شباب وطلبة في طنجة يلتفون حول بنعبد الله    مجلس النواب يختتم الدورة الثلاثاء    نسبة الإضراب بالقطاع الخاص تشعل "حرب الأرقام" بين النقابات والحكومة    برلمانات إفريقية تعدد أدوار المبادرة الأطلسية في تحقيق الاندماج القاري    أسعار مواد الغذاء تتراجع في العالم    الجنائية الدولية تندد بعقوبات ترامب    قتيل في حادث إطلاق نار ببروكسيل    تعادل ثمين لتواركة أمام "الماط"    محاولة سرقة وراء اختطاف مسنة    موريتانيا تتجاوب مع السائقين المغاربة    أكبر الشركات الجهوية المتعددة الخدمات تعلن استثمار 200 مليار سنتيم لتعزيز البنية التحتية    طقس السبت.. انخفاض في درجة الحرارة وامطار على الشمال الغربي    مطار الحسيمة يسجل رقم قياسي في عدد المسافرين سنة 2024    طفلة طنجاوية تفوز بجائزة أفضل طفلة مسالمة ومتسامحة في إسبانيا    "فيفا" يجمّد عضوية اتحاد الكونغو.. هل من تأثير على مجموعة المغرب في تصفيات المونديال؟    شرطة العرائش توقف رجلًا وامرأة متلبسين بترويج المخدرات    برلمانيو شفشاون: طيور الببغاء جزء من المشهد السياحي للمدينة وقرار الحجز عليها فيه حيف وظلم    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على وقع التوازن    إعادة انتخاب المغرب في اللجنة التنفيذية للجمعية الدولية لهيئات مكافحة الفساد    مشروع قانون يؤطر "التروتينيت" في المغرب ويلزم مستعمليها بالخوذة واحترام إشارات المرور    المستشفى المتنقل يحط رحاله بجماعة إملشيل في نسخته الثالثة (صور)    الركراكي يعلن عن اللائحة الرسمية للمنتخب المغربي لمواجهة نيجريا وتنزانيا في هذا التاريخ    متى يُسْقِطُ الإطار المسْمار !    «بيرسا كوموتسي» تترجم أعمالا فلسطينية إلى اليونانية    والأرض صليب الفلسطيني وهو مسيحها..    وزيرة الثقافة الفرنسية تحل بالعيون المغربية لافتتاح المركز الثقافي الفرنسي    كتابة الدولة المكلفة بالصناعة التقليدية تستهدف تكوين 30 ألف متدرج في مجال الصناعة التقليدية (لحسن السعدي)    المغرب يشارك بفريق قاري في عدد من السباقات الدولية بتركيا    التامني تسائل وزير التعليم العالي عن مصير طلبة الطب دفعة 2023    المقامرة الخطيرة والتحذير الأمريكي: كيف تحاول الجزائر إشعال المنطقة بتسليح البوليساريو؟    كاني ويست يعلن إصابته بمرض التوحد    الدوزي يشوق جمهوره لجديده الفني "آش هذا"    طنجة تحتضن ندوة علمية حول مشروع قانون المسطرة المدنية: دعوات لتعزيز فعالية العدالة واستقلالية المهن القضائية    لسعد جردة: لم أكن أتوقع العودة بهذه السرعة لتدريب الرجاء البيضاوي    وزارة الصحة تؤكد تعليق العمل بإلزامية لقاح الحمى الشوكية بالنسبة للمعتمرين    إطلاق حملة تلقيح ضد الحصبة بالمدارس وتوزيع استمارة الموافقة على آباء التلاميذ    بنك المغرب: 78 في المائة من المقاولات تعتبر مناخ الأعمال "عاديا"    طنجة.. اختتام منتدى "النكسوس" بالدعوة إلى تدبير مستدام للموارد    مجسّد شخصية زاكربرغ: رئيس "ميتا" تحول إلى "مهووس بالسلطة"    إسرائيل تشيد بمعاقبة المحكمة الجنائية    قرار جديد من السعودية يسهل أداء مناسك العمرة    تعليق العمل بإلزامية لقاح الحمى الشوكية بالنسبة للمعتمرين (وزارة)    رغم التوتر.. كندا تبدي استعدادها للانضمام إلى مشروع ترامب    عمدة ميونخ يرفض استضافة دوري الأمم الأوروبية    تهجير الفلسطينيين: حملة تضليل مكشوفة.. كيف تُصنع الإشاعات لاستهداف المغرب؟    الولايات المتحدة تأمر بوقف عشرات المنح المقدمة لبرنامج الأغذية العالمي    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الجمعة    كأس انجلترا: ليفربول يتأهل للمباراة النهائية بفوز عريض على توتنهام (4-0)    ‪ إلغاء لقاح الحمى الشوكية للمعتمرين    غوغل تطور تقنيات ذكاء اصطناعي مبتكرة لتحدي "DeepSeek"    مسيرة عظيمة.. رونالدو يودّع مارسيلو برسالة مليئة بالمشاعر    "جامعيو الأحرار" يناقشون فرص وإكراهات جلب الاستثمارات إلى جهة الشرق    الشاب خالد، نجم الراي العالمي، يختار الاستقرار الدائم مع أسرته في طنجة    إنتاجات جديدة تهتم بالموروث الثقافي المغربي.. القناة الأولى تقدم برمجة استثنائية في رمضان (صور)    جامعة شيكاغو تحتضن شيخ الزاوية الكركرية    المجلس العلمي المحلي للجديدة ينظم حفل تكريم لرئيسه السابق العلامة عبدالله شاكر    أي دين يختار الذكاء الاصطناعي؟    أربعاء أيت أحمد : جمعية بناء ورعاية مسجد "أسدرم " تدعو إلى المساهمة في إعادة بناء مسجد دوار أسدرم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خطير نعم.. مجنون لا
نشر في أخبارنا يوم 05 - 03 - 2011

التقيت الزعيم الليبي معمر القذافي مرة واحدة يتيمة في باب العزيزية، القاعدة العسكرية حيث يقيم واسرته في شهر آب/اغسطس عام 1999، اجريت خلالها لقاء صحافياً مطولاً استمر ثلاث ساعات نشرت معظمه في 'القدس العربي' في حينه، ولم التقه بعدها رغم الدعوات المتكررة لاسباب عديدة يطول شرحها.
بعد فترة انتظار محدودة في الصالون التابع لمدير مكتبه الحاج بشير، اصطحبني المدير الى منطقة خضراء خالية من المباني باستثناء مجموعة من اشجار النخيل كانت تحمل بلحاً ورطباً ناضجاً، وكانت هناك ثلاث خيم متشابهة تماماً في لونها وحجمها، مكثت قليلاً في احداها، ثم لمحت العقيد بملابس بيضاء بسيطة يتوجه الى خيمة اخرى. واشير عليّ ان اذهب الى هناك حيث سيكون اللقاء.
في الخيمة مكتب بسيط، كان يضم مجموعة من الكتب ذات الوزن الثقيل مثل 'سقوط الامبراطوريات' لبول كندي، و'نهاية التاريخ' للكاتب الامريكي فرانسيس فوكوياما، والعولمة لا اذكر من هو مؤلفه وكان مترجماً عن اللغة الانكليزية، علاوة على بعض كتب السيرة والحديث وتفسير القرآن الكريم.
نصف اللقاء غير المسجل كان حواراً في السياسة والاوضاع في الشرق الاوسط، وخيبة امله من العرب الذين خذلوه بعدم كسر الحصار الذي كان مفروضاً على بلاده بعد جريمة لوكربي، وتوضيح اسباب ادارة ظهره لهم والاتجاه الى العمق الافريقي، واعترف بانني شاركته خيبة الامل بل والغضب من الموقف العربي الرسمي المخجل، ولكنني لم اتفق معه مطلقاً في التبرؤ من عروبته.
ابدأ بهذه المقدمة لكي اختلف مع الكثير من الآراء التي تتهم العقيد القذافي بالجنون، وهي آراء طفحت بها شاشات التلفزة في الايام الاخيرة على ألسنة اناس لم يعرفوا الرجل، بل اشك بانهم يعرفون ليبيا وجغرافيتها وديموغرافيتها، والخريطة القبلية فيها.
الرجل ليس مجنوناً، اقولها ليس دفاعاً عنه، وانما عن سبعة ملايين مواطن ليبي حكمهم لاكثر من اربعين عاماً، ولعشرات بل ربما مئات الملايين من العرب أحبوه في فترة ما، ورأوا فيه زعيماً ثورياً ناصر ثورات العالم العربي، بل وفي اكثر من بقعة من المعمورة. ولذلك فان القول بانه مجنون هو اهانة للشعب الليبي مثلما هو اهانة لهؤلاء العرب المخدوعين.
'''
الشيء المؤكد انه رجل في قمة الخطورة، ولن يتورع عن فعل اي شيء من اجل البقاء، وعلينا ان نتذكر انه قاوم حصاراً غربياً لعدة سنوات، ونجا من اكثر من محاولة اغتيال، واقدم على حل الجيش الليبي بعد اول محاولة انقلابية ارادت الاطاحة به قادها عمر المحيشي زميله في مجلس قيادة الثورة، الذي اعدمه لاحقاً بعد تسليمه من قبل ملك المغرب الراحل الحسن الثاني في صفقة يندى لها الجبين.
الثورة المندلعة حالياً في اجزاء متفرقة من ليبيا مشروعة، ومطالب ابنائها منطقية، ويجب ان تحظى بالدعم والمساندة من كل طلاب الحرية في منطقتنا، وهي حتماً ستنتصر في نهاية المطاف مثل نظيرتيها في تونس ومصر، وكل الثورات المماثلة، والمتوقعة، في اكثر من بلد عربي في المستقبل القريب.
المشكلة تكمن في قبلية الشعب الليبي، وجلوس العقيد على ثروة هائلة تقدر بعشرات المليارات من الدولارات ومن العملات المختلفة يوظفها حاليا لشراء الذمم، وتجنيد اكبر عدد ممكن من المرتزقة، مضافا الى ذلك وحدات من الميليشيات المسلحة بشكل جيد تنضوي تحت لواء ما يسمى بالجيش الشعبي.
صحيح ان بقايا النظام الليبي وقائدها باتت اكثر ثقة بعد مرور اسبوعين، لنجاحها في امتصاص الصدمة جزئيا، او بدء التعايش معها، وتراجع حالة الارتباك التي شاهدناها على وجه العقيد وفي خطاباته النزقة والنارية، ولكن الصحيح ايضا ان الثوار المعارضين لحكمه بدأوا يعيدون ترتيب صفوفهم، ويحافظون على مكتسباتهم، ويتصدون بشجاعة لهجمات فلول النظام التي تريد استعادة بعض المدن التي جرى الاستيلاء عليها.
دول الخليج العربي قاتلت اثناء اجتماع وزراء خارجية الدول العربية الاخير في القاهرة من اجل استصدار قرار بالموافقة على التدخل الاجنبي، واقامة مناطق حظر جوي فوق ليبيا تحت عنوان منع العقيد القذافي من استخدام الطيران لضرب الثوار على غرار ما حدث قبيل الغزو الامريكي للعراق.
هذا الموقف الخليجي جاء بايعاز من بريطانيا والولايات المتحدة، لتسهيل موقف البلدين على مجلس الامن الدولي للحصول على قرار ملزم لتطبيق الحظر، وتليين الموقفين الصيني والروسي المعارضين لمثل هذه الخطوة بالمحاججة بالقول بانه اذا كان العرب موافقين على هذا الحظر فلماذا يعارضه الروس والصينيون؟
'''
الثوار في بنغازي رفضوا ما قبل به وزراء خارجية دول الخليج والاردن، وعارضوا اي تدخل خارجي، وكذلك فعل الشيخ سالم جابر إمام صلاة الجمعة في بنغازي امس عندما قال 'لا نريد تدخلا عسكريا، ولا تدخلا اجنبيا، لدينا ما يكفي من الرجال لحسم المعركة'، وتطرق مرارا الى وحدة الشعب الليبي وقال 'اننا قبيلة واحدة في الشمال والجنوب والشرق والغرب ننتمي الى قبيلة واحدة اسمها ليبيا وعاصمتها طرابلس'.
الثوار الليبيون يظهرون درجات عالية من الوعي، وعزيمة صلبة على مواصلة ثورتهم حتى تتحقق جميع مطالبهم في الحرية والعدالة والمساواة وبناء ليبيا جديدة حديثة عصرية، بعيدا عن اللجان الثورية ودجلها، واجتهادات الفاسدين ووعاظ السلاطين.
اي تدخل اجنبي سيجهض هذه الثورة، وسيطيل من عمر النظام، وسيحول الزعيم الليبي الى بطل يقاوم مشروعا استعماريا يريد الاستيلاء على ليبيا ونفطها وخيراتها، مثلما يريد تركيع شعبها.
شباب الثورة الذين يواجهون الموت في اكثر من قرية ومدينة وحارة هم المرجعية الاساسية التي يجب التشاور معها، ومعرفة مطالبها، تماما مثلما فعل المجلس العسكري المصري عندما ذهب الى شباب ميدان التحرير للتشاور معهم حول الشخصية التي يريدونها لتولي رئاسة الوزراء، وكان لهم ما ارادوا.
العقيد معمر القذافي رجل خطير مثلما قلنا، وسيستخدم كل ما في جعبته من اوراق واسلحة واموال لاستعادة عهده الغابر، خاصة بعد اغلاق كل المخارج في وجهه، وصدور قرار من الانتربول باعتقاله وابنائه ومجموعة من الدائرة المحيطة به، وتجميد ارصدته في الخارج، ولكنه في الوقت نفسه سيوظف اي تدخل خارجي لمصلحة نظامه، وهو بارع في ذلك.
الازمة الليبية ستطول حتما، وهذا خبرسيئ، فليبيا ليست مثل تونس ومصر حقا، فليس فيها مجتمع مدني، ولا جيش وطني، ولا طبقة وسطى، ولا رئيس مسؤول يريد حقن دماء شعبه والرحيل بعد ان سئمه الحكم، مثلما سئمه شعبه.
الخبر الجيد الوحيد يتمثل في صمود المعارضة ووطنيتها، واستعدادها المؤكد للتضحية، وفشل كل محاولات شقها، وحفاظها على مكتسباتها، ودعم الغالبية الساحقة من العرب والعالم لها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.