جرت العادة في فن التناظر أن ينطلق النقاش بين المتناظرين بشكل ودي ، وأن يُظهر كل منهما في بداية كلامه نوعا من الترحيب بزميله ، وبجمهور المتابعين، مع التعبير عن غايته "النبيلة" من تلك المناظرة سواء صدقا أو تأدبا بأنه لا يبادل خصمه عداء، وأنه لم يأت ليخوض معه حربا، أو ليجري مباراة في الملاكمة، أو غير ذلك من العبارات التي من شأنها أن تمنح الجمهورَ انطباعا طيبا عن الشخصين المتناظرين . . هذا في الأحوال العادية الطبيعية، ومعلوم أن الشيخ الفزازي قد مارس التناظر بقدر ما في لحيته من شعرة، فلا يمكن أن يخفى عليه هذا، أو يتغافل عنه في أحواله الطبيعية العادية.
غير أن المناظر الذي يتلقى من البداية ضربات تكون من القوة والشدة بما لا يستطيع تحمله،، قد يفقد توازنه إذا لم يكن شديد المراس أو واثقا من نفسه ومن أدواته في الحجاج، فيظهر ذلك عليه من أول وهلة عندما يأخذ الكلمة للمرة الأولى، فلا يعرف ماذا يقدم ولا ماذا يؤخر، ولا كيف يرد بطريقة لبقة على ضربات الخصم بأقوى منها حجية ومنطقا. تماما كالملاكم الذي يتلقى في بداية الشوط الأول ضربة شديدة كادت تسقطه أرضا، إلا أنه يحاول أن يقاوم سقوطه، فيظل يترنح ليبقى واقفا، ولو بدون قدرة على الرد على الضربات بمثلها أو أشد منها؛ حتى إذا أخذ منه اليأس من الفوز مأخذه، يعمد إلى سلوك مرفوض ومذموم في قوانين اللعبة، فينقض على أذن خصمه يقضمها، كوسيلة ذكية تجعل الحكم يطرده من الحلبة قبل نهاية المقابلة، وهو أهون عليه من أن يخرج منها منهزما بالضربة القاضية . فذلك أخف الضررين.
تتتتتتتتت ذكرت في الحلقة السابقة أن هذه المناظرة نقلت للجمهور من جملة ما نقلته ، شيئا من أخلاق المتناظرين، واقتصرتُ في تلك الحلقة على تبيان طريقة مخاطبة الدكتورة للشيخ الفزازي بسماحة الشيخ، وحضرة الشيخ وما إلى ذلك، في الوقت الذي لم يكن الشيخ يخاطبها إلا بالجاهلة والملحدة والمجنونة ، مما يمكن أن نعتبره نوعا من اعتماد الشيخ على أسلوب وصيغ محرمة أدبيا وأخلاقيا في التحاور الذي ينبغي ألا نسقط به إلى مستوى متدن من البذاءة والإسفاف الذي لا يفيد المتابع للمناظرة في شيء .
اما اليوم فإني أود أن أبين أن الشيخ لم يكن في هذه المناظرة منسجما مع ذاته ، ولا كان منضبطا مع نفسه ، متحكما في أعصابه، ولا كان متوافقا حتى مع ثقافته الإسلامية التي أساء اختيار نصوصها المناسبة لما هو فيه ،
ذلك أن من مستحبات فن التناظر أن ينطلق النقاش بين المتناظرين بشكل ودي ، وأن يُظهر كل منهما في بداية كلامه نوعا من الترحيب بزميله ، وبجمهور المتابعين، مع التعبير عن غايته "النبيلة" من تلك المناظرة سواء صدقا أو تأدبا فيصرح بأنه لا يبادل خصمه عداء، وأنه لم يأت ليخوض معه حربا، أو ليجري مباراة في الملاكمة، أو غير ذلك من العبارات التي من شأنها أن تمنح الجمهورَ انطباعا طيبا عن الشخصين المتناظرين . . هذا في الأحوال العادية الطبيعية، ومعلوم أن الشيخ الفزازي قد مارس التناظر بقدر ما في لحيته من شعرة، فلا يمكن أن يخفى عليه هذا، أو يتغافل عنه في أحواله الطبيعية العادية؛ حاصة إذا لم يكن هو البادئ بالكلام، حيث تقتضي السماحة والخُلق القويم، أن نقابل خطاب البادئ بمثله، إن حسنا فحسنى، وإن غيره فمبثله.
فإذا نحن عدنا إلى كيفية بدء الدكنورة وفاء سلطان لحديثها في هذه المناظرة، سنجدها تبدأ كلامها قائلة :
تت
لقد قلت في الحلقة السابقة بأن هذه المناظرة نقلت للجمهور من جملة ما نقلته ، شيئا من أخلاق المتناظرين، واقتصرتُ في ذلك على طريقة مخاطبة الدكتورة للشيخ الفزازي بسماحة الشيخ، وحضرة الشيخ وما إلى ذلك، في الوقت الذي لم يكن الشيخ يخاطبها إلا بالجاهلة والملحدة والمجنونة ، مما يمكن أن نعتبره مجرد قرينة على فقدان الشيخ لوسائل الدفاع والهجوم المشروعة والمستحبة في هذا المقام ...
أما الحجة الظاهرة على أن الرجل قد تعرض لضربة شديدة في بداية الشوط أفقدته توازنه ، فهو الذي نستشفه من أول ما بدأ به كلامه في أولى مداخلة له، حيث يظهر جليا أنه لم يكن في حالة طبيعية من الناحية النفسية والفكرية؛ إذ لم يرد على الدكتورة تحيتها التي بادرته بها ، عندما بدأت مداخلتها بقولها :
« أهلا بكم
أرحب بالسيد الشيخ محمد الفزازي، وبالإخوة المشاهدين.
أتمنى في البداية أن أشير إلى أن المناظرة مهما كانت طبيعتها ليست خلافا شخصيا بيني وبين الشيخ؛ بل صراع وجودي بين عقيدة ... وبين بديهيات الأخلاق والعلوم....»
فبماذا رد عليها الشيخ عندما أخذ الكلمة لأول مرة :
بعد البسملة والصلاة على رسول الله التي هي من الإكليشيهات الروتينية التي يرددها الشيوخ في بداية أي كلام لهم ، قال :
«أما بعد
الواقع أنني أجد نفسي أمام ركام من الهراء، ومن الترهات، ومن الكلام الفارغ الذي لا قيمة له ، ولولا، ويشهد الله عز وجل، لولا أنني متابع لأنّ هناك الكثير من الذين يتابعوننا، لطبقت قول الله عز وجل : ((وأعرض عن الجاهلين)) . الحقيقة أن الدكتورة وفاء سلطان الأميرة، أميرة الجاهلية والجاهلات بامتياز. » (الدقيقة : 11.35)
هكذا بدون رد لتحية الدكتورة، ولو من باب "حسن السلوك" ، أو رد التحية بمثلها كما يأمر بذلك الدين الإسلامي . وهذا يدل على أن الرجل كان قد فقد شيئا من تركيزه وقدرته على ضبط النفس ، ولم يتمكن من الظهور بمظهر الشديد الصنديد، القادر على التصدي لأي نوع من الهجوم، بحنكة وصمود، فلا ينال منه شيئا .
فإذا أضفنا إلى هذا أن الرجل بتصريحه برغبته في الانسحاب من المناظرة، يكون قد أعلن بطريقة ضمنية أنه لم يعد يقوى على الصمود ولا حيلة له بالرد ؛ وأن قواه قد خارت منذ البداية فلم يعد يقوى حتى على الوقوف ثابتا على قدميه ..
وأما تبريره لرغبته في الانسحاب بالآية القرآنية : ((وأعرض عن الجاهلين)) ، فهو تبرير فاسد من عدة جوانب :
أولا : فمن حيث الآية في حد ذاتها ، فقد بترها الشيخ ، واقتصر فيها على ما نسميه بالوقوف على ((ويل للمصلين )) ، لأن الآية تقول :
((خذ العفو وامر بالعرف وأعرض عن الجاهلين))
فلماذا لم يعمل الشيخ بنص الآية كاملا، واقتصر على الإعراض وحده ليبرر به رغبته في الانسحاب من المواجهة ؟
يقول البغوي في شرح هذه الآية :
«وروي أنه لما نزلت هذه الآية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لجبريل : ما هذا ؟ قال أي جبريل : لا أدري حتى أسأله يعني حتى يسأل الله عنها .
ثم رجع فقال : إن ربك يأمرك أن تصل من قطعك، وتعطي من حرمك، وتعفو عمن ظلمك ».
فحتى لو افترضنا أن الدكتورة وفاء سلطان كانت قد آذته في مداخلتها الأولى، وظلمته بقولها كلاما غير الحق في نظره،، فأول ما يوجب الإسلام على سماحة الشيخ اتخاذه في مثل هذا الموقف، هو العفو، ثم يأتي الإعراض بعد ذلك . لكن الشيخ الفزازي، الذي زلزلته ضرباتها، يظهر أنه لم يكن يجد في نفسه القدرة على المتابعة بتقديم العفو، والمجادلة بالتي هي أحسن، فإذا لم يؤد إلى نتيجة محمودة؛ ينتقل بعده إلى الإعراض، ولو انه تصرف ليس بالسديد حتى بتعاليم الإسلام كما سنرى بعد قليل .
فما بالك إذا زاد طينته بِلة، وقفز عن المجادلة بالتي هي أحسن، إلى التحقير والتسفيه ونعت كلامها «بالهراء والترهات والكلام الفارغ، وأنها أميرة الجاهلات بامتياز.»
وهنا أود أن أهمس في أذن الشيخ بملاحظة عابرة، ربما لم يعرها المشاهدون اهتماما، مع أنها في اعتقادي تضمر شيئا مما لا يجرأ الشيخ على إدراجه في غير مواضع التشريف والتقدير، والحال أن السياق هنا بخلاف ذلك، لأنه في موضع الاستهزاء وتصغير الشأن، فأسأله :
لماذا نعتتها يا شيخ بأميرة الجاهلات، ولم تنعتها بسلطانة الجاهلات،، مع ان اسمها : "وفاء سلطان" ، وليس "وفاء أمير"؟
المهم هذه مجرد توشية بيني وبينك، [بلا منفرشو الطرح] .
ثانيا : ما دامت تلك الآية هي أول ما بدأ به الشيخ كلامه، فمعنى ذلك أنه يعتبر مناظِرته (بالكسر) جاهلة، وأنه لا يجد حرجا في وصمها بالجهل من أول وهلة .
فهل الدكتورة وفاء سلطان جاهلة بالفعل ؟
ما هو معيارك يا سماحة الشيخ الذي تفرق به بين الجاهل والعارف، أو بين الجاهل وغير الجاهل عموما، حتى ننظر في صحة تقييمك وصواب حكمك؟
لقد عرَّفته الدكتورة بنفسها ، والشيخ الفزازي كان يعرفها قبل أن يناظرها كما سأوضح ذلك فيما بعد فقالت له : أنا طبية وأنا فيلسوفة وأنا كاتبة ،، وما دامت عربية تمارس عملها في الطب النفسي بأمريكا ، فهي بالضرورة تتقن لغة ثانية على الأقل وهي اللغة الأنجليزية؟
فإذا كان كل هذا في نظر الشيخ الفاضل لا يشفع لها ليخرجها من دائرة الجاهلين ، فوالله لأن أكون جاهلا مثلها خير لي ألف مرة من أن أكون عالما مثله . وأترك الحكم في هذا للناس ، خاصة بعد استمراره في نعتها بالجهل ، حتى بعد أن عرّفته بنفسها . ولا عذر للشيخ بأنه كان يقصد جهلها بقواعد اللغة، فهي ترفع المفعول، وتنصب المجرور، وتصحف في آي القرآن، لأن كونها ترفع بدل أن تنصب، وتصحف في بعض الآيات، لا يجيز نعتها بالجهل. بل أقصى ما هنالك أن نقول لها : لقد أخطأت في قراءة هذه الآية أو تلك، ونصوب لها خطأها وأجرنا على الله.
أما إذا اعتبرنا أن كل من يخطئ في اللغة أو في كتابة أو قراءة آية من القرآن ، جاهلا؛؛ فسيكون علينا أن نطرد معظم الصحفيين العاملين في الإذاعة والتلفزة المغربية ، لأنهم جهلة باللغة وقواعدها بغاية الامتياز، ولأن منهم من يعجز عن قراءة آية في مصحف بين يديه، وقلما تجد ضمنهم من يفرق بين أحد عشر وإحدى عشر ،، أو من يقول: أحد المستشفيات ، بدل قوله: إحدى المستشفيات .
وما قولك يا سماحة الشيخ في أخطاء فظيعة ترد في نصوص أحكام قضائية بالعشرات في الحكم الواحد أحيانا، كقولهم : حضر المدعيين، وصرح الشاهدين، وتقدم دفاعهما من هيئة المحامون بمدينة كذا ... وحكمت المحكمة بثلاثة سنوات على فلان .. ناهيك عن الأخطاء الإملائية واللغوية التي تكاد تلتهمك بتنطعها؟
وما قولك يا شيخنا المحترم في أستاذ جامعي يطرح نصا قصيرا للاختبار النهائي في سنة جامعية بكلية العلوم القانونية ، وهو يتضمن خطأ لا يرتكبه تلميذ الخامس ابتدائي ، كما في ذلك النص الذي نُشر وتبعته ضجة كبيرة حول موضوعه، دون أن يتطرق أحد إلى خطئه النحوي الفظيع، والذي لو وقع في جامعة أخرى في العالم ، لقدم وزير التعليم استقالته، قبل أن يُنظر في صحة وسلامة الشهادة التي يحملها ذلك الأستاذ. وهاك النص ، وأنت أدرى طبعا بالخطإ النحوي الذي يتضمنه، وبالتركيب الركيك الذي يغشاه . يقول النص : «يوجد في قمة الهرم السياسي المغربي الله عز وجل، يتبعه الرسول صلى الله عليه وسلم ، ثم في المقام الثالث ، سبط الرسول الذي يسوس الأمة ويراقب ممثليها . وإذا كان الله أحد لا
شريك له وتتجلى وحدانيته في إيمان ووعي كل مؤمن ، فإن حضور الرسول عليه السلام ، يتم عن طريق خليفته في الأرض جامع السلطات .
على ضوء هاته المقولة ، حلل الصلاحيات السياسية والروحية للملك وفقا لمقتضبات دستور 2011؟»
بل الأنكى من هذا والأمر؛ لو كنت تشهد بالحق وتذيعه؛ فإن شيخكم الأكبر، صاحب المؤلفات الطويلة العريضة ، وحامل راية الإعجاز القرآني في العالم، والذي يطبل له جمهور عريض من المسلمين في كل أرجاء الأرض ، ومنهم من يعتبره أكبر مجتهد في تفسير القرآن في العصر الحاضر، وأحسن من يفهمه الفهم الصحيح على وجه الأرض من قدماء ومحدثين ، وهو بالتأكيد أكثر شيوخ هذا العصر شهرة، وأبعدهم صيتا .. هذا العالم الذي تتسابق القنوات والجامعات لاستضافته والاستماع إلى محاضراته ،، يمكنني أن أقول لك وبملء فمي : إنه رجل أمي لا يفقه في النحو ولا في اللغة شيئا ، ومع ذلك يتصدى لتفسير القرآن ، ويتجول بمحاضراته في تفسير القرآن في العالم كله ؛ وإذا أردتَ أن تتأكد وتحكم بنفسك، فأنا أحيلك على مقال نشرته عنه في ثلاث حلقات بعنوان :
(زغلول الدجال: أباطيله وافتراءاته العلمية) ولم يوقفني عند الحلقة الثالثة وقد كنت أنوي الاستمرار في تسفيه ترهاته وأباطيله العلمية المزعومة، إلا إشفاقي على بعض أهلي ومعارفي ممن يعزّ علي أن أضعهم في موقف يربك حياتهم، وقد يشقيهم، وهم الذين ينعمون بشيء من الاستقرار الوجداني، بإيمانهم الذي زرع في وجدانهم منذ نعومة أظافرهم، فألفوه.
وعلى كل حال ، سأكون سعيدا ولو أن سماحتك لا تريد لي ذلك لو اطلعت على تلك الحلقات ، ووصفت الشيخ النجار بالوصف الذي يناسبه.
ثالثا : في غمرة سكرة الضربات الموجعة ، نسي الشيخ الفزازي الجانب المضيء من القرآن، ولم يتذكر إلا الجانب الذي لم يكن صالحا لتلك المناسبة .
فإذا افترضنا أن الشيخ اعتبر أن الدكتورة وفاء سلطان التي تخاطبه، جاهلة ، ألم يكن حريا به أن يستحضر الآية التي في سورة الفرقان، والموجهة لعامة المسلمين ، بدل أن يتذكر آية سورة الأعراف التي وجهت للنبي خاصة، في صراعه مع أبي جهل وأتباعه ؟
نحن المسلمين خاطبَنا القرآن قائلا : (( وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما ))
فأين قولك السلام يا سماحة الشيخ ؟ وأين استجابتك لقول الرحمن بأن تقول سلاما ، قبل أن تقول ((وأعرض عن الجاهلين))؟
رابعا : أما تبرير الشيخ للبقاء والاستمرار في المناظرة بأن هناك جمهورا يتابعه ، فإنني أراه يدخل في باب العذر الذي هو أقبح من الزلة، لأن الشيخ الفزازي كان في الواقع غافلا حتى هذا الجمهور الذي يتابعه، فلم يرحب به ولا التفت إليه ولو بكلمة واحدة كما فعلت الدكتورة الفاضلة، التي رحبت بالمشاهدين بعد ترحيبها بالشيخ.
شيخنا محمد الفزازي لم ير في جمهور المتابعين لمناظرته إلا مجرد شماعة يعلق عليها بقاءه في وضع لا يحسد عليه، ولا يستطيع الانسلال منه، لعدة اعتبارات؛ لا حاجة إلى ذكرها، فاختار أخف الضررين.
إنني لا أستطيع أن أجد تفسيرا لهذا التصرف من ابتدائك بهجوم ظالم (وقح) ، والتعبير عن رغبتك في الانسحاب، عملا بآية خاصة وليست عامة، ثم الاختباء وراء جمهور لا يهمك، لتبرير بقائك لإكمال المناظرة، ووصفك لكل ما ذكَرَته الدكتورة بأنه «ركام من الهراء ومن الترهات ومن الكلام الفارغ الذي لا قيمة له » مع أن ثمانين في المئة على الأقل من كلامها هو عبارة عن آيات من القرآن .
فكيف يصل بك الاهتزاز إلى اعتبار الآيات التي ذكرتها وفاء سلطان «ركاما من الهراء ومن الترهات ومن الكلام الفارغ»
إنك إذا كنت قد وصلت إلى هذا الاقتناع ولو لاشعوريا فتلك حياة أخرى سوف تستمتع بها إن شاء الله، ستحرر عقلك، وتفتح صدرك لحقيقة ربانية رائعة، عالية مجنحة في كل أرجاء الكون، وليست محصورة بين دفتي كتاب، تدلك على وجود الله حقيقة وعقلا ، لا وراثة ونقلا، وتبهرك بعظمته وجلاله، وستراك تعظمه وتجله أكثر مما يجله ويعظمه أي داعية أو شيخ، مهما بلغ إيمانه بالله مبلغا عظيما، لأنك ستنزهه سبحانه وتعالى عن كثير مما لا يليق بجلاله وعظمته ، فلن يقبل عقلك مثلا، أن تجعل الله خالق هذا الكون الذي لا حدود لعظمته وأسراره، يخوض في حرب مادية ضد بشر؛ هم من أتفه خلقه وأضعفه، وهم أدنى وأحقر من أن يرسل لهم جيشا من الملائكة مسومين ليغلبوهم، وهم الذين الذي لو واجهتهم حفنة من الصعاليك لأبادتهم عن آخرهم،، وستدرك بعقلك وبصيرتك أن الله سبحانه وتعالى لو أراد لهذا الإنسان؛ بل لهذا الكون كله؛ ألا يكون لما كان، وأنه ما كان له أن يخلق مخلوقا ليعبده ستين عاما ، أو يعذبه عذابا سرمديا لا ينتهي أبدا ، فهذا أقسى درجات الظلم، حتى بمقاييس البشر التي تضع العقوبة على قدر الضرر اللاحق بالمتضرر، فأي ضرر يلحق بالله عز وجل إذا لم نُصَلّ ولم نصم؟
فتأمل هذا يرحمك الله، وإني لأتوسل إليه عز وجل أن يفتح بصرك وبصيرتك فترى الحق حقا والباطل باطلا .