بعد مضي ثلاث عشرة سنة عن البعثة، انتقلت فيها الدعوة من السرية و دعوة أقرب العشيرة، إلى الصدع و الجهر و دعوة قريش الى الإسلام. تعرض خلالها محمد صلى الله عليه وسلم و الرعيل الأول من صحابته رضي الله عنهم إلى أشد صنوف العذاب على يد صناديد الكفر بمكةالمكرمة نصرة للات و عزة و هبل آلهة المشركين العرب. فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم منذ اللحظات الأولى بعد نزول الوحي انه سيترك مكة بإذن الله تعالى كما أخبره بذلك ورقة بن نوفل... و مع استمرار معاناة المستضعفين من المسلمين أمام تعنث مشركي قريش، اذن رسول الله صلى الله عليه وسلم لبعض الصحابة بالهجرة إلى الحبشة و كان ذلك في السنة الخامسة بعد البعثة و السنة الثانية على الجهر بالدعوة تخفيفا عنهم من سطوة ما يشهدون من ظلم، قائلا:( ان بالحبشة ملكا لا يظلم عنده احد..) ...مكث النبي صلى الله عليه وسلم يدعو قومه و عشيرته بمكة و من حولها و سائر العرب من الحجاج زوار الكعبة، و قريش ماضية في غيها و تعنثها و حربها ضد دعوة الحق. ...و بعد بيعة العقبة الثانية اذن رسول الله صلى الله عليه لأصحابه بالهجرة إلى المدينةالمنورة للالتحاق باخوانهم الأنصار، فتوكل على الله ثم اعد لها العدة و التمس لها الأسباب، فتاقت نفس ابوبكر الصديق رفقة رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان شاهدا على معجزاتها الخالدة. فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ, أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ حَدَّثَهُ, قَالَ: (نَظَرْتُ إِلَى أَقْدَامِ الْمُشْرِكِينَ عَلَى رُؤوسِنَا, وَنَحْنُ فِي الْغَارِ, فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ, لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ إِلَى قَدَمَيْهِ, أَبْصَرَنَا تَحْتَ قَدَمَيْهِ, فَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ, مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا؟). ليبزغ سنا فجر جديد احتضنت فيه يثرب الوحي و صارت مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم و مستقره و مركز دعوته و ملاذا آمنا للأرواح و الأبدان و الأموال... فانطلق المسلمون تحت لواء الوحي في صنع الأمجاد و كتابة تاريخ جديد اختار له الخليفة الفاروق عمر بن الخطاب الهجرة مستندا ثابتا لتوثيق و توقيت الحوادث لانها أهم مرحلة في تاريخ الإسلام فرق الله بها بين الحق و الباطل و اعز الله بها الإسلام و المسلمين و بلغت دعوته الآفاق. و كان ذلك على عهد الخليفة الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه سنة سبع عشرة من الهجرة، و منذ ذلك أصبح للأمة الإسلامية شعار اختزله التاريخ الهجري الجديد. و تعد ذكرى هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة الى المدينة. ذكرى لهجر الكفر إلى الإيمان. ذكرى نكران الباطل و الجهر بالحق. ذكرى الرفقة الطيبة و الصحبة المحمودة.