تتسم سويسرا بالتنوع الجغرافي والثقافي ،فمعالمها الجغرافية ومناظرها الطبيعية تتميز بخصائص عديدة ،هذا التنوع يشكل عنصرا أساسياً في تكوين الهوية السويسرية،ونتاجا للتنظيم السياسي والمؤسسات السويسرية. تشكلت النواة الاولى للاتحاد السويسري عام 1291 على يد ثلاثة كانتونات ريفية هي "شفيتس"و"أوري"و"أونتَرفالدَن"،غير أن إنشاء الدولة الفدرالية السويسرية التي نعرفها اليوم ،كان عام 1848 بدستور جديد تم تعديله عام 2000 وبرلمان فدرالي مكون من مجلسين . تتكون سويسرا من 26 كانتونا ،6 منها أنصاف كانتون،كل كانتون هو دويلة صغيرة داخل الكنفدرالية السويسرية، بحيث تُشبه الكانتونات في هيكلها السياسي إلى حد كبير الكنفدرالية.
الكانتونات دويلات داخل سويسرا تتمتع الكانتونات والبلديات في سويسرا بحكم فدرالي ذاتي واسع النطاق،فهذه الكانتونات 26 وما يقارب 3000 بلدية لها هياكل منظمة ،حيث يمتلك كل كانتون قوانين وبرلمان ومحاكم خاصة به ،وتقع سلطة اتخاذ القرارات في الامور التي تهم الكانتونات والبلديات على عاتق برلماناتها و حكوماتها ،وتمتلك الكانتونات قوانين تطبق في مناطقها فقط، ولا يمكن تطبيقها في كانتون آخر، كما يحق لها جمع الضرائب وسَن قوانين خاصة بها ، طالما يتماشى ذلك مع خط التشريعات الفدرالية ،كما يمكنها أيضا انتخاب حكوماتها وبرلماناتها ،فضلا على انها تتولى تعبيد الطرق والبنايات المدرسية وأسعار المياه والطاقة وتقنين كل ما يتعلق بركن السيارات ووسائل النقل.
برلمان تحت سلطة الناخبين ينتخب السويسريون كل أربع سنوات أعضاء البرلمان الفيدرالي عن طريق التمثيل النسبي ،ويتكون مجلس النواب من 200 مقعد مقسمة بين الكانتونات الستة والعشرين بما يتناسب مع عدد سكانها، فمثلا كانتون* زوريخ* الذي يتجاوز عدد سكانه مليون واربعمائة الف نسمة ممثل ب 34 مقعدا ،بينما يتوفر كانتون* أوري *على مقعد واحد، علما ان عدد سكانه لا يتعدى حدود الستة وثلاثين الف نسمة . يتولى البرلمان سن القوانين والمصادقة عليها ،ويجتمع اربع دورات في السنة، تتواصل كل دورة على مدى ثلاثة أسابيع ،كما يمكن عقد دورات استثنائية لبضعة أيام في حال اندلاع أزمة او ظروف طارئة ،فضلا على تخصيص جلسة أسبوعية تقوم خلالها الحكومة بالإجابة على الأسئلة الكتابية التي يتقدم بها النواب . ويتسم عمل البرلمانيين في سويسرا بالفعالية ،بالرغم من أن شغل منصب داخل البرلمان لا يعد مهنة في حد ذاتها، بل مهمة تطوعية الى جانب مهنهم الأصلية . بالرغم من الصلاحيات الواسعة التي يتمتع بها البرلمان ،فإن مصادقته على قانون ما، وهو ما لا يعني بالضرورة أن القانون أصبح جاهزا للدخول حيز التطبيق، حيث يحق للناخبين تجميع 50 ألف توقيع على الأقل في ظرف لا يتجاوز 100 يوم، لطرح استفتاء شعبي يدعو إلى تعديل أو إبطال القانون برمته ،وهو ما يفسر المشاورات الماروطونية بين الأحزاب قبيل عرض مسودة قانون على أنظار البرلمان ،كما يحق للناخبين إقرار قوانين و تشريعات جديدة ، شريطة تجميع 100ألف توقيع الضرورية لطرح المبادرة الشعبية على أنظار الشعب .
مجلس الشيوخ ،غرفة لتحقيق التوازن عادة ما تطغى القضايا الهامة للكانتونات الكبرى على الملفات المهمة بالنسبة للكانتونات الصغرى ، ولمواجهة هذه المعضلة ،ابتكر السويسريين وسيلة ناجعة لتحقيق توازن افضل بين مصالح غالبية السكان ونظرائهم الذين يقطنون في الكانتونات الصغرى ،تتمثل هذه الوسيلة في إنشاء غرفة ثانية هي مجلس الشيوخ الذي يضم 46 مقعدا ،يُنتخب المجلس عن طريق نظام الأغلبية ،أي أنه لكل كانتون كامل ممثلان في مجلس الشيوخ وممثل واحد لكل نصف كانتون، حيث ان الكثافة السكانية هي من تحدد عدد النواب داخل المجلس ،ويتم انتخاب اعضائه لمدة اربع سنوات ويعقد دوراته أربع مرات في السنة ،ويتمتع بنفس السلطات التي يتمتع بها مجلس النواب ،فأي تشريع او سن قانون او تعديله يتطلب موافقة مجلس النواب ومجلس الشيوخ.
الحكومة مجلس الحكماء السبعة تتشكل الحكومة السويسرية من سبعة وزراء ،يشرف كل واحد منهم على ما يوازي خمس وزارات في البدان الاخرى،ويتم انتخابهم من طرف البرلمان بغرفتيه لمدة اربع سنوات قابلة للتجديد ،ونادرا ما تتم اقالة وزير في الحكومة من منصبه من قبل البرلمان بغرفتيه،ويترأس الحكومة لمدة عام واحد أحدُ أعضائها السبعة الذين يحملون صفة "مستشارين فدراليين"، ويتناوبون على منصب الرئاسة ،وليس لرئيس الحكومة صلاحيات خاصة وأنما يتولى فقط تمثيل سويسرا في الداخل واتجاه الدول الأجنبية ،كما يتولى إدارة جلسات الحكومة ،فالسلطة التنفيذية لا تكون بيد أشخاص منفردين، بل منحصرة بيد هيئة لا ينفصل أعضاؤها فيما بينهم ،بحيث أن القرارات الحكومية يتم اتخاذها بأغلبية الأعضاء الحاضرين في كل جلسة على أن لا يقل عددهم عن أربعة أعضاء . تُعقد اجتماعات الحكومة كل يوم أربعاء وإذا ما اقتضت الضرورة، تلتئم الحكومة في لقاءات خاصة، كما تجتمع الحكومة خلال جلسة للأسئلة كل أسبوع خلال التئام الدورات البرلمانية الأربعة التي تستغرق كل مرة ثلاثة أسابيع، ونظرا لضرورة طرح الأسئلة كتابيا بشكل مُسبق، لا تكتسي نقاشات الدورات البرلمانية السويسرية طابعا مشحونا. من أهم السمات الأساسية التي تميز الحكومة السويسرية، المُكونة من أربعة أحزاب هو تحقيق التوافق بينها وإظهارُ ذلك أمام البرلمان والشعب ،ويتم غالبا التوصل إلى ذلك التوافق بعد نقاش طويل ومعمق. وليس نادرا أن يُضطر بعض الوزراء إلى تمثيل سياسات الأغلبية في الحكومة، دون أن يعني ذلك بالضرورة أن تلك السياسات تتوافق مع وجهة نظرهم الخاصة، إذ يحدث مثلا أن يتعارض موقف وزير ما من بعض القضايا مع موقف الحزب الذي ينتمي إليه. تمارس الحكومة الفدرالية اختصاصاتها طبقا للقوانين الجاري بها العمل في الدستور السويسري ،وتشمل هذه الاختصاصات الدفاع والأمن الداخلي والسياسة الخارجية والعلاقات الدبلوماسية والجمارك والبريد والاتصالات السلكية واللاسكية وشبكة السكك الحديدية وإعداد الخطة المالية ، واقتراح مشروع الخطة ، وإعداد الميزانية ،وتحديد أهداف و وسائل سياسة الحكومة ، وتخطيط وتنسيق أعمال الدولة .
رئيس سويسرا مع وقف التنفيذ يقوم البرلمان الفدرالي في شهر دجنبر من كل سنة ،بانتخاب رئيس الحكومة، الذي هو في نفس الوقت رئيسا للبلاد، من بين أحد الوزراء السبعة في الحكومة لولاية رئاسية مدتها سنة واحدة . لا يتمتع الرئيس السويسري بسلطات أكبر أو صلاحيات مضافة ،بالمقارنة مع باقي أعضاء الحكومة ،حيث يسود شعار تقليدي في سويسرا يقول "واحد للجميع، والجميع للواحد"،مفاده أن الحكومة تتولى جميع المهام مُجتمعة، مِن اتخاذ موقف بشأن السياسات، وحتى توقيع المعاهدات واستقبال رؤساء الدول الزائرين . وعلى الرغم من ذلك يمارس رئيس البلاد ، بعض الصلاحيات الشكلية المخولة له طبقا للدستور، كترأس اجتماعات الحكومة الفدرالية والإضطلاع بواجبات تمثيلية خاصة،كما يقوم بإلقاء الكلمات بمناسبات رأس السنة الجديدة، والعيد الوطني في أول أغسطس، وكذلك يُرحب بأعضاء السلك الدبلوماسى و السفراء الأجانب المعتمدين فى سويسرا فى حفل الإستقبال التقليدي الذي يُقام بمناسبة حلول العام الجديد. يبقى أصغر رئيس سويسري مر في تاريخ الكنفدرالية هو جاكوب شتامبفلي، الذي كان في الخامسة والثلاثين من عمره عند توليه لهذا المنصب في عام 1856 ،في المقابل، كان أدولف دويخَر الرئيس الاكبر سناً، حيث كان في السابعة والسبعين من عمره عندما أصبح رئيسا للكنفدرالية في عام 1909. ويتولى قيادة سويسرا الرئيس الحالي آلان بيرسيه ،بينما يخلفه في هذا المنصب العام القادم 2019 نائبه أولي ماورر.
الاستفتاء الشعبي وسيلة لمراقبة البرلمان والحكومة الاستفتاء هو سيلة فعالة لإشراك الشعب في اتخاذ القرارات المصيرية وآلية مهمة لمراقبة البرلمان والحكومة ، فمنذ اعتماد اول دستور للفيدرالية عام 1848، خول هذا الأخير للشعب السويسري حق الرفض أو القبول في حالة إدخال البرلمان أي تعديل على الدستور الفيدرالي مهما كان طفيفا ،كما يحق للمواطنين الطعن في اَي قرار اتخذه البرلمان لسن قانون جديد او تعديله او معاهدة دولية هامة ،فالقانون السويسري يعطي الحق لكل مواطن في الاعتراض عن القرارات والقوانين الصادرة عن البرلمان ،شريطة تجميع خمسين ألف توقيع تأييد خلال مائة يوم، بعد نشر القرار او القانون الصادر عن البرلمان في الجريدة الرسمية ،ومن الأمثلة على ذلك اعتراض الشعب على قرار البرلمان القاضي بشراء طائرات حربية، كما تم إطلاق استفتاء حول اعتماد ضرائب جديدة أو القوانين الخاصة بحماية الحيوانات او قوانين الزواج إلخ ،لذلك عندما يناقش السياسيين قوانين او إصلاحات جديدة عليهم أن يضعوا في الحسبان أنه بإمكان أي شخص خارج البرلمان أن يبطل كل ما بذلوه من جهود ،لهذا السبب فإن الاستفتاء له تأثير مباشر بالغ الأهمية على الديمقراطية فهو يجعل المشرعين يحسنون الاصغاء لتقديم الحل الذي يحتمل أن يقنع غالبية الناخبين .
المبادرة الشعبية سلطة بيد الشعب تُعد المبادرات الشعبية، وسيلة فعالة بيد الشعب لإحداث تغيير انطلاقا من أسفل الهرم، وبما يخالف رغبة الحكومة والبرلمان في بعض الأحيان ، فالمبادرة الشعبية تمنح المواطنين فرصة المشاركة مباشرة في عملية صنع القرار ، كإقتراح تعديلات دستورية، إما عن طريق إدخال أحكام جديدة في الدستور الفدرالي، أو من خلال تعديل أو إلغاء أحكام سارية. ولكي يُدلي الناخبون بِحُكمِهِم بشأن أي مبادرة في صناديق الإقتراع، يتعيّن على أنصار هذه المبادرة ،عرضها وإخضاعها للفحص من قبل المسؤولين للتأكد من قانونيتها ،و كذا جَمع 100 ألف توقيع صحيح لمواطنين يحق لهم التصويت، وتسليمها إلى المستشارية الفدرالية في غضون 18 شهرا من الإعلان الرسمي عن هذه المبادرة ،وحصولهم على موافقة البرلمان الفيدرالي لعرضها للتصويت النهائي. ومنذ أن بدأ العمل بهذه الآلية، في عام 1891، تم إطلاق أكثر من 400 مبادرة شعبية،تم التصويت على 209 مبادرة،بينما لم يفلح الكثير منها (حوالي90%) في الوصول إلى صناديق الإقتراع، إما لفشل أصحابها في جمع التوقيعات اللازمة، أو لسحبهم لها قبل التصويت، ومن الأمثلة على هذه المبادرات الشعبية نذكر على سيبل المثال لا الحصر،مبادرة" إلغاء الجيش"، ومبادرة "حظر صادرات المواد والأسلحة الحربية"،ومبادرة "الأمن الغذائي". و قامت المحامية غابرييلا روهنر بدراسة لجميع المبادرات الشعبية التي تم إطلاقها في سويسرا من عام 1891 وحتى سنة 2010، تبيّن بأن هذه المبادرات نادرا ما تم قُبولها ولكنها مع ذلك، غالبا ما حققت نجاحا ولو جزئيا على الأقل، وأن ما يقرب من نصف المبادرات، التي قُدمت معززة بالعدد المطلوب من التوقيعات، قادت إلى تعديل في النظام القانوني، إما مباشرة من خلال إجازة الشعب لها وهو الغالب، وإما بشكل غير مباشر من خلال تغليب اقتراح مضاد.
إن نظام الحكم في سويسرا ، يتميز بطابع خاص يختلف عن بقية أنظمة الحكم ، ويرجع سبب نجاحه إلى طبيعة السويسريين المعتدلة والى عدم وجود صراعات حادة بين الأحزاب السياسية التي تتقاسم مقاعد البرلمان ، كما أن هذا النظام كان سببا ً في استقرار الأوضاع السياسية في سويسرا ، وكذلك عدم نشوب أزمات سياسية فيها ، فضلا ً عن الوعي السياسي العالي لدى المواطن السويسري واستقرار الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية.