هذا نموذج من الأحاديث، التي قد تنسب إلى النبي الأمين، أو إلى صحابي كريم، وتنتشر في أزمنة التخلف والجهل، التي تمر بها الأمة الإسلامية، وحديث آخر أكثر شيوعا و ذيوعا، مروي عن علي رضي الله عنه: "لوكان الدين بالعقل لكان باطن الخف أولى بالمسح من ظاهره". وهي مرويات تكشف غياب العقل الإسلامي، و ضياع المنهج الرباني، وانقلاب الموازين لدى المسلمين، في الكثير من الأحيان، حيث يُترك القرآن، للسنة، ثم تُترك السنة لكلام الأئمة، ثم تترك آراء الأئمة لمؤلفي المتون، كما يقول الشيخ محمد الغزالي. لقد تم تعزيز دور المرويات، على حساب المنهج الرباني، حتى قال من قال: السنة قاضية على الكتاب، فتم تفريغ القرآن الكريم من محتواه المرشد والهادي إلى صراط الله المستقيم، بأحاديث واهية، وإلا كيف نفسر نزع الثقة والأمانة من العقل؟! لصالح ماذا؟! أليس لصالح البله، والحمق؟! كيف تم محو عشرات الآيات الداعية إلى التفكر، والتأمل، وإعمال العقل؟! بأثر هنا، وأثر هناك، لا يدري أحدنا مدى ثبوته عمن قاله، من عدمه؟! ولا ماذا قصد به إذا كان قد صدر عنه؟ ثم متى كان الأشخاص حجة على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم؟! يذكر الشيخ الغزالي أن مادة فكر، وردت في نحو ثمانية عشر موضعا من القرآن الكريم، وجاءت الدعوة إلى النظر، بمعنى التفكر، والتأمل في أكثر من أربعة وثلاثين موضعا، وكلمة "أولي الألباب" في نحو ستة عشر موضعا، والعقاد بدأ كتابه "التفكير فريضة إسلامية" بنحو قريب من الثلائمائة آية عن العقل، ووظائفه، وأوصافه، وأساليبه في الفهم والاستدلال... ويحق لنا أن نتساءل، مع الشيخ الغزالي، لماذا ندع هذا كله، ونمشي مع أوهام الذين ورثوا من الماضي أسوأ ما فيه، وتركوا أعظم ما فيه؟ إنها إشارات واضحات إلى محاولات حثيثة وقت في التاريخ من قبل الأنظمة الحاكمة، هدفها تجهيل، و"تبليه" العقلية الإسلامية. لقد بدأت الدعوة إلى تعطيل العقل مبكرا في التاريخ الإسلامي، وألبست تلكم الدعوة لباس التقوى و العلم، والتمسك بالدين، وعقيدة السلف الصالح؛ فعندما كان الأمويون يوطنون أركان دولتهم المستبدة الظالمة، كانوا يفعلون ذلك باستدعاء أدبيات "السنة" و"السلف"، وقال فلان، وروى علان. ولما أراد عالم جليل كالحسن البصري أن يجتهد، أرسل إليه عبد الملك بن مروان يهدده، ويدعوه إلى العودة لمنهج السلف، والتمسك بما ثبت عن الصحابة الكرام، وكأن هذا الملك الفاسد والقاتل، أكثر علما وورعا، من التابعي الجليل الذي تربى في حضن الصحابة الأجلاء!؟ لقد كانت الأنظمة الفاسدة، ولا تزال إلى اليوم، تراهن على الجهل والخرافة، سبيلا لبقائها واستمرارها، وعوض أن تصلح نفسها، تريد إفساد الوضع ككل، لكي لا تنفرد هي وحدها بالفساد"وإن يروا سببيل الرشد لا يتخذوه سبيلا وإن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلا" .