الوجع أن نتنفس نفس الأكسجين الملوّث ونتحدث نفس اللغة، ونرى نفس الكائنات الميكروسكوبية ويُتصادف أنك عاشق أحياء وأنتربولوجيا، فترى كلّ ساكني هذا الكوكب ولا تراني.. الوجع أن يحدث ذلك كلّه وأظلّ أقصد نفسَ المكتبة، أبحث عنك فلا أجدك فأشتري مكسّرات وكتب تاريخ ولا أبالي.. * * * التعب أن تدركني تجاعيدك في الثلث الأول من العمر فأكابر كجدار عبثت به سوسة الخشب..أخلع نياشين التعايش وأتزين بقليل من المهيّجات النحوية،أبتلع شراب الكركم على دفعات لأتخلص منه بسرعة، وأشمّر عن قلم كذّاب يهادن الرقابة ويدفّئ أرواحا بئيسة كما تدفئ أضلعي السقيمة زهرة اللاڤندر.. لقد كنت في ذلك الزمن سيداً مهذباً يبتسم للعصافير وبعد الشروق يشحن بنادق الصيادين، كان يجمعني بي شرخ يربطني بمساره كالدوائر بقصب السكر، لم أكن شبيها بي إلا كالشبه السطحي الذي جمع "بريمو ليفي" ب"نجيب محفوظ" على مستوى الجبين الفسيح! * * * الحنين أن أرخي ناظري على طول الطريق العام أحملق في أرض نبتت وهي تنتظر تدشينة ملكية، أفرد جاكيتي على الرصيف لأجلس في انتظار الحافلة ثم يحضرني جاكيتك الذي أمضيت لك على بطانته الداخلية في المسافة بين الزرّ الخامس ومنتهى الجيب الشماليّ أغبى الوعود البشرية "أصدقاء إلى الأبد"، أتذكر ذلك و أتساءل من دون نوايا مبيّتة: لماذا لم يفلح الديداكتيك في إقناع البيداغوجيا بإيجاد تسوية حبّية بين البعث في الدين والبعث في دواليب الفلسفة! * * * الضياع هو هذا الشيء الثخين الذي يعلق بحلقي، يبدو أوضح من ثرثرات سكارى الضواحي وأثقل من فاتورة الماء والكهرباء بآخر الشهر، إنه يشبه مذاق آخر ريق بلعته حين طردوني من العمل كحبة سماد متخمجة، لحظة ..هل تسمحون لي بقياسه بإنش من الإسمنت المسلّح ؟ * * * الشوق هو أن أحيي صلة الرحم مع أقحوانتك المجففة في القاموس الفرنسي بالصفحة 728 بجانب بورتريه نيرودا وأسفل نيبال مباشرة، أتلمسها بحذر كطبيب تخذير، أدفع أنفي للأمام قليلا، مسافة عشر سنتيمترات تقريبا، وإن كنت فوق الأريكة تكفيني أربع أو خمس..أشمّها رغم أني أعلم أن لا رائحة لها..أقوم بذلك وفيّا لنفس النسق..شهيق وزفير، ثم شهيق آخر من دون زفير أكنس به رئتيّ المغبّرتين لأركب من جديد حافلة تعيدني للأرض! وفي الختم..، سأبقى هنا لأتسلّى معك البشر بالخارج غير محبوبين وأنا لست خريج معهد سينمائي باروكتي أتلفها شامبو رخيص وكوافير الحيّ في إجازة مفتوحة.. لذلك سأعدّل مزاجي على منتصف الليل وأرقن حاضرك في الزقاق الخلفيّ وأسلمني لعشب يبس لا ينتظر.. المطر!