كثيرة هي الحركات الاحتجاجية التي طبعت تاريخ المغرب والتي جعلت من الشارع ميدانا للدفاع عن حقوقها وارغام السلطة على الاستجابة لمطالبها الاجتماعية العادلة. غير أن المتأمل في تاريخ هذه الحركات لا بد وأن تستوقفه حركة كان لها الأثر الكبير على تاريخ مغرب ما بعد الاستقلال خصوصا وأنها حركة احتجاجية قادها مجموعة من المتظاهرين تتراوح أعمارهم ما بين 10 سنوات و 17 سنة يومي 22 و 23 مارس سنة 1965 والتي أصبحت تعرف فيما بعد بثورة التلاميذ . لن أغوص في الحديث عن الأسباب المباشرة أو غير المباشرة التي أدت إلى انتفاضة التلاميذ، لكن وجب أن أشير أولا إلى أن الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية في المغرب كانت تغلي آنذاك : ميزانية 1965 ابتلعت نصف الدخل الوطني لصالح نفقات تسيير أجهزة الدولة ، الأسعار ارتفعت بين 1959 إلى حدود 1965 بنسبة كبيرة ، مديونية الدولة قفزت بشكل مهول بين 1960 و1964 . لكن يبقى العنصر المباشر والمفجر لانتفاضة 23 مارس هو منشور وزير التربية والتعليم بلعباس الطعارجي وهو المنشور الذي حدد سن 17 للالتحاق بالتعليم الثانوي ولقي معارضة شديدة لدى عموم التلاميذ والتي تحولت إلى ردود فعل غاضبة .ثم إلى انتفاضة عفوية وتلقائية لم يكن وراءها أي حزب أو تنظيم على الإطلاق، فلما انتشر خبر منشور وزير التعليم ، أصدرت مجموعات تلاميذية شبابية وجمعوية في عدد من الثانويات بيانا تلقائيا مكتوبا بخط اليد كرد فعل مباشر ، يندد بمضمون المنشور ويطالب التلاميذ بمواجهته ، وقد تم توزيع هذا البيان عبر دار الطالب بعين البرجة ن حيث كان يقطن بها العديد من تلاميذ السلك الثانوي الوافدين على البيضاء ، وتم تكليف كل القاطنين بالدار بالعمل على توزيعه داخل ثانوياتهم .فبدأ خروج العديد من تلاميذ الثانويات سواء بساحة السراغنة أو كراج علال أو 2 مارس أو طريق مديونة ، كان يوم 22 مارس يوم احتجاج وإضراب، حيث تفرق التلاميذ المتظاهرون في شوارع المدينة هاتفين “التعليم لأبناء الشعب”… ، في البداية كانت الإنطلاقة من مدينة الدرالبيضاء من مجموعة من الثانويات كثانوية محمد الخامس ، الخوارزمي ، عبد الكريم لحلو … ، غير أن الأمر تطور ولم يقتصر على التلاميذ ، بل انخرط فيه الشباب والطلبة والعاطلين والمهمشين وفيما بعد تدخل عموم المواطنين للدفاع عن أبنائهم وبناتهم ، فما كان من قوات القمع إلا أن تتمادى في معاملاتهم الوحشية مستهدفين الجميع بما فيهم الآباء والأمهات، الشيء الذي أدى فيما بعد إلى اطلاق مسيرات إحتجاجية للتلاميذ والطلبة في بعض مدن مغربية أخرى كالرباط، فاس و مراكش... عمت الفوضى بعد ذلك أرجاء البلاد وانتشرت حالة حرب الكل ضد الكل( هجوم على السجن المدني ، وعلى مراكز الشرطة ، وإضرام النيران على مخازن التمويل . وتوقف العمال عن العمل وإغلاق المتاجر...) ليجد الملك الراحل الحسن الثاني نفسه وجها لوجه أمام ثورة شعبية اعترف هو نفسه في إحدى تصريحاته لقناة فرنسية(منشور على قناة يوتوب) بأنها انتفاضة شكلت بالنسبةله واحدة من أخطر اللحظات التي مر بها القصر والتي استدعت منه حل البرلمان واحتكار جميع السلط. ما أشبه اليوم بالأمس، فمغرب حكومة العدالة والتنمية اليوم هو أيضا مغرب يغلي وربما غليانه أشد وطأة من مغرب 1965، فالاساتذة بكل فئاتهم يحتجون، الأطباء يحتجون، هيئة التفتيش التربوي تحتج ، اصحاب الشاحنات ومهنيو النقل يحتجون... منذ اعتلاء حكومة العدالة والتنمية المشهد السياسي في المغرب وقراراتها اللاشعبية تنزل على رؤوسنا وكأنها قدرنا المحتوم وكل ما تفعله هذه الحكومة هو التوسيع من دائرة المحتجين لتشمل الدائرة أخيرا فئة التلاميذ التي لم تستسغ بدورها أن تقوم حكومتها بترسيم التوقيت الصيفي بشكل دائم وبشكل مفاجئ وغير دستوري بالمرة، ضاربة عرض الحائط بالصحة النفسية للتلاميذ استجابة لإملاءات صندوق النقذ الدولي ولحفنة من الاقطاعيين المرتبطين ارتباطا عضويا بالماما فرنسا. خرج التلاميذ الآن وهجروا حجرات الأقسام وبدأوا انتفاضتهم، يجولون شوارعنا صباح مساء، يفعلون ما عجزنا عن فعله أو يكملون ما بدأناه، يهتفون بشعارات تدل عن وعي يأبى كبارهم الاعتراف لهم به ( العثماني يا بليد ...قهرتينا بزيد او زيد ...متخلعوناش بالتجنيد...جيل 2000 ماشي عبيد.)
الكرة الآن بيد الحكومة إما أن ترجع عن غيها وتعود إلى رشدها وتمنح للتلاميذ وقتهم وترد إليهم ساعتهم المسروقة أو أن تستعد لمواجهة انتفاضتهم والتي يعلمنا التاريخ بأنها معركة خاسرة، لأن مواجتهم تقتضي بالضرورة مواجهة شعب بكامل أطيافه، فالأنسان وكما يقول المثل الشعبي ( كيموت على بلادو أو ولادو) فاحذروا ثورة التلاميذ.