ففي عنفوان الأمر، لا مرية أن الأخلاق والاستقامة في طلب العلم ركن ركين، وأساس متين لقيام جيل واع ومثقف يعرف حقوقه وواجباته، خاصة وكما يعلم الجميع أن هذا المرض انتشر بكثرة في الجامعات، فعصرنا هذا بدأ يعرف نوعا من قلة الأدب والتطاول على العلماء والإفتاء في الدين. وعليه، آثرت أن أكتب بعضا من آداب المتعلم، فأخوف ما أخاف على طالب العلم أن لا يعرف هاته الآداب المهة في التحصيل المعرفي. ومنها على سبيل الذكر لا الحصر: أن يتواضع الطالب أو التلميذ .. للعلم والمعلم، فبتواضعه ينال العلم، وأن يطهر قلبه من الحقد والدنس، عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب)). فتطييب القلب للعلم، كتطييب الأرض للزراعة، فإذا كانت فاسدة فسد ما في باطنها، وإذا كانت صالحة صلح ما في باطنها وأنبتت نباتا حسنا، وكي لا يكون كلامنا كلح وحلز،ولتزكية ماسبق، يقول الإمام الشافعي رحمه الله: "لا يطلب أحد هذا العلم بالملك وعز النفس فيفلح، ولكن من طلبه بذل النفس وضيق العيش وخدمة العلماء أفلح". إن المقصود واضح وضوح الشمس، فالعلماء هم ورثة الأنبياء، يجب احترامهم وتقدير كل مجهود يقومون به، وعدم التكبر ونفخ الذات. في السياق ذاته، يروي أحد تلاميذ الإمام الشافعي رحمه الله: "والله ما اجترأت أن أشرب الماء والشافعي ينظر إلي هيبة منه" . فلاحظ أيها المتعلم المتعالي كيف كان يتعامل المتعلم مع شيخه، ستجد الفجوة منفهقة وواسعة وكبيرة جدا جدا بيننا وبين هؤلاء. في هذا الكلام المختصر أختم بقول شهير: العلم حرب للفتى المتعالي .... كالسيل حرب للمكان العالي. حيث إن المقصود به، الفتى المتعالي لا يمكن أن يتعلم، باعتبار العلم حرب له كالسيل حرب للمكان العالي؛ فهذا الأخير لا يستقر فيه ولا عليه أي الماء ، كذلك العلم لا يستقر مع الكبر والعلو وربما يسحب منه أيضا.