-1- إن قراءة سريعة لأسباب الفقر في المغرب الراهن، تحيلنا بسرعة إلى حقيقة ثابتة وأكيدة، تتعلق بالقاعدة السكانية للبلاد التي تتشكل من الأطفال، حيث يبلغ عددهم حوالي 13 مليون طفل أي حوالي ثلث مجموع السكان، وهو رقم ضخم وأساسي في قراءة أحوال المغرب الراهن / والمغرب المستقبلي على حد سواء. فبالنظر إلى وضعية الفقر في مغرب الألفية الثالثة، والتي تتكاثف حوله كل أصناف الفساد المالي والإداري والسياسي والثقافي، نجد ملايين الأطفال يعيشون أوضاعا قهرية، تخرجهم من طفولتهم البريئة / آلاف منهم يبحثون عن القوت اليومي لأسرهم في غياهب الألم، إذ كشف مؤخرا تقرير للمندوبية السامية للتخطيط حول ظاهرة تشغيل الأطفال في المغرب أن حوالي 250 ألف طفل تتراوح أعمارهم بين 7 و17 سنة يتواجدون خارج القانون بسوق الشغل، 162 ألف منهم يزاولون أعمالا خطيرة أو شاقة، بالمناجم والحقول والمعامل.../ وآلاف أخرى منهم يعيشون أوضاعا صعبة (حوالي نصف مليون طفل متخلى عنهم) وحوالي 300 ألف متشردون، بالإضافة إلى حوالي مليون طفل ما زالوا يعيشون خارج المدرسة، بسبب الهجرة القروية أو بسبب إشاعة ثقافة الفقر والتفقير. -2- في هذا الإطار، يصبح "أطفال الفقر" طبقة يافعة، جديدة جنت عليها السياسات الاجتماعية الفاسدة والمفلسة التي تعاقبت على البلاد والعباد،، أطفال ولدوا وتجانسوا داخل مساحة التخلف / الفقر / الأمية / والمرض / الفساد. تقول الدراسات الأكاديمية المنجزة عن هذه الشريحة من "أطفال الفقر" أن حوالي 65% منها مدمنة على تناول المخدرات بكل أنواعها، وأنها عرضة للإدمان والانحراف بسبب احتكاكها المباشر مع الفقر وأحزانه. وتقول أن حوالي 15% منها، تدمن على "الكحول" المشتعل وحوالي 5% منها تشم الغازات السامة والسلسيون. لأجل ذلك، نجد العديد من الخطابات السياسية، تربط حالة الفقر في البلاد (ومن ضمنها حالات "أطفال الفقر") بحالة الفساد التي عمت الكثير من قطاعاتنا...فهي تعتبر أن الرشوة وتهريب المخدرات وتوزيعها وتبييض أموالها واستغلال النفوذ والتهريب، والتهرب من أداء الضرائب وسوء التسيير واختلاس المال العام من الأسباب الرئيسية للفقر وتنامي ظاهرة أطفاله، فهذه الأسباب هي المسؤولة عن جحيم أطفال الفقر والفقراء في بلادنا. إن طبقة الأثرياء الجدد، التي يتنامى تراثها الفاحش بفعل الريع، أو بفعل الفساد الفاحش، أو بفعل الصفقات المغشوشة، والمضاربات العقارية والمتاجرة في الممنوعات والمحرمات، إن هذه الطبقة أعطت الفوارق الطبقية حجمها المخيف، لتزيد الفقراء فقرا والأغنياء غنى. فعلى المستوى السياسي تشكل الفوارق الطبقية عقبة أمام ترسيخ المسلسل الديمقراطي وتعميقه، إذ بينت التجارب الديمقراطية في الدول المتخلفة، أن رهان الديمقراطية مرتبط بوجود طبقة متوسطة قوية واسعة الأطراف والتأثير، فكلما زاد حجم الفوارق الطبقية تلاشى وزن الطبقة المتوسطة واستعصت إشكالية البناء الديمقراطي، وبالتالي استعصت إشكالية القضاء على الفقر وأسبابه. وعلى المستوى الاقتصادي أظهرت تجارب التنمية في بلدان العالم أن وجود الفوارق الطبقية الصارخة، يشكل عائقا حقيقيا للتنمية الاقتصادية، فالإقلاع الاقتصادي يرتبط دائما بالتخفيف من التشرذم الطبقي. وعلى المستوى الاجتماعي يؤدي تعاظم الفوارق الطبقية إلى استفحال ظواهر اجتماعية خطيرة، كالسرقة، الإدمان على المخدرات والمسكرات، الإجرام، وانعدام الأمن، كما يؤدي إلى عدم الاستقرار الاجتماعي وما ينجم عنه من عنف كتعبير سياسي ضد الحيف الاجتماعي. أما على المستوى النفسي، فإن الفوارق الطبقية تغرس الانحرافات خصوصا أمام تزايد استفزاز الطبقات الميسورة التي تسعى إلى المبالغة في إظهار المؤشرات الخارجية لثرائها. إن بروز ظاهرة "الفوارق الطبقية" يعني من جهة عجز في التنمية وإخلال بالتوازنات الاجتماعية على حساب التوازنات المالية الشاملة، ومن جهة أخرى، يعني تكريس الفساد المتعدد الأهداف والتوجهات / تكريس التخلف واتساع رقعة البطالة ورفع وثيرة الفقر، المؤدي إلى الجمود والتراجع والركود الاقتصادي. -3- السؤال المتعدد الذي تطرحه علينا إشكالية " أطفال الفقر" بالمغرب الراهن : كيف للمنحنيات الحالية أن تتجه نحو بناء مجتمع يقوم على العدالة الاجتماعية ؟ كيف سيتم المرور من المنطق المجرد للتنمية الاقتصادية إلى منطلق التنمية المتوازية المستديمة...؟ هل يمكن تحسين نمط العيش بإعادة النظر في دور الدولة لحياكة علاقات اجتماعية متوازية تقوم على قيم الديمقراطية...؟ إن البحث في هذا السؤال المتعدد، يقودنا مباشرة إلى ورش التنظير الذي يجب أن يكون ممرا إلزاميا للوصول إلى بناء مشروع مجتمعي قوامه التخفيف من حدة الفقر المؤلم، وتوزيع عادل للقدرات الوطنية وللثروة الوطنية، وتأهيل المجتمع (وليس الاقتصاد وحده) لولوج التنافسية وإيقاف نزيف ديكتاتورية الريع / ديكتاتورية الاقتصاد التي تشجع تطور الفقر وتطور فئاته الصغيرة. خارج السؤال / الأسئلة، يبقى الواضح والجلي في هذه المسألة هو أن الفقر المدقع الذي يزحف على البلاد والعباد، لم يفرز فقط ظواهر البؤس الاجتماعي والبطالة والكساد والغلاء والتراجع الاقتصادي وتكريس الفساد المتعدد الصفات والأهداف، ولكنه أفرز لنا أيضا "أطفال الفقر" الإشكالية / الظاهرة التي أعلنت عن نفسها بقوة وعنف، بعدما انهارت العديد من الأسر في العالم القروي وفي المدن الجديدة والعتيقة، والتي نتج عنها اندفاع جحافل من الأطفال الأبرياء إلى " الفقر العاري" لتنخرط في الجحيم الذي لا لون ولا طعم له.
والسؤال الذي يطرح نفسه في غياب كل الأسئلة : ما هو موقف الحكومة / موقف الدولة من هذه الظاهرة المؤلمة...؟ ماذا فعلت / تفعل من أجلها...؟