انطلاق منافسات الدورة ال25 لرالي المغرب    السلطة المحلية تداهم مقهى للشيشة بطنجة    أمن طنجة يوقف واحدا من ضمن خمسة مجرمين مصنفين "خطرين" فروا من سجن بالبرتغال    في ما يشبه الإعتذار.. ماكرون لنتانياهو: إسرائيل لها الحق في الدفاع عن نفسها والتزام فرنسا بأمنكم لا يتزعزع    سعيد ناشيد ضمن مجلس أمناء "تكوين"    الحسيمة: 15 سنة سجنا نافذا في حق أستاذ اعتدى جنسيا على قاصر    الناخبون الأميركيون يخشون الأخبار المضللة الصادرة من السياسيين أنفسهم    طبيبان أجنبيان يعالجان مصابي الحرب في لبنان: "كأن شيئا لم يتغير"    اتحاد طنجة يخرج متعادلا من موقعته أمام الجيش الملكي    الحكومة الإسبانية تؤكد دعمها للشراكة الاستراتيجية بين المغرب والاتحاد الأوروبي: الرباط شريك أساسي لا غنى عنه    سجلت أدنى معدل مشاركة منذ ثورة 2011.. سعيد يفوز في انتخابات بلا منافسة حقيقية بنسبة 89%    اختتام الدورة 15 لمعرض الفرس للجديدة باستقطاب 200 ألف زائر    إيران ترفع القيود عن الرحلات الجوية‬    إسرائيل تشن أعنف غارات جوية على بيروت    انتقادات "الأحرار" تقلق "البام" بطنجة    "أيقونة مغربية".. جثمان الفنانة نعيمة المشرقي يوارى الثرى في مقبرة الشهداء    رواندا تطلق حملة تطعيم واسعة ضد فيروس "ماربورغ" القاتل    اختتام المنتدى المتوسطي لرائدات الأعمال (MEDAWOMEN)    إعصار يتجه نحو فرنسا وهولندا وبلجيكا مع تأثيرات قوية على باقي الدول الأوروبية    الملك محمد السادس يبعث ببرقية تعزية إلى أسرة نعيمة المشرقي    إسرائيل تجازف بوجودها.. في مهبّ عُدوانيتها    طقس الاثنين .. امطار مرتقبة بالريف والواجهة المتوسطية    مهرجان "الفن" يشعل الدار البيضاء بأمسية ختامية مبهرة    الحنودي: اقليم الحسيمة سيستفيد من غرس 3000 هكتار من الأشجار المثمرة خلال الموسم الفلاحي الحالي    إسرائيل ربحت معارك عديدة.. وهي في طورها أن تخسر الحرب..    تغييب تمثيلية للريف باللجنة المركزية للاستقلال يقلق فعاليات حزبية بالمنطقة    الملك محمد السادس يشارك الأسرة الفنية في حزنها لفقدان نعيمة المشرقي    7 سنوات على موجة "مي تو"… الجرائم الجنسية تهز قطاع صناعة الموسيقى بالولايات المتحدة    ردا على قرار محكمة العدل الأوروبية.. الجمعية المغربية للمصدرين تدعو إلى تنويع أسواق التصدير    كارفاخال يخضع لعملية جراحية بعد إصابته الخطيرة    موكوينا: غياب الجمهور غير مقبول بالمغرب    زراعة الفستق تزدهر في إسبانيا بسبب "تكيّف" الأشجار مع التغير المناخي    استقرار سعر صرف الدرهم مقابل الأورو وتراجعه أمام الدولار    قتيلة وجرحى في إطلاق نار جنوب إسرائيل        مشروع لغرس 500 هكتار من الاشجار المثمرة ب 6 جماعات باقليم الحسيمة    التنسيق النقابي بقطاع الصحة يكشف تفاصيل لقائه مع وزارة الصحة لتنفيذ اتفاق 23 يوليوز 2024    الآلاف يخرجون في مسيرة في الرباط تضامنا مع غزة وبيروت    تصفيات "كان" 2025.. نفاذ تذاكر مباراة المغرب وإفريقيا الوسطى بعد يوم من طرحها        منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة…أسعار الغذاء تسجل أعلى زيادة شهرية    أنفوغرافيك | بالأرقام .. كيف هو حال إقتصاد غزة في الذكرى الأولى ل "طوفان الأقصى" ؟    الجزائر تكشف تورطها في ملف الصحراء بدعم قرار محكمة العدل الأوروبية ضد المغرب    المغرب يحاصر هجرة ممرضيّه إلى كندا حماية لقطاعه الصحي    جولة المفاجآت.. الكبار يسقطون تباعا وسطاد المغربي يتصدر الترتيب    بين أعالي الجبال وقلب الصحراء .. تفاصيل رحلة مدهشة من فاس إلى العيون    وفاة الفنانة المغربية نعيمة المشرقي عن 81 عاما    في عمر ال81 سنة…الممثلة نعيمة المشرقي تغادر الحياة    معاناة 40 بالمائة من أطفال العالم من قصر النظر بحلول 2050 (دراسة)        دراسة تكشف معاناة 40 % من أطفال العالم من قصر النظر بحلول 2050    تسجيل حالة إصابة جديدة ب"كوفيد-19″    وزارة الصحة تكشف حقيقة ما يتم تداوله حول مياه "عين أطلس"    الزاوية الكركرية تواصل مبادراتها الإنسانية تجاه سكان غزة    القاضية مليكة العمري.. هل أخطأت عنوان العدالة..؟    "خزائن الأرض"    موسوعة تفكيك خطاب التطرف.. الإيسيسكو والرابطة المحمدية للعلماء تطلقان الجزئين الثاني والثالث    اَلْمُحَايِدُونَ..!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الاحتقان الاجتماعي، من السجال الرقمي إلى التمرد الواقعي
نشر في أخبارنا يوم 30 - 07 - 2018

إن أصعب ما يمكن أن يعيشه شعب من الشعوب وهو يخضع لما تمليه سلطة المنظومة الحاكمة من أوامر مقدسة، ومن خطط محكمة لتخليد ثقافة الثبات والجمود، هو أن يخضع على غرار السلطة السابقة لسلطة أخرى تزعزع استقراره النفسي، وتخلخل بنيته الفكرية، وتقتلعه من أرض الفراغ والإطلاق، وترمي به في سياق يفرض عليه طرح أسئلة مقلقة كانت مخزنة في ذاكرته البعيدة لسنوات . أين الثروة ؟ من المسؤول؟ أسئلة يعري بها عن واقع مرير لا يحتاج فقط إلى أجوبة لحظية لما يمكن أن يستفهم عنه من قرارات وتمثلات، بل إلى تفكيك معقلن لبنيات هذا الواقع البئيس، وتحليلا شاملا لنسقه العام .

إن الحديث إذن عن السلطة الرقمية التي اخترقت وجودنا الاجتماعي، واقتحمت كياننا النفسي، وجعلتنا حبيسي الأرقام، لنسقط حدود الشاشة الرقمية على واقعنا رغم لا محدوديته، وفي المقابل، حفزنا العالم الرقمي الذي دخلناه ذاهلين على التمرد ورفض الصمت المميت، بل جعلنا نوسع إيديولوجيتنا المحدودة، ومكننا من التموقع داخل سياق الحقيقة الغائبة والمغيبة، ونقتنع أن ما كان يحكمنا نسبي وبعيد عن قيود الإطلاق .

يحق لنا ونحن نحاول أن نخلق نوعا من الاتساق المتين بين واقعنا الحقيقي بكل ما يتجلى فيه من مآسي وخروقات، وبين النسق الرقمي الذي أصبح يشكل في جميع الأحوال جزء ا لا يتجزأ من العالم الواقعي، أن نتساءل عن استعدادنا الثقافي لولوج العالم الواقعي عبر البوابة الرقمية، أو بالأحرى، أن نتساءل بشكل مباشر عن مدى توفقنا في التعبير عما نعيشه من مشاكل سياسية وثقافية استنادا إلى الصور والتدوينات، هذه الرموز التي أخذت تستثير أحاسيسنا واهتماماتنا كلما نقرنا على رابط من الروابط، حيث أصبح التفاعل مع ما تحتويه من دلالات تحديا ثقافيا، بل إشكالا فكريا يجعلنا نتيه في هدا العالم الجديد .

إن استعدادنا من عدمه ليس بالضرورة شرطا أساسيا للتعاطي مع هذا العالم الرقمي، لأن الأخير يقتحمنا دون أن يستأذننا في شيء، يقتحمنا بكل مايتضمنه من مشاكلنا النموذجية، وتعاستنا المكثفة في الفيديوهات التي أصبحت أعيننا تصطدم بها كل يوم، حتى أصبحنا نعيش تعاستين، تعاسة رقمية نخضع بإثرها لسلطة الصورة، وتعاسة واقعية مباشرة شكلت أرضية خصبة للأولى، تعاسة تحققت نتيجة الهوة التي فصلت بين السلطة المتعجرفة التي لم

تكترث لطموح السذاج، ولا لتغير السياق، وبين إرادة الشعب في التطور والتجديد، هذا الشعب الذي ظل مهمشا ومقصيا لسنوات، بل ظل يصرخ في صمت ويتكبد الألم والمعاناة، اليوم فقط، قرر التمرد على الخوف الذي خيم في مخياله منذ سنوات الرصاص، وأصبح على وعي عميق بضرورة الصراخ الفعلي، ورفض الفساد المنظم، اليوم فقط، تغيرت المعطيات، وأصبح العالم الرقمي يشكل سلطة الشعب بامتياز، سلطة منحها القدر المحتوم لشع فقير كان في أمس الحاجة لقالب رمزي يضمن فيه ما يتكبده من ألم، ويتخذ منه معبرا لواقعه البئيس .

وكأي مجتمع اقتلع من سياق البحث عن النفعية المحدودة، والمطالبة بالحقوق في صيغتها البسيطة والمباشرة، وألقي به في سياق رمزي يتطلب مستوى أرقى من المعرفة الكلاسيكية، أصبح هذا المجتمع بشكل أو بآخر، يخضع لطموحه إلى تجاوز قيود الصمت وتحمل لسعات الفقر بشتى أنواعه من جهة، ومن جهة أخرى، لم يعد بإمكانه استئصال غضبه من نفسيته العميقة وإخراجه إلى العيان إلا من خلال الرموز، إنها الرمزية التي خلخلت التوازن المعتاد، وجعلتنا أكثر شجاعة رغم المستقبل المجهول، الرمزية التي تحول معناها من مجرد الاستئناس إلى بوابة لعبور كل شيء .

وكلما أمعنا النظر في السياقات الرقمية المرتبطة بتردداتنا الثقافية كلما أصبنا بإحباط قاهر، لأن ما تتضمنه من علامات ( صور ، فيديوهات ) يؤشر على حزننا المتجذر في نفسيتنا الدفينة، وبؤسنا العميق، سياقات تقدم نماذج متعالية لما تعيشه الشعوب المتخلفة من آلام، لكن، وفي مقابل هذا البعد التراجيدي الذي يكتسي ثقافتنا، أصبح السياق الرقمي يؤشر على وعي ثقافي جديد، على الأقل من خلال مؤشر التعبير، وتجسيد نموذج للغضب الذي ينتاب الشعب جراء فاد السياسة والأخلاق .

لا أحد ينكر الدور المركزي الذي لعبته هذه النقلة الثقافية التي عرفها مجتمعنا في إظهار الخبايا التي أخفيت جراء ثقل سلطة الخوف من العذاب المجهول، غير أن أكثر شيء يجعلنا نرتاب مما أصبحت تتداوله مواقع التواصل الاجتماعي من أفكار وآراء، هو الصراع الإيديولوجي الذي ترتكز عليه مختلف السجالات الرقمية، فقد نسلم أحيانا بضرورة التفاعل والاختلاف، وأحيانا أخرى، قد ينتابنا بعض التخوف، حقيقيا كان أم مرضيا، من بعض الآراء التي تغرد خارج السرب، وهو أمر مشروع إذا تعلق الأمر بتمرد مطلق على الثوابت، ولكن ، في المقابل، يجب أن نرفض هيمنة الخوف المزيف، ونتمرد على النمطية الفكرية التي حولتنا إلى نسخ متشابهة تردد نفس الخطاب، وتتمثل نفس الآراء، كل ذلك تحت وطأة سلطة أرادت خلق نموذج متعال من الضباع .

قد لا نختلف عندما نفتحص بعض الخطابات الرقمية حول ما تؤشر عليه من رغبة حقيقية في التغيير، وغيرة دفينة تعتري بعض المدونين على واقعهم البئيس، لكن، وبما أن التعبير معزول عن صاحبه، فإن المجال يكون شاسعا لكل التأويلات، لأن الخلفية الثقافية التي قد تجمع المرسل والمتلقي، والتي قد تشكل منطلقا لملامسة صدقية الخطاب من عدمها، تختفي وراء الشاشة الرقمية، وتذوب في غموض الرموز، ويصبح جزء كبير من ذلك الخطاب عبثيا وبعيدا عن نقطة اللقاء، الأمر الذي يفسر الرفض الذي طال المقاطعة الأخيرة لبعض المنتجات من لدن البعض، لأن منطلقها كان رقميا، بل حتى استمراريتها من عدمها ارتبطت بما تم تداوله في مواقع التواصل الاجتماعي من تحفيزات، فقد تتعدد التفسيرات، ولكنها تنحصر بشكل عام في الخوف مما وراء الرموز، و الرفض النابع عن القناعة الشخصية، وهو أمر مشروع .

نفس الشيء بالنسبة للاحتجاجات الأخيرة التي عرفها مجتمعنا جراء الغلاء وتفشي الفساد، والتي كان صداها بارزا في العالم الرقمي، فقد اختلفت الآراء بين مؤيد لما طالب به الشعب من حقوق اقتصادية واجتماعية وبين معارض لأشكال الاحتجاج، أي في ارتباط الأخير بما يفرضه النسق الرقمي من قيود، فقد يتحقق التفاعل بين مطالب الشعب كحقائق كلية ومطلقة وبين القالب الرقمي الذي يحتويها، ولكن المسافة التي تفصل بين الشيئين تحقق تباعدا يجعل ما نتلقاه من العالم الرقمي افتراضيا، أو بالأحرى يعتريه الغموض .


إن الأمر إذن لا يتعلق فقط بوعي موحد بالتقنية الموظفة في التعبير، بل يتعدى ذلك إلى وعي أعمق بصيغه التعبير وبمضمونه، بل بالسياق الثقافي الذي يستحوذ على سلطة التقبل والتأويل، وقد نذهب بعيدا ونقول إن التحدي الذي ينتظرنا هو خلق التوافق بين الوعيين، فقد نتلذذ بمتعة الخلق والتعبير، وكن قد يترتب عن ذلك نتاج لا تحمد عقباه، سواء تعلق الأمر بقصدية مبيتة تتوخى إقفال الأفواه وقمع الحريات، أو كان ذلك النتاج متعلقا بتجاوز مطلق للحدود المنطقية، فالوعي بالنسق الثقافي العام، والوسيط الرقمي الخاص، ضرورة لا غنى لنا عنها للاندراج في سياق ثقافي جديد لم يعد يؤمن بالتقوقع والانحصار على الفكر الموحد، بل أصبح الأفق هو الانفتاح على مختلف الأنساق الثقافية لبناء مجتمع متحضر .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.