اليوم يمر شهر كامل وسبعة أيام على حملة المقاطعة التي دشنها المغاربة انطلاقا من دعوات على مواقع التواصل الاجتماعية،- الفايسبوك- والتي لاقت صدى واسعا بين عموم الشعب المغربي مما ساهم في نجاحها. ورغم دخول شهر رمضان إلا أن المقاطعة مستمرة وناجحة ، بفضل العزيمة القوية لشعب صمد طويلا على الظلم والتهميش والتفقير. وتأتي هذه الحركة الاحتجاجية الإبداعية والراقية، بعد سلسلة من الانتفاضات والحراك وحرق الجسد التي لم تحرك لدى المسئولين ذرة من إنسانية أو أية صحوة ضمير. بل بالعكس جوبهت هذه الاحتجاجات بالقمع والسجن والمحاكمات الصورية، إضافة للتصريحات المستفزة والمهينة لأعضاء حكومة تنقصهم الكفاءة، والاهم ينعدم عندهم الوازع الأخلاقي والضمير المهني. إن المتأمل في ما يشهده المجتمع المغربي من ردة فعل طبيعية ومنطقية اتجاه ما آلت أليه الأوضاع بسبب ضعف القدرة الشرائية بفعل الغلاء الفاحش، يستنتج أن الثقة في الأشكال التقليدية للنضال اهتزت وخصوصا في رموزها المتمثلة في النقابات والأحزاب. ويعتبر سلاح المقاطعة ناجعا وإجرائيا، لأنه لا يمكن لأحد استعماله من اجل حملات انتخابية او مزايدات سياسية. في نفس الآن يدل على ان المغاربة بلغ بهم السيل الزبى سواء بسبب السياسات الحكومية التي اتسمت ولعقود بتفقير الفقراء وإغناء الأغنياء، وسحق الطبقة المتوسطة من على الخارطة الاجتماعية للمغرب. ولكن وللأسف أيضا بسبب ضعف وتواطئ أغلب الأحزاب والنقابات. فالمقاطعة تدل على الوعي العميق وايضا تعتبر فرصة للغربلة. الآن ستتضح الرؤيا وينجلي الضباب عن المناضلين الحقيقيين وأشباه المناضلين وبائعي الكلام.
في البدء كان الإعلان "الهاشتاغ" التالي على الفايسبوك:
السؤال المنطقي الذي يطرحه أي متابع لحملة المقاطعة هذه، هو ما هو رد فعل الحكومة وكيف عبر وزراءها عن موقفهم اتجاه نجاح المقاطعة للشركات الثلاث: سيدي علي، سنترال وإفريقيا؟ وسأورد ردود وتصريحات أعضاء الحكومة بشكل اكرونولوجي:
* 24 ابريل: أي بعد أربعة أيام من بدء المقاطعة: الوزير محمد بوسعيد، وزير الاقتصاد والمالية والقيادي في حزب التجمع الوطني للأحرار، في تصريح مثير، وصف المواطنين المنضمين لحملة مقاطعة ثلاث منتوجات استهلاكية، ب”المداويخ”. : " خصنا نشجعو المقاولة ونشجعو المنتوجات المغربية ماشي بحال دابا شي مداويخ تيقولك مقاطعة المقاولة المغربية لي مقاولات مهيكِلة ومهيكٓلة وكتشغل عباد الله وكتخلص الضرائب ديالها”.
* 25 ابريل: صرح أخنوش وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات وصاحب شركة إفريقيا للغاز "أن هناك حوالي 470 ألف فلاح يشتغلون بقطاع الحليب، لن يوقفهم الإنترنت عن العمل" في إشارة إلى الحملة المتواصلة على صفحات الفايسبوك منذ 20 ابريل و التي تستهدف شركة سنترال لإنتاج الحليب، شركة سيدي علي ومحطة إفريقيا للغاز ونحن نعلم جميعا أن مثل هذا التصريح يعتبر مجرد مناورة تهدف الحد او إيقاف المقاطعة باعتبارها تهديدا مباشرا للوزير. لتضعنا امام سؤال جوهري ألم يحن الوقت
لإعلان الطلاق النهائي بين سلطة المال والسلطة السياسية لما تمثله من تهديد خطير لمجتمع عادل يضمن الكرامة والحقوق الأساسية لكل المواطنين.
* 25 ابريل : في نفس اليوم لم يفت منصف بلخياط عضو المكتب السياسي لحزب اخنوش التجمع الوطني للاحرار والوزير السابق، في تصريح صحفي التأكيد على أن "حملة مقاطعة الحليب ومنتجات أخرى، سياسية، وتهدف إلى ضرب مصالح اقتصادية معينة، وتفريق المغاربة". مضيفا أن "المغرب سوق حرة، ومن حق المغاربة أن يشتروا ما يريدونه".
26 ابريل : عادل بنكيران، مدير المشتريات وتطوير الحليب بمجموعة "سنطرال دانون"، في أول تصريح صحفي له في اليوم السادس من حملة المقاطعة وعلى هامش فعاليات المعرض الدولي للفلاحة بمكناس،
اعتبر في مداخلته أن " الضرب في المنتجات الوطنية خيانة للوطن"، مضيفا أن شركته لن تتضرر بالمقاطعة بعكس 120 ألف فلاح الذين يتعاملون مع الشركة، لافتا إلى أن هؤلاء سيضطرون إلى إتلاف إنتاجهم من الحليب إن لم تقم الشركة بجمعه منهم، مشددا على أنه مع التنافسية الشريفة، "ولكن الحس والمسؤولية الوطنية يجب أن تكون قبل كل شيء". فحسب رأيه الوطنية مقرونة فقط بشركة سنترال؟؟؟
تحالف سنترال وإفريقيا بفضل زواج السلطة والمال - الصورة من موقع عربي 21
ورغم هذه التصريحات الأولية المؤسفة إلا أن الغالب هو الصمت الرسمي للحكومة بعد مرور أسبوع على حملة المقاطعة وقد أكد هذا الصمت الناطق الرسمي للحكومة مصطفى الخلفي حين صرح لوسائل الإعلام يوم 26 ابريل بان " الحكومة
لم تناقش موضوع المقاطعة، خلال اجتماع المجلس الحكومي" . وهنا لا بد من الإشارة إلى أن الصمت طال أيضا الأحزاب والنخب الثقافية والجمعوية.
الحملة تواصلت وما زالت متواصلة، والفيديوهات تتوالى تثبت بالدليل الملموس نجاح حملة المقاطعة، ما دفع بعض أعضاء الحكومة للرد، ولأننا لسنا في بلد الديمقراطية الحقيقية و فإن هذه الردود اتسمت مرة بالاستخفاف من الحملة ومرة بالوعيد والتهديد. بعد مرور ما يقرب من ثلاثة أسابيع على المقاطعة، صعد أعضاء الحكومة من لهجتهم فجاءت استفزازاتهم على ألسنتهم وبشكل رسمي على الشكل التالي:
10 ماي: الناطق الرسمي باسم الحكومة مصطفى الخلفي يخرج عن صمته ويهدد المغاربة خلال مؤتمر صحفي، قائلا أن : مقاطعة منتجات ثلاث علامات مبني على مزاعم خاطئة داعيا المغاربة الى الامتناع عن ترويج “أخبار زائفة” لا علاقة لها بحرية التعبير، مضيفا بأن القضاء المغربي مستقل، دون أن يشير الى امكانية متابعة المعنيين، فيما لفت الى الفصل 72 من قانون الصحافة، الذي يعاقب بغرامة من 20 ألف درهم (نحو ألفي دولار) إلى 200 ألف درهم (نحو 20 ألف دولار)، كل من قام “بسوء نية بنشر أو إذاعة أو نقل خبر زائف.
13 ماي : أما الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بالشؤون العامة والحكامة، لحسن الداودي، فقد اختار أن يلعب دور المحامي في المسرحية التي تلعبها الحكومة والتي تتوالى أحداثها الهزلية يوما بعد يوما في ظرف شهر على انطلاق حملة المقاطعة. فقد دافع "المحامي" الداودي عن شركة الحليب الفرنسية المغربية "سنطرال دانون" التي تستهدفها المقاطعة بالاسم.حيث أطلق تصريحات أقل ما يمكن القول عنها أنها تستفز مشاعر المغاربة، حين قال إنه خائف من أن تغادر هذه الشركة البلاد متسببة بفقدان نصف المعروض من الحليب بحسب قوله، قائلاً إن الشركات الأجنبية سوف تخاف من الاستثمار في المغرب بعد ذلك. هذا التصريح وبغض النظر على انه يضع الحكومة في صف لوبيات الاقتصاد ضد الشعب وقدرته الشرائية، فإنه أيضا ينم عن سذاجة وغباء سياسي، فقد اغضب الداودي شركة سانترال عندما عمد لتخويف موظفيها والفلاحين. وكما يقول المثل المغربي: جا يكحلها عماها"
19 ماي: خرج محمد يتيم، وزير الشغل والإدماج المهني، بتصريح مثير حول حملة ” المقاطعة”، مؤكدا أنه لا دخل له في قضية مقاطعة المواد الاستهلاكية، وأن “موضوع الحليب والكومير وخيزو وجافيل ومطيشة والبصل.. مداخلش فيه”.
وأضاف يتيم، في تصريح لمنابر إعلامية، جوابا عن سؤال حول موقفه من مقاطعة المواطنين لبعض المواد الاستهلاكية: “أنا ماشي مواطن.. أنا وزير، كتسولني كوزير، لو كنت مواطن من الزنقة متجيش تسولني"
ورغم أن الوزير أدلى باعتذار وتوضيح محاولا تبرير وتفسير ما جاء في كلامه إلا انه وكما يقال العذر أقبح من الزلة، وإن الذين يحاولون الدفاع عن يتيم، واتهام الآخرين بأنهم أتوا بمشهد مبثور من تصريحات سابقة قديمة إلا أنني أرى شخصيا أن اعتبار وزيرا غير معني باحتجاجات المواطنين والتفريق بين كونه وزيرا وليس مواطنا في الزنقة او ديال الزنقة لهو عذر غير مقبول وينم عن عجرفة أعضاء الحكومة وهم المسئولون الأساسيون على ما آلت إليه أوضاع المواطنين. فهؤلاء الوزراء هم امتداد للحكومة السابقة التي رفعت الدعم عن المواد الاستهلاكية الأساسية، وهي التي قضت على التنافسية ونصبت نفسها حامية لبعض اللوبيات الاقتصادية لاحتكار السوق والاجهاز على القدرة الشرائية للمواطنين الذين ينعتون الآن بأنهم مواطنين ديال الزنقة ويعابون لأنهم أصبحوا يعانون الويلات من اجل شراء خيزو ومطشة ووووو.
قد يعتقد البعض أن كل هذه التصريحات المستفزة جاءت كرد فعل على نجاح المقاطعة، إلا انني هنا اود ان اذكر الجميع أن استفزازات أعضاء الحكومة ليست وليدة اليوم او منذ شهر من بدء المقاطعة. فالشعب المغربي لم ينس تصريحات رئيس الحكومة السابق المنتمي للحزب الحاكم حاليا، والتي لم تشذ عن قاعدة الاستفزاز.
وعلى هديه طبعا سارت وزيرة العدالة والتنمية، للأسرة والتضامن والتنمية الاجتماعية والتي أنست المغاربة في اسمها وأصبحت أكثر شهرة بوزيرة 20 درهم، فقد صرحت أن حادث الصويرة الذي أودى بحياة 16 امرأة بسبب التدافع الذي حصل في أثناء توزيع المساعدات المخجلة من طرف جمعية خيرية ، وهنا نشير فقط بأن مثل هذه الحلول الترقيعية والمهينة لكرامة المواطنين المغاربة نساء ورجالا عرف تشجيعا وانتشارا أوسع مع حكومة العدالة والتنمية ، وفي معرض حديثها خلال الندوة الجهوية لمحاربة العنف ضد النساء بمراكش يوم 8 ديسمبر 2017، بأن سبب الحادث " اللهطة" وهو تعبير قدحي في حق نساء دفعتهن الفاقة والحاجة وخوفهن من عدم تسلم القفة المهينة والتي قد تسد رمقهن ورمق ابناءهن ولو لايام معدودات. الوزيرة لم تجد حرجا أيضا من قول : "أن عدم النظام الذي لم تلتزم به النساء خلال انتظار دورهم لتسلم المعونات الغذائية، كان هو السبب وراء وقوع المأساة". هكذا بكل بساطة وثقة وهي وزيرة التنمية الاجتماعية وكأنها لا تدرك أن السبب الحقيقي وراء المأساة هي مأساة اكبر منها. إنها ابتلاء المغاربة بمسئولين أمثال وزيرة اللهطة . غير أن الوزيرة هذه لم تكتف بهذا اللقب بل أرادت أن تحصل على لقب جديد من خلال تماديها في استفزاز المغاربة واحتقار الطبقات المعوزة منهم على وجه الخصوص ،حيث صرحت تحت قبة البرلمان بان من يحصل على 20
درهم في اليوم ليس فقيرا، هكذا أصبحت لدى المغاربة وزيرة باسم مستعار وزيرة 20 درهم. فالوزيرة تلقبت باسم جديد يدل على الأوضاع السيئة لبلد يحكمه المتعجرفون والوصوليون والمنافقون، إنها الوزيرة "اللهطة 20 درهم".
وإذا كانت هذه الردود المخجلة التي أوردناها لأعضاء الحكومة التي اختارت مواجهة الشعب المغربي بانحيازها الواضح للشركات المحتكرة والمسئولة عن تفقير الشعب والقضاء على قدرته الشرائية، فإننا نطرح تساؤلا لا يقل أهمية وهي ما موقف الأحزاب والنقابات من حملة المقاطعة المستمرة منذ 31 يوما؟ فبالعودة لردود فعل بعض الأحزاب من المقاطعة، سنلاحظ من بينها الخرجة المستفزة للبرلمانية حنان رحال عن حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية المشارك في الائتلاف الحكومي، حيث نعتت في تدوينة لها على حسابها بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك المواطنين المشاركين في حملة المقاطعة بال" القطيع"، ودعت كل تنظيم او حزب أو جهة لاحتواء مثيلات هذه الحملة، و”عدم السماح للمختبئين وراء شاشات الحواسيب لزرع الفتن وتوجيه القطيع وتعريضه للمضايقات”!
أما عن النقابات فلربما أصيبت بعاهتي الصم والبكم جراء الصدمة القوية التي تلقتها من ابناء الشعب الذين ظلوا لعقود يعلقون آمالهم على النقابات، إلى أن انجلت الغيوم واتضحت الرؤية، وأصبح النضال الجماهيري الحقيقي هو المقاطعة بعيدا عن استحواذ النقابات وتوجيهاتها المحسوبة سلفا.
نستثني طبعا عن هذا التواطئ المخجل ، موقف فيدرالية اليسار الموحد حيث وجه عمر بالافريج النائب البرلماني عن الفيدرالية سؤالا كتابيا لرئيس الحكومة يوم 27 أبريل جاء فيه: " عوض معالجة المشكل والعمل على حماية المستهلك، عبر القيام بتدابير عملية مثل تفعيل مجلس المنافسة، الذي يعرف جمودا غير مفهوم، تمت مهاجمة المقاطعين من طرف بعض المسئولين من خلال استعمال بعض المصطلحات الغير المسئولة، الشيء الذي يكرس أزمة الثقة بين المواطنين والمؤسسات"
لنفترض جدلا أن من يقاطع رغم أن دوافعه منطقية ومشروعة خائن للوطن ، ألا يمكن القول بان أعضاء الحكومة هم اكبر الخائنين، لأنهم يقاطعون المستشفيات العمومية، والمدارس المغربية والجامعات الوطنية بل وحتى المنتوج السياحي المغربي، فهم وبدون استثناء يرسلون أبناءهم للدراسة بالجامعات الأجنبية، ويدرسونهم في المدارس الخاصة او مدارس البعثات بالمغرب، ويتعالجون بالمستشفيات الأوربية، بل ويقضون كل إجازاتهم الأسبوعية و السنوية بالبلاد الأجنبية، مقاطعين بذلك قطاعا حيويا وطنيا أي السياحة. من هو الخائن الحقيقي هل الذي بلغ به السيل الزبى، ولم تعد قدرته الشرائية قادرة على استيعاب الارتفاع الصاروخي للأسعار، في العديد من المنتجات، ولم بجد بدا من سلاح المقاطعة كارقى انواع الاحتجاجات، أم الذي يملك من المال فائضا يمكنه من السفر للفنادق الفخمة بالخارج، وتدريس أبناءه
بتكلفة عالية بجامعات عالمية، بل ومنهم من يتسوق من الخارج بما في ذلك المنتجات الحيوية اليومية أليسوا خائنين، هؤلاء الذين خانوا وعودهم وجروا البلاد والعباد إلى أزمة خانقة، في بلد يثير استغراب الأجانب ودهشتهم من الفوارق الطبقية الصارخة وهم يعلمون علم اليقين أن المغرب يملك ثروات طبيعية وبشرية يمكن ان تجعل منه بلدا ضامنا للكرامة الإنسانية لجميع مواطنيهم بمن فيهم مواطنو الزنقة كما وصفهم الوزير الذي يعتبر نفسه غير مواطن. وهو أمر ربما يحتمل وجوها عديدة للتفسير، ولكن تنم كلها على الاستخفاف بالمسؤولية والعجرفة وقلة الحنكة السياسية وغياب القيم الإنسانية في ابسط صورها وهي احترام الجميع.
خلاصة القول : إذا كانت كل هذه التصريحات المستفزة والمتعجرفة والتي أدلى بها هؤلاء على المنابر الرسمية ووسائل الإعلام، تحمل كل هذا الحقد والعجرفة واللامسئولية والتكبر بل والغباء السياسي أيضا. فماذا عن تفوهاتهم في مجالسهم الخاصة، وبينهم وبين زملائهم وبينهم وبين أنفسهم، يتقلبون ويتلونون ويمارسون أبشع أنواع النفاق السياسي والاجتماعي.