في حديث ل " أخبارنا "، أكد المحلل المالي والباحث في الاقتصاد، السيد نجيب الصومعي، أن النموذج التنموي (Development Model)، يعتبر بوصلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية وكذلك التوجهات البيئية لكل دولة. وهو في نفس الوقت نوع من التعاقد التنموي الذي يربط كافة التعبيرات السياسية والاقتصادية والمدنية بالدولة، مشددا على أنه - النموذج التنموي - يعتبر من بين المفاهيم الاقتصادية المعاصرة، نظرا لاقترانه بالنماذج الآسيوية التي عرفت طفرات اقتصادية واجتماعية، ابتدأت أواخر السبعينات من القرن الماضي. ويشكل النموذج التنموي بحسب المتحدث، المسار الأعلى (meta-process) للمسارات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، كما يعتبر بمثابة الإعدادات الاستراتيجية والتقنية التي تمكن الدول من بلوغ أهدافها التنموية بصفة عامة. واستدل الصومعي ب روستوف « Rostow's Stages of Economic Growth » ونوركس « theory of the big push » وهما رائدي التفكير في نظريات النموذج التنموي، للتطرق ل " الإشباع الاستراتيجي وضرورة التحول التنموي "، حيث أكد أن في العشرية الأولى للقرن الحالي، عرف الاقتصاد المغربي تحولات اقتصادية واجتماعية متقدمة، كان من بين نتائجها تحقيق معدل نمو فاق 6% وتوسيع العرض الاقتصادي الوطني وتطوير البنية المالية، بالإضافة لتحسيس مناخ الأعمال وتقوية الجاذبية الاستثمارية للمملكة. وتمكن المغرب من مضاعفة ناتجه الداخلي الخام (PIB)بأزيد من مرتين ونصف خلال اثنى عشرة سنة. والملاحظ بحسب الصومعي، أن هذه الدينامية، عرفت تراجعا منذ سنة 2012، حيث أن الاقتصاد الوطني بدأ يعرف حالة من الركود(stagnation) ، وحقق نتائج ضعيفة خصوصا حينما وصلت نسبة نمو الناتج الداخلي الخام لحوالي 1،6% سنة 2016. علما أن كل الشركاء الاقليميين للمملكة عرفوا انتعاشا اقتصاديا هاما وان المغرب عرف مواسم فلاحية من بين الأجود في تاريخه. وشدد المحلل المالي، انه رغم الاستثمارات والبرامج المتقدمة التي عرفها المغرب، إلا أن انعكاساتها الاقتصادية والاجتماعية ظلت جد محدودة وظل معها خلق الثروة دون المستوى المطلوب، مما أنتج حالة من الركود الاقتصادي والاجتماعي، كانت أبرز تجلياتها ارتفاع نسبة المديونية (taux d'endettement) إلى أزيد من 81% من الناتج الداخلي الخام، إضافة إلى تفاوتات مجالية مقلقة واستفحال البطالة خصوصا بين الشباب وعجز المنظومة الاقتصادية على تحفيز نمو المقاولات خصوصا المتوسطة والصغيرة(PME) التي تشكل حوالي 90% من النسيج المقاولاتي بالمغرب. أما فيما يخص الشق الاقتصادي، فقد أكد الصومعي أن هذه الحالة تعرف " بالاشباع الاستراتيجي" أو (saturation stratégique)، حيث تعجز المنظومة الاقتصادية على امتصاص الاستراتيجيات والبرامج، ويصعب إيجاد الحلول من أجل تعديل مكامن الخلل. وهنا تبرز بحسب الباحث الإقتصادي، أهمية تبني نموذج تنموي جديد، قادر على ضخ دماء جديدة في الاقتصاد الوطني ويؤسس لتحول عميق في اعدادات وتوجهات البنية الاقتصادية والاجتماعية ببلادنا. اما فيما يخص : " الإنتاج والابتكار، كلمات سر نجاح النموذج التنموي الجديد"، فقد أوضح الصومعي أن التعليم يعتبر بمثابة عصب حياة المجتمعات وشرط أساسي لضمان نجاح مسارات النمو (Processus de développement)، ويحتاج المغرب لإعادة نظر كاملة في منظومته الوطنية للتربية والتكوين، من أجل أن تلعب دورها المحوري في ضمان الكفاء ات العالية (HIPO) اللازمة من أجل تحريك عجلة التنمية. وفي هذا الإطار، يجب على البحث العلمي أن يكون المحفز الاول لخلق المقاولات المبتكرة (Start-up) ، والتي تعد آلية ناجعة لخلق القيمة المضافة العالية(haute valeur ajoutée) ، مما من شأنه تعزيز نسبة النمو عبر معادلة التشغيل الذاتي وخلق حالات التحفيز(effet d'entrainement) بين مكونات النسيج الإنتاجي. وتحتاج بلادنا، وفق منظور الصومعي، لخلق منظومة انتاجية متقدمة تمكننا من إنتاج كل ما نستهلك بشرط تنافسيتنا في ذلك، وهذه العملية تعتبر توجها براغماتي خصوصا مع نية المغرب تعويم عملته الوطنية وكذلك انسجاما مع الانفتاح على الاسواق الافريقية العالية الاستهلاك، مما سيعزز القدرة والعرض التصديري (offre d'exportation) للمقاولات المغربية. كما باستطاعة المغرب، يوضح ذات المتحدث، تقوية قدرته في تصدير الخدمات خاصة النقل والنظافة، من خلال تقوية هذه المنظومة وطنيا، مع تعزيز الكفاء ات المغربية العاملة في هذا الميدان. ومن شأن ذلك أن يكون مصدرا هاما للعملة الصعبة وسوق واعدة للتشغيل. كما أن التوجهات البيئية للمغرب وخصوصا الاستثمارات الاستراتيجية في الطاقة المتجددة، والتي ستمكن البلاد من توفير أزيد من 50% من فاتورته الطاقية في أفق 2050، تشكل بحسب الصومعي، عاملا نوعيا في التحول التنموي للمغرب. كما أن الالتزامات المغربية في ميدان البيئة يعتبر عامل تموقع(facteur de positionnement) جد متقدم في الاقتصاد العالمي والأسواق المالية، مما من شأنه تعزيز الثقة الدولية في المغرب كنموذج مثالي وآمن للاستثمار الدائم والمسؤول(Investissement Durable et Responsable) .
وفي الشق التضامني، فإن اعتماده بالشكل الكلاسيكي، يؤكد الصومعي، أنه سيحرم الاقتصاد الوطني من آليات القيمة المضافة التضامنية، وهنا يجب التوجه نحو تبني بعض مفاهيم الاقتصاد التشاركي(PARECON) والسعي نحو ابتكار ميكانيزمات تجعل منه عماد التوجهات التضامنية في النموذج التنموي الجديد، وصيغة ترسخ مبادئ المساواة والتكافل الاجتماعي والتنوع.