام في هذا الوطن ، فإننا سنجد أنفسنا أمام مفارقات عجيبة و تناقضات غريبة تأخدك معها الحيرة ، فالإعلام المغربي مدمن على الإشهارات في كل دقيقة أو ثانية إلى درجة أنه يخاطب المواطن باعتباره زبون و مستهلك ، فتتفنن القنوات في عرض الوصلات الإشهارية بطريقة تسيء للإنسان و لكرامته ، و في إنتهاك صارخ لحقوقه و لآدميته ، كما أن هذه القنوات مشغولة بالمسلسلات و الأفلام الغير الهادفة التي لا ترقى بذوق المواطن ، و أيضا ببعض البرامج التي لا تنفع و لا تقدم أي إضافة للمشاهد يمكن أن تفيده في حياته اليومية أو العملية ، فموضوعاتها تتكرر و تحاول التركيز فقط على قضايا مستهلكة ، و في أحيان كثيرة تناقش مواضيع تافهة تستحمر الشعب و لا ترفع من درجة الوعي لدى المتلقي ، و تزيد بشكل مقلق من منسوب الجهل و السطحيةو الخرافة و التيئيس . و تبقى الطامة الكبرى هي حينما يتم ارغام المشاهد أو المستمع على متابعة مسابقات الطبخ و أيضا اللقاءات و السهرات التي تعرض الفن المبتذل ، إذ تجنح القنوات الى تقديم مجموعة من الفنانين الذين لا يربطهم بالفن سوى الخير و الاحسان كنجوم ساطعة و قدوة للرأي العام و كنموذج في النجاح و التفوق و هم من هذا كله براء .
كما ان تعمد تغييب الفكر الفلسفي النقدي و البعد العلمي في تحليل الظواهر و السلوكات زاد من نبرة التطرف و التشدد بشكل يدعو للقلق و التطرف ، و لذلك تحولت بعض البرامج الى منابر ينفت منها المتطرفون سمومهم ، و ينشرون عبرها بؤسهم و عداءهم للفكر الحر و للحداثة ، اللذان يعتبران عماد كل تطور أو تقدم . لقد اصبح الإعلام بحاجة قوية وماسة إلى التجديد في الوجوه والأقلام والأصوات والرؤى، و مطالب بأن يكون أكثر احترافية ومهنية في مقارعة الواقع المتغير وتغطية للأحداث المتسارعة ، مساهما هو الآخر في تقديم الاقتراحات و الحلول للمشاكل و الأزمات التي تعصف بحياة و استقرار المواطن دون الاكتفاء بالتهويل والعويل والترويج للنماذج التي لا تزيد الوضع إلا قتامة و ظلاما .
فللأعلام مسؤولية كبيرة تحتم عليه التحلي باليقظة وبعد النظر وعمق التحليل و التنبيه الى المخاطر المحدقة بالوطن فيكون بذلك الشريك الاساسي ،الذي به تتقوى القيم الإنسانية و الخلقية و به تتعزز المبادئ الديمقراطية التي تمكن من انشاء مجتمع حر و حديث و متقدم يواكب مستجدات العصر ، و بالتالي يصبح عندها الإعلام عنوان للتطور والبناء و يبقى السند الآمن لكل مسار ينشد السلم والتعايش والحوار و الاختلاف و السعادة و الرفاه .