المحطات المرتبطة بتاريخ الباكلوريا ظلت موشومة في ذاكرة التلاميذ خصوصا والمغاربة عموما، خاصة منها تلك التي كانت بطابع استثنائي، لايقف عند حدود أعداد المترشحات والمترشحين، ونسب النجاح مقارنة بنسب المكررين، وغيرها من التفاصيل التربوية/التعليمية، بل تطور الأمر إلى ما هو أبعد على المستوى السياسي. معطى نجده حاضرا عقب تسريب اختبار مادة الرياضيات الذي تم تداوله على مواقع التواصل الاجتماعي، في امتحانات الباكلوريا لدورة يونيو 2015، والذي قد لايكون الوحيد الذي تم التطاول على حرمته، مادام عدم نشر باقي المواد الأخرى ليس دليلا على «طهارتها» وعلى كون تلك الاختبارات ضمنت تكافؤ الفرص فيما بين المترشحات والمترشحين، وذلك على الرغم من الخطابات التحذيرية والهاجس الامني الذي رافق التحضير لهاته الدورة، الذي لم يثن من دبروا الفضيحة عن القيام بمخططهم، الذي رفع أمامه بلمختار وزير التربية الوطنية الراية البيضاء شأنه في ذلك شان رئيس الحكومة عبد الإله بن كيران، مكتفيان بالتنديد والشجب، وباتخاذ قرار إعادة اختبار مادة الرياضيات وكأنه صلب المشكل، متغافلين الكثير من الجوانب السياسية منها والتربوية والأخلاقية، بل أن رئيس الحكومة حاول عبثا إخفاء فضيحة الباكلوريا بفضيحة أكبر معلنا عن كون الأمر يتعلق بخيانة الوطن، كأي متتبع عادٍ لما وقع! قرار «دموي» لعلّ من بين اللحظات العصيبة التي يقترن ذكرها بموضوع الباكلوريا محطة سنة 1965 التي تعد سنة خالدة في ذاكرة المغاربة، وذلك نتيجة لدورية وزارة التعليم ليوم 19فبراير 1965 وما أعقبتها من ردود فعل، لكونها جاءت لتصب الزيت على لهب تذمر وغضب شعبيين، مذكرة أرادت تقنين سن الالتحاق بالتعليم بالسلك الثاني ثانوي للتلاميذ الذين يبلغ عمرهم أقل من 17 سنة وإحالة ما فوق 17 سنة على التعليم التقني، فخلقت إجماعا ضدها في قطاعي التعليم الأصيل والعصري، إذ خرج للاحتجاج الأبناء والآباء على حدّ سواء، ابتداء من 22 مارس، في مظاهرات سلمية عفوية باغتت الجميع بحجمها واتساعها في كل من الدارالبيضاءوفاس ومكناس ومراكش وتاونات...وكلها مدن عرفت هجرة قوية لأسر بدوية راهنت على تعليم أبنائها وتوظيفهم بالإدارة، للخروج من أوضاعها الهشة. مذكرة وزير التعليم آنذاك يوسف بلعباس، التي قضت بطرد التلاميذ من المدارس والثانويات، وحرمانهم من اجتياز امتحان شهادة الباكالوريا جاءت لترجمة القرار الذي اتخذته الحكومة في تلك الفترة تطبيق للتصميم الثلاثي بشأن التعليم، إذ اتخذت إجراءات تقضي بأن يطرد من المؤسسات التعليمية التلاميذ البالغون من العمر 15 سنة من السنة الأولى، والبالغون من العمر 16 سنة من السنة الثانية، والبالغون 17 سنة من السنة الثالثة، وهو ما يعني أن التلاميذ الذين لم يتمكنوا من الإلتحاق بالتعليم الإبتدائي أو الثانوي في السن المحدد لظروف ما، أصبحوا مهددين بالطرد، والغريب في الأمر أن القرار، قد اتخذ قبل المصادقة على التصميم الثلاثي الذي كان لايزال معروضا على مجلس النواب، لذلك قرر تلاميذ وتلميذات المدارس والثانويات القيام بإضراب عام، استنكارا لقرار وزارة التعليم، وبدأوا مظاهراتهم السلمية للتعبير عن استنكارهم لذلك المخطط الذي يجعل مصيرهم مظلما ومستقبلهم مجهولا. مسيرات الغضب ترجمة الغضب السلمي ميدانيا تمت مباشرته يوم 22 مارس الذي كان يوم احتجاج وإضراب، إذ تفرق التلاميذ المتظاهرون في شوارع المدينة وهم يرددون «التعليم لأبناء الشعب» ... وكان سن المتظاهرين يتراوح بين 10 سنوات و 17 سنة، في البداية كانت الإنطلاقة من مدينة الدرالبيضاء من مجموعة من المدارس ... والثانويات كثانوية محمد الخامس، الخوارزمي، عبد الكريم لحلو، الأزهر وغيرها ... والتحقت بهم الجماهير ليتحول الإضراب إلى انتفاضة شعبية، وإثر ذلك تدخل رجال الشرطة وأفراد القوات الإحتياطية لتفريق تجمعات التلاميذ وتشتيت مظاهراتهم السلمية التي ووجهت بالضرب الوحشي وفي كل مكان من أجسادهم، مما جعل المتظاهرين يدافعون عن أنفسهم، خصوصا بعدما بوشرت عدة اعتقالات جماعية في صفوفهم . وفيما بعد تدخل عموم المواطنين للدفاع عن أبنائهم وبناتهم ، فما كان من القوات الأمنية إلا أن تمادت في تلك المعاملة مستهدفة الجميع بما في ذلك الآباء والأمهات . في صباح اليوم الموالي، أصبح الجو متوترا ، إذ استمر الإضراب ومظاهرات التلاميذ المحتجين ضد قرار الطرد من المدارس، لكون هذه الإجراءات مست الآلاف من العائلات في جميع مدن المغرب، وهو الأمر الذي أدى إلى اندلاع هذه الإنتفاضة، وسرعان ما عززت صفوف المتظاهرين بآلاف من الشباب. وفيما بعد اطلقت المسيرات الإحتجاجية للتلاميذ والطلبة في بعض المدن المغربية كمدينة الرباطوفاس. غضب جماهيري أخذ شكل انتفاضة شعبية عارمة، وركزت الجماهير الثائرة في الدارالبيضاء هجوماتها على السجن المدني، وعلى مراكز الشرطة، وأضرمت النيران على مخازن التمويل، وتوقف العمال عن العمل، وأغلقت المتاجر، وكانت إضرابات شاملة وعامة، عبّرت عن غضب واستنكار الجميع للقمع والتعسف الذي شمل كل شرائح المجتمع. ورفعت شعارات تندد بقمع الطلاب مما أدى إلى وقوع اشتباكات عنيفة بين رجال القوة وعموم السكان، إذ كانت مدينة الدارالبيضاء وبعض المدن المغربية بعد ظهر يوم 23 مارس مسرحا لأحداث خطيرة، واجهها النظام المغربي بالقوة والقمع والعنف ، حيث تدخلت قوات الأمن بإشراف الجنرال محمد أوفقير وعملت على إطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين في الأحياء الشعبية، في الوقت الذي كان يتتبع الأحداث عبر مروحية تجوب أجواء الدارالبيضاء ويعطي الأوامر باستعمال النار على المتظاهرين. وقد خلّف استعمال الرصاص الحي وتدخل القوات المساعدة ، سقوط العديد من القتلى ومئات من الجرحى واعتقالات واسعة في صفوف التلاميذ والطلبة وعموم المواطنين/ كما اكتسحت الدبابات ليلة 23 مارس الشوارع وفتكت بمئات العمال والشباب والعاطلين نساء ورجال. أحداث 1965 التي كانت المذكرة الوزارية التي تهمّ الباكلوريا سبب اندلاع شرارتها كانت على جانب كبير من الخطورة، فقد تميزت باستعمال القوة المفرطة، متسببة في وقوع قتلى وجرحى وأعداد كبيرة من المعتقلين في صفوف الأطفال والتلاميذ والطلبة ، الذين استعملت ضدهم جميع وسائل القمع لتفريقهم، في الوقت الذي توجّه فيه المتظاهرون إلى مقر وزارة التعليم وأخذوا يهتفون مرددين شعارات من قبيل «اعطيوا للشعب الكلمة « و «بلعباس سير فحالك التعليم ماشي ديالك « ... وعلى إثر حوادث الدارالبيضاء الأليمة شكل مجلس النواب لجنة بحث برلمانية ، باقتراح من الفريق النيابي الاتحادي، كما استجوب رئيس الفريق المرحوم الدكتور عبد اللطيف بنجلون الحكومة حول الحوادث التي عاشتها الدارالبيضاءوالرباط وبعض المدن الأخرى، مبرزا العنف الذي لم يسبق له مثيل والذي استعملته قوات القمع ضد الشباب الذين تظاهروا تلقائيا وسلميا للإعراب عن سخطهم على قرارات وزارة التعليم الرامية إلى طرد آلاف التلاميذ من المدارس والثانويات . ومن الأحداث التي ميزت تبعات المذكرة وما تلاها من تداعيات وردود فعل، خطاب الملك الراحل الحسن الثاني أواخر شهر مارس 1965 الذي حمّل المثقفين ورجال التعليم مسؤولية ما حدث، وتم حلّ البرلمان والإعلان عن حالة الاستثناء يوم 7 يوليوز من نفس السنة. وقد تميزت انتفاضة مارس عن الانتفاضات التي سبقتها أو التي تلتها التي كانت إما سياسية محضة أو مطلبية نقابية صرفة، بكونها انتفاضة تلاميذ، ومع ذلك كان لها انعكاس ظل وقعه راسخا في تاريخ مسار المغرب. 1979 تسريبات بالجملة محطة أخرى عاشت على إيقاعها البلاد ككل والمرتبطة بامتحانات الباكلوريا وهي التي تعود على سنة 1979، التي شهدت تسريبا لمواد الاختبار التي بيعت ليلة الامتحان وكانت متداولة بشكل مكشوف في المقاهي والساحات العمومية والمنازل، وكما وقع بالنسبة للمترشحات والمترشحين بمركز الامتحان ابي القاسم الزياني وعدد من المراكز الأخرى في امتحانات الباكلوريا دورة يونيو 2015، فقد رفض الكثير من التلاميذ في امتحانات 1979 دخول مراكز الامتحان احتجاجا على التسريب وعلى ضرب مبدأ تكافؤ الفرص، في مشهد تبيّن معه على أن التاريخ يكرر نفسه، بصيغ مختلفة لكن بمضمون ونتيجة واحدة؟ واقعة فضحها الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية من خلال إعلامه الحزبي ونوابه في البرلمان، الذين قدموا آنذاك لوزارة التعليم بعضا من المواد المسربة، لكن تم إنكار ذلك، وخلّفت تلك الامتحانات تداعيات عديدة بدورها، كما طالبت المعارضة الاتحادية يوم الثلاثاء 29 ماي في جلسة لمجلس النواب بتشكيل لجنة برلمانية للبحث في الموضوع، وهو الملتمس الذي ورد في بيان تلاه آنذاك علي بنعمور، وبعد نقاش وأخذ ورد وجدل لمحاولة الهروب والتملص من المسؤولية تم التصويت على مقترح الاتحاد الاشتراكي وتقرر تشكيل لجنة التحقيق والاستماع. تحقيق بخلاصات موقوفة التنفيذ فضيحة الباكلوريا لسنة 1979 دفعت وبناء على مقترح الاتحاد الاشتراكي إلى مصادقة مجلس النواب على الملتمس الرامي إلى تكوين لجنة برلمانية للبحث والتقصي في 30 ماي، حول سير امتحانات الباكالوريا، وهي اللجنة التي تشكلت من 21 عضوا يمثلون كل الفرق البرلمانية، واتصلت هذه اللجنة في هذا المجال بوزارة التربية الوطنية وتكوين الأطر التي وافت اللجنة بملفات نيابات التعليم، ومحضر اجتماع عقد بالوزارة حول امتحانات الباكالوريا، موضوعات امتحانات الباكالوريا «الدورة الأولى» حسب الشعب، إضافة إلى لائحة المشرفين على التصحيح، وكذا لائحة المفتشين على الإختبارات الكتابية، كما طالبت تلك اللجنة بموافاتها بنسخ محاضر الشرطة القضائية التي حققت في قضية الخميسات. وعلى ضوء كل تلك المعطيات شرعت اللجنة في عملها الذي استغرق مدة لا تقل عن 60 ساعة مستمعة إلى 62 شاهدا، زارت خلالها مراكز جهات مراكش، فاس، الدارالبيضاءوالرباط، وكذا القنيطرةوالخميسات، وفي نهاية المطاف خلصت نتائج أشغال هذه اللجنة بعد خمسة أيام من التحري إلى رأيين اثنين، « رأي يرى فيه أربعة أعضاء أنه ليس هناك تسرب بالمرّة، وأن الأمر لا يعدو أن يكون مجرد أعمال غش وتدليس عادية، قصد خلق جو البلبلة والإضرار بحسن سير الإمتحان»، ورأي آخر، «اجتمع حوله سبعة عشر عضوا، وأقرّوا بوجود تسرب في امتحانات الباكالوريا مع اختلاف في تحديد مداه»! ثم جاء بيان لوزير التربية الوطنية في 12 يونيو من نفس السنة منافٍ لما وصل إليه مجلس النواب من حقائق، صوّت على مضمونه القاضي بعدم مناقشة الموضوع 106 نائبا في حين رفضه 40 نائبا، وامتنع نائب واحد، أي بمجموع 147 عضوا في حين أن عدد النواب كان يبلغ 262 نائبا!