لا زال الكل يتذكر تلك العبارات الشهيرة التي كانت بين الحين والآخر تؤثت مشهد الحديث الاقتصادي والسياسي في المغرب، “بلادنا أبدت مناعة اقتصادية حمتها من تداعيات الأزمة الاقتصادية التي كانت تضرب الجوار في منطقة الأورو. هل تغاضت الحكومة السابقة عن أزمة كانت تلوح في الأفق القريب أم كانت التخذيرات السياسية سيدة الموقف في كل ذلك. ابانت الحكومة السابقة فعلا عن مهارة ناذرة في دك الاقتصاد الوطني يوما بعد يوما كانت الأزمة تتغلغل في الاقتصاد الوطني وفي أثناء كل ذلك كانت الحكومة تواري عن الموطنين والفاعلين الاقتصاديين الجزء الفارغ من الكأس. كانت في الحقيقة تواري كامل الحقيقة. الحكومة السابقة أخفت الحقيقة أو تجاهلتها. ليس المهم هو تشخيص موقف حكومة عباس الفاسي من الأزمة الاقتصادية المهم أن حكومة عبد الإله بنكيران ورثت ثقلا اقتصاديا بل متاهة جعلتها في أول عهدها تصدق أن الأزمة الاقتصادية تلوح فقط في ما وراء المتوسط، فاستخفت بتداعيات الأزمة الاقتصادية. في التصريح الحكومي، كما في القانون المالي الذي أعدته الحكومة في وقت متأخر كان كل شيء خالي تماما من أية إشارة لتداعيات الأزمة الاقتصادية. لم تفق الحكومة إلا على وقع تقارير صادمة رمت كل التوقعات جانبا واعتمدت على النتائج التي كان يجب على حرس الاقتصاد والمالية اعتمادها كلية للتعامل مع أزمة كانت أعاصيرها تلوح بقوة في الأفق. بالضبط بعد ستة أشهر من كل تلك النوايا جاء الدور على أعتد مؤسسة مالية عالمية لتضع الأمور في نصابها الصحيح. المغرب يعيش فعليا بوادر الأزمة وعلى صناع القرار اتخاذ ما يجب اتخاده من أجل المحافظة على قدرة الاقتصاد المغربي للمحافظة على حيويته من خلال ضمان ميزان أدائته الذي لم يكن يكفي الا لثلاثة أو أربعة أشهر. قبل يومين فقط على يوم الجمعة الماضي عندما قرر مجلس إدارة صندوق النقد الدولي وضع 6 ملايير و200 مليون دولار كخط ائتماني وقائي كان الوزيران الساهران على اقتصاد البلاد يعلنان في البرلمان أن تداعيات الأزمة الاقتصادية تغلغلت في كل شرايين الاقتصاد الوطني ولا داعي لإخفاء هذا. ما الفائدة من ملايير الدولارات يرفض المغرب حتى الآن استعمالها؟ بتوقيع مجلس إدارة البنك الدولي في اجتماعه المنعقد في الثالث من هذا الشهر على منح المغرب ل 6،2 مليار دولار يكون المغرب قد حصل على أضخم دعم مالي في تاريخه مقدم من هذه المؤسسة المالية الدولية. وبالرغم من أن العديد من التأويلات كانت تذهب في اتجاه أن الدعم المقدم للمغرب هو صفقة سياسية بامتياز بعدما شملت اضافة للمغرب كل من الأردن وستشمل في وقت لاحق مصر وتونس. المغرب استكنف بداية عن استعمال المبلغ المرصود من قبل صندوق النقد بشكل مباشر، ولكنه في شوط ثاني اختار أن يلعب أولى الورقات التي سهل الغلاف المالي الضخم ولوجها: الاستدانة من الخارج. بمجرد إعلان بلاغ وزارة المالية عن تمكين المغرب من هذه السيولة الهامة تناسلت التأويلات بين صناع القرار المالي وبين المحللين الاقتصاديين. بين من يقول إن استفادة المغرب من هذه الألية المعتمدة حديثا من قبل صندوق النقد الدولي سيرهن سيادة المغرب من جديد لدى صندوق النقد، معتبرين أن سياسة خط الائتمان نابعة في الأول من فرض سياسة التدخل في شؤون البلاد المالية وخياراتها الاقتصادية. استبقت وزارة المالية كل شيء لتوضح طبيعة الدعم: بلاغ موقع يوم السبت اللاحق ليوم حصول المغرب على المنحة قال أن المغرب حصل على خط ائتماني وقائي من طرف صندوق النقد الدولي بقيمة تعادل 700٪ من حصته في الصندوق ما يعادل 6،2 مليار دولار يمكن استعمالها خلال سنتين. “الخط الائتماني الوقائي” قال عنه بلاغ الوزارة بأنه آلية من الآليات الجديدة التي أحدثها صندوق النقد الدولي في نونبر من العام الماضي لتمكين البلدان التي تنهج سياسات سليمة من مواجهة المخاطر المحتملة المربتطة بتداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية. وزير الاقتصاد والمالية، نزار بركة، عمم تصريحا صحفيا موازاة مع البلاغ الأول، قال فيه إن حصول المغرب على “خط للوقاية والسيولة ” على 6.2 مليار دولار، من طرف صندوق النقد الدولي يبرهن على ثقة المؤسسات المالية الدولية في المسلسل الإصلاحي الذي انتهجه المغرب في المجال السياسي وفي مناعة الاقتصاد الوطني ونجاعة السياسات الاقتصادية المتبعة. وأضاف نزار بركة إن السيولة الموضوعة رهن إشارة المغرب ستعبد الطريق أمام بلادنا من اجل توفير احتياطات احترازية من الممكن استعمالها عند الاقتضاء لمواجهة المخاطر المحتملة المتعلقة بميزان الأداءات. المهم إن كامل المبلغ سيظل فقط رهن الإشارة دونا عن أي استعمال وكأنه قوة ضامنة لولوج المغرب للأسواق الدولية ونوادي الدول المقرضة دونا عن استعماله بالرغم من امكانية صرف المبلغ في ظرف سنتين. رسائل طمأنة: المستثمرون في الأولوية وزارة المالية التي يقودها اليوم حزبان حليفان وجدا نفسهما أمام تركة جعلت كل توقعاتهما تنقلب بين عشية وضحاها. يحاول القائمون على الشأن المالي والاقتصادي في المغرب طمأنة المستثمرين والمواطنين بوجاهة الاعتماد على خط الائتمان الوقائي. بعد الزوبعة السياسية التي أثارها عرض نزار بركة أمام أعضاء مجلس النواب، كان الدور هذه المرة على صدمة من نوع ثاني صندوق النقد الدولي يمكن المغرب من غلاف مالي لم تحصل عليه البلاد في تاريخها الطويل من المعاملة مع هذه المؤسسة الدولية. في أذهان الكل كان شبح عقد الثمانينات يخيم. هل سيخضع مجددا المغرب لحزمة من الإجراءات التي تمس سيادته الاقتصادية وقرارته، بمعنى آخر هل سيدخل المغرب تقويما هيلكيا جديدا في العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين، كما سبق وأن عاشه في ثمانينات القرن الماضي. وزارة المالية على لسان وزيري المالية والميزانية حاولت في البداية أن تبدد التخوفات التي يمكن أن يثيرها التجاء المغرب لهذا الخط بالقول إن التوجس مما يمكن أن يحمله اعتماد المغرب على هذا الخط مفقود تماما، فالسيولة المالية الموضوعة رهن إشارة الحكومة لا تشكل قرضا وإنما تكون ظرفا ماليا موضوعا تحت تصرف المغرب لتجاوز المشاكل التي يمكن أن يقع فيها من جراء نفاذ سلة العملات أو احتياطي العملة الصعبة الذي يمكن أن يضمن له ولوجا للأسواق العالمية وحتى ولوج لنوادي المقرضين الكبار، العملية برمتها لا تخضع لأية شروط ما يعني أن صندوق النقد الدولي لن يضع بلادنا تحت المحك بعدم استفادت من هذا الدعم.
بعد الحصول على خط ائتمان صندوق النقد الدولي المغرب يتجه للاستدانة الساهرون على اقتصاد المغرب يريدون بعث رسائل الطمأنة للمواطنين والفاعلين الاقتصاديين. بعد الضحة والجدل السياسي الذي تركه قرار مجلس إدارة صندوق النقد الدولي بوضع 6.2 مليار دولار في إطار خط الائتمان. مناسبتان كان لوزيري الاقصاد والميزانية فرصة الدفاع فيها ارتهان الاقتصاد الوطني للصناديق الخارجية. ادريس الأزمي الوزير المكلف بالميزانية لدى وزير الاقتصاد والمالية كان صبيحة يوم الاثنين الماضي في لقاء مع نواب العدالة والتنمية. الأزمي قال مدافعا عن خيار الاستدانة الخارجية “إن المعارضين الذين اعتبروا أن بنكيران تراجع عن وعوده بالمحافظة على الاستقلال الاقتصادي الوطني لم يكتشفوا جديدا”. وزير الميزانية أضاف أن البرلمان “رخص خلال قانون المالية لسنة 2012 للحكومة تعبئة 64 مليار درهم، 44 مليار منها توجه للدين الخارجي و20 مليار للدين الخارجي”. الأزمي أضاف فيما يشبه تبرير التجاء الحكومة للاعتماد على الدين الخارجي “إن الحكومة إلى حدود الساعة لم تعبئ سوى مليار و800 مليون درهم في حين أن آخر سنة من حكومة عباس الفاسي احتاجت ل14 مليار درهم”. في كل المناسبات المتاحة أمام وزيري الاقتصاد والمالية، ومنها مناسبة لقاء الوزير المنتدب في الميزانية مع نواب العدالة والتنمية، لا يدعانها تمضي دون منح مزيد من التطمينات حول عافية الاقتصاد المغربي خاصة بعد العرض المخيف الذي قدمه وزير الاقتصاد والمالية خلال الأسبوع الماضي بمناسبة مرور ستة أشهر من تنفيذ ميزانية حكومة عبد الإله بنكيران. تخوف وحيد هو الذي لازم وزير الميزانية طيلة حديثه مع النواب البرلمانيين وهو المتعلق باحتياط العملة الصعبة الذي لا يتجاوز 4 أشهر بعدل تسجيل تراجع كبيرا في احتياط العملة خلال هذه السنة قدر ب30 مليار درهم. نزار بركة قال هو الأخر في الجلسة العامة لمجلس النواب هذه المرة “بكل شفافية وومسؤولية نقول أنه تم فعلا تسجيل تراجع مهم في حجم الموجودات الخارجية ب30 مليار درهم في السنة الماضية، لتنتقل خلال هذا الشهر الى 137 مليار درهم” مع ذلك لا يشكل كل هذا تخوفا حقيقيا بالنسة لإدريس الأزمي “إن هذا المعدل، يقول الأزمي، لا يشكل أي تهديد”. الوزير المكلف بالميزانية أرجع نذرة العملة الصعبة في خزائن المملكة إلى ارتفاع الفاتورة الطاقية وارتفاع أسعار الصرف حيث وصل سعر الدولار إلى حدود 9 دراهم، مضيفا أن 10 سنتيمات تكلف الدولة مليار و200 مليون درهم، كما أن أثمنة البترول ب10 دولارات والغاز ب20 دولار، موضحا أن زيادة دولار واحد تكلف الخزينة العامة 600 مليون درهم سنويا. في مقابل كل ذلك لم يتوان الأزمي عن بعث رسائل الطمأنة حول صحة الاقتصاد الوطني، وفي مقدمتها انخفاض حجم البطالة خلال الفصل الثاني من هذه السنة فبعدما سجل الفصل الأول من هذه السنة مؤشر سلبي للبطالة بعد الكشف عن فقدان 109 ألف منصب شغل، وتم إحداث 96 ألف منصب شغل، لكن هذا المؤشر تحسن بشكل جيد خلال الفصل الثاني من 2012 تم إحداث 112 ألف منصب شغل. الإنتاج الصناعي في تزايد وصل 3.7٪. مؤشر القدرات الإنتاجية هو الآخر تحسن بعدما وصل 75 ٪. في المقارنة بين دول الاورو والمغرب قال الأزمي إن اقتصاديات الدول الأوربية تعرف انخفاضا خلال هذه الأزمة في مؤشر القدرات الانتاجية الذي بلغ أقل من 50٪.
الأزمة في عيون المعارضة دربة الاتحاديين في الاقتصاد يشهد لهم بها الجميع. فيهم المحاضر الاقتصادي وفيهم المحلل الدقيق للوضعيات الاقتصادية وفيهم من تولى مناصب حكومية على رأس وزارة المالية والاقتصاد. في الخلاصة الاتحاديون يجب أن يتعتد بكلامهم وتحليلهم للوضع. الفريق النيابي الاتحادي استمع لية أول لعروض خبراء اقتصاديين من قبل نواب الاتحاد الاشتراكي حول تداعيات الازمة الاقتصادية التي طرقت باب المغرب. صراحة اعترف الاتحاديون وهم في موقع المعارضة اليوم أن الحكومة السابقة تتحمل مسؤوليتها في عدم الكشف عن تداعيات الأزمة المالية على الاقتصاد الوطني. على لسان الحبيب المالكي، حمل الاتحاديون حكومة عباس الفاسي كامل المسؤولية في عدم توضيح الرؤية للمغاربة بخصوص الأزمة المالية، عبد العالي دومو قال “إن الحكومة السابقة تجاهلت الأزمة، بدعوى أن الاقتصاد الوطني قادر على مواجهة الصدمات الخارجية وأنه له من الامكانات والقدرات على مواجهة الأزمة التي تعصف باقتصاديات الدول الأوربية. عبد العالي لم يحمل مسؤولية التعامل اللين مع تداعيات الأزمة المالية للحكومة السابقة التي كان حزبه مشاركا فيها، “حتى الحكومة الحالية، يقول الحبيب المالكي، استخفت بتداعيات الأزمة الاقتصادية، لم نجد لا في التصريح الحكومي ولا في القانون المالي، ولا في تصريحات رئيس الحكومة ما يفيد أن الحكومة تضع في حسبانها الأزمة المالية”. في نهاية الشهر الماضي يضيف المالكي قال رئيس الحكومة في حوار مع مجلة اقتصادية مغربية “إن الوضع ليس كارثيا، أقول إن الوضع المالي والاقتصادي خارج مبالاة الحكومة”. الحل في نظر الحبيب المالكي هو قانون مالية تعديلي لماذا؟ يفسر المالكي على الأوضاع تطورت، عما كان عليه الحال أثناء إنجاز القانون المالي الحالي، بل إن كل القوانين لم تأخذ في اعتبارها الأزمة. عبد العالي دومو، حمل فكرة أخرى عن مواجهة الأزمة، في الاول قال إن الحكومات عادة ما تلجأ في الأزمات إما للتشقف أو الاقلاع، لا هذا ولا ذاك يصلح في نظر عبد العالي دومو لوضع المغرب لماذا؟ المغرب لا يملك أن يسن سياسة تقشف قد لا تعرف عواقبها الاجتماعية والاقتصادية ولأنها عامل مساعد على الانكماش وثانيا المغرب لا يملك آليات الإقلاع الاقتصادي. الحل إذن هو المراهنة على التنمية وهذا ما قال به الحبيب المالكي مقترحا فتح أوراش الأشغال الكبرى في اتجاه المناطق الجنوبية، على غرار ربط العيون والداخلة بالسكك الحديدية. عبد العالي قال إن الفرضيات التي بني عليهاالقانون المالي هشة، في الغالب يضيف دومو إن المؤشرات الحالية تنبأ على أن القادم من الأيام سيكون أسوء. رضا الشامي الوزير السابق للصناعة والتجارة قال إن الحل هو الاعتماد على الصناعة، وحماية الصناعات المحلية عبر نشر ثقافة استهلاك المواد المصنعة محليا.