كثيراً ما أسمع عشرات المرات يومياً من أفواه المرضى أنهم سبق لهم اللجوء لِ"الرّاقي" ولحسن حظهم قيل لهم "ما عْنْدْكْ والو فيكْ الأعْصابْ". وعندما يخبرني المريض بأن "الرّاقي" قد شفاه من الجّن والحمد لله، أسأله حينئذ "وْعْلاشْ باغي تْشوفْ الطبيب دَبا؟". يكون الرد "قالي الرّاقي خْصْنّي نْشوفْ الطبيب وَخّا بْريتْ من الجن لحْقّاشْ راهْ رْكّْبْ فْيَا الأعْصابْ". أتحدث هنا عن المسمى ب الرّاقي الذي يتاجر بكلام الله وينشر الجهل و الخرافات ويعزز الشعوذة و يزينها برداء الدين بحيث يتحول هذا النصب و الاحتيال إلى عِلم مُسلم به بين بسطاء الناس يعالج الصرع والسحر وكل الأمراض.
و سأعرض عليكم في هذا المقال الفرق بين كلام الله واختصاص الرّاقي ثم أعرض عليكم أخطار هذه الظاهرة.
1- الخلط بين قوة الكلام الإلهي وقوة "الرّاقي"
أ- قوة كلام الله: هذا شيء بديهي وجميع الديانات تُقرّ بأن كلام الله تطمئن به القلوب ويُدخل السكينة إلى النفوس وله قوة روحية شفائية لا شك فيها لدى المؤمنين. ولكن المؤمن لا حاجة له أن يعتمد على شخص يزعم أنه مختص في قراءة كلام الله بل يكفي للمؤمن أن يقرأه بنفسه ويناجي الله بطريقته كما من الممكن لأقربائه وأصدقائه أن يجتمعوا في جلسة دعائية يناجون الله بطلب الشفاء له. ولكن هذا لا يعني الاكتفاء بالأدعية فقط بل ينبغي طلب الخدمة الطبية العلاجية بحيث يكون العلاج متكاملا بين العلم والكلمة الإلهية الروحانية.
ب- الراقي له اختصاصات عديدة واليكم أهمها:
- مهندس تقني متخصص: في استعمال مفاتيح الآيات المختصة بكل مرض و بكل صنف من الجن و بكل لون من أنواع السحر فهو حاصل على هذه الدكتورة الممتازة من جامعات "الجهل من أجل الجهل" المتوفرة في كل حي من أحياء وطننا العزيز. وقد حصل على تدريب عالي في أكبر مختبرات دروب الأحياء المغربية والتي تستعمل تكنولوجيات متطورة جدا في تحويل العلوم إلى خزعبلات! كما له كذلك تقنيات متقدمة جدا في تحويل كلام الله من أصله الروحاني إلى دبدبات صوتية مادية لها منافع علاجية وهذه الطريقة العلمية التكوينية تذكرنا بِ فيلم" هاري بوتر" حيث يجب النطق بجملة بصيغة معينة لتحدث المعجزة.
- اختصاصي في الوساطة بين الجن والإنس: له شهادة دكتورة حصل عليها من جامعة "العلوم التطبيقية للجن والعفاريت" المنتشرة بكثرة في مختلف القرى و البوادي والمدن المغربية. وبطبيعة الحال يحصل الدكتور المتخرج من هذه الجامعات على جهاز سْكانيرْ طبيعي متطور مزروع بعينه اليُسرى لرؤية الجن داخل الإنسان والبيوت المهجورة و المسكونة وبإمكانه تحديد جنس الجن وهويته ودينه. كما يتوفر هذا الدكتور على شهادة عليا في فنون و تقنيات التفاوض ليقنع الجن الإرهابي بالتخلي عن عمليته الإرهابية ويصرفه إلى حاله. وللأسف عندما ينجح الرّاقي في تخليص شخص من الجن يذهب هذا الأخير ليركب شخصاً آخر و يمارس عليه ألوان التسلط و الإرهاب. ولهذا لا زالت جامعات "العلوم التطبيقية لإدارة أعمال مكافحة الجن والعفاريت" تجتهد بجدية في العثور على أحدث التقنيات كي تمكنها من القبض على جميع أنواع الإرهابيين من الجن و سجنهم في "كْواتانامو الجنون والعفاريت". وأنا أكيد أنها ستتوصل قريبا إلى هذا الاكتشاف العظيم لأن فريق الدكاترة الرُّقاة يتوسع بشكل عظيم في وطننا ويشتغل ليلا نهارا على هذه البحوث وبالخصوص أن هذه الجامعات تُكوِّن الآلاف من الدكاترة الرّقاة شهريا نعم أأكد شهرياً!
- ناشط جمعوي متطوع فريد من نوعه: رغم عدد شواهد الدكتورة الحاصل عليها وكثرة أشغاله وأبحاثه فهو يؤدي مهنته ويتنقل من منزل إلى آخر مجانا وبدون مقابل وهذا شيء عظيم وإنساني. ولكنني أتساءل كيف يستطيع الحصول على طعامه اليومي وتدريس أطفاله وتأدية تكاليف هاتفه النقال ودفع كراء وفواتير النت والويفي والكهرباء والماء؟ ربما له منحاً خاصة تقدمها جامعات "العلوم التطبيقية للجن والعفاريت"! المهم هو أنه ناشط فعال يساهم في نشر الجهل مجانا في مختلف بيوت و مستويات الأحياء في ربوع قرانا ومدننا وأشكره على هذا العمل الإنساني الوطني الذي لا يُقدر بثمن.
2- العواقب الوخيمة لِ"الرُّاقي"
أ- ترسيخ الجهل: مازال الجهل يطغى في مجتمعنا وغياب التحسيس و التوعية الطبية يترك المجال فارغاً لهؤلاء المشعوذين الذين يتاجرون بكلام الله تحت غطاء "الشرعية الدينية" والعمل المجاني .
ب- خطورة صحية: لاحظت الكثير من المغاربة يلجئون للرّاقي في كل الأمراض حتى العضوية منها و العلاج بهذه الطرق الهمجية تجعل بعض الأمراض تتعقد وتتطور إلى مراحل خطيرة بحيث يهدر وقت ثمين و يفوت الأوان على التدخل العلاجي الطبي الناجع.
ت- الانتحار: بما أنني أرى أعداداً كبير من المرضى يلجئون لِ "الرّاقي" مدة شهرين على الأقل قبل أن يرجعوا إلى الطب أرى أن في هذه المدة الزمنية، إذا كان المريض مصاباً مثلا باكتئاب حاد أو هلوسة حادة، فاحتمالات لجوئه إلى الانتحار كبيرة جداً وهذا إجرام
بالنسبة لي أن يُترك المريض في عذابه الأليم تحت رحمة الجهل العلاجي وتتعطل زيارته للطبيب ظنا بأنه "مْقْيوسْ بْجْنونْ أوْ بْسْحورْ".
فهل نستمر على حالنا هذا تاركين الجهل ينحر أحيائنا والجاهل الإرهابي يفجر قنابل الجهالة في كل بيت من بيوتنا؟