لعل لمتتبع المشهد السياسي المغربي في الظرفية الحالية ان يلامس من خطاب النخبة و ما توظفه من معجم ينم عن فقدان الثقة والخوف من مستقبل مجهول وحتمي. فمشهد اعتقال الشباب و اختطافهم و اقتحام حرمة المنازل اعاد الى الذاكرة الجماعية صور من الماضي البشع ،لننصدم امام هول الواقع ليجتاح شعور اليأس أحاسيسنا ،و اتضحت زيف شعارات كانت الى الامس تشكل فحوى نقاشاتنا و تفاؤلنا حينها بهيئة الانصاف و المصالحة معتقدين انها تصالحت مع جزء من ماضينا ورفعت الستار عن اضطهاد الدولة للمواطنين.
مشاهد أليمة إلتقطتها عدسة المحتجين و انهارت امام وقعها مفاهيم من قبيل العهد الجديد، و أطمرت تحت انقاضها دستور مغرب الحريات لنكتشف اننا ما زلنا على عتبة درب مولاي شريف كأننا مرهونون بهذه الحقبة الاليمة ، مشاهد تتكرر بنفحة الماضي يمارس فيها الجلاد ساديته على الموطنين ،و ينتقم المسؤول بأجوبته القطعية "معرفتش فين كاين" او "معندناش هنا" او "معنديش الحق نهضر" من عائلات المعتقلين .
احتجاجات بقيادات شابة استطاعت بوقع مطالبها البسيطة و تفاني نضالاتها وتشبتها بقضيتها ،ان تزلزل اركان نظام في ظاهره فتي لكن في عمقه تجاوز الشيخوخة و يحتضر ،و صمود قل نظيره
تمكن بفعل تماسكه ان يزيل مساحق التجميل على وجوه المسؤولين لتنقشع حقيقة مشهد شنيع كانت التقارير المنمقة تخفي ملامح بشاعته مع سبق الاصرار و الترصد.
واقع لا يستطيع من في هرم السلطة ادارة الحوار مع مواطن عادي فما بالك ان يعالج اشكالية التنمية و المطالب الاجتماعية ليعلقوا فشلهم على شماعة تخوين الحراك .
بدا الارتباك واضح في وجه الوفد المبعوث لحلحلة ازمة الريف لتزداد الهوة بين الشعب و المسؤولين، زيارة تيقن فيها الوفد ا نجاح اساليب الالتفاف القديمة بتوظيف مشاريع ومجسمات و تصاميم من صنع الخيال، لتنكشف الخدعة باصرار قيادات الحراك على تقديم ضمانات قانونية قارة كإلتزام منها على تنزيل ما وعدت به لتنتهي الزيارة بخفي حنين .
زيارة هدفها امتصاص الغضب الشعبي فاذا بها تؤسس بعد فشلها لمفهوم التفرقة داخل الشعب الواحد ،فتنكسر مؤامراتهم امام وحدة الريفيين و تعميم التضامن .
يبدوا جليا ان الدولة فقدت كل الوسطاء و لم يعد هنالك من صمام أمان، لتُبرهن الاحداث الاخيرة ان الشعب في قطيعة تامة مع الاحزاب و النقابات و المجتمع المدني ،مظاهرات أبدى المحتجون عدم ثقتهم بالمؤسسات المنتخبة و وصفوها في خرجاتهم الاعلامية بالبوتيكات السياسية ، و سحبت بتصريحاتهم البساط تحت اقدام من يعتقد انه يمثل الشعب ليزكوا مقولة ان من يمثلنا يتكالبون ضدنا.
كان على الدولة و اثناء تدبير ازمة الريف ان تبعث اشارات دالة على رغبتها في اصلاح مكامن الخلال و ليس بإرسال اشخاص بمهمة الإطفائيين هاجموا الحراك قبل ان يشرعنوا مطالبه ،و لهم من شبهة نهب المال العام والحصول على الامتيازات ما يدفع قيادات الحراك الى الدعوة الى محاسبتهم فهم يشكلون جزءا من تداعيات الازمة و ليسوا جزءا في حل معادلتها .
راهنت الحكومة مند اغتيال شهيد لقمة العيش "محسن فكري" على بُعد الزمان و زعموا ان الوقت سيشفي غليل الغاضبين و ان الشارع سيفقد ضغطه تحت اكراه روتين الحياة اليومية ،فوضعوا كل بيضهم في سلة واحدة متوقعين ان رياح العاصفة ستهدأ قريبا و لن تخلف اي خسائر معللين ذلك بمقولة ان الشعب سريع النسيان .
لعبة الزمان تلك انقلبت على من راهن عليها فاتضحت للساهرين على تنزيل الخطط ان حراك الريف طويل النفس ،بل يزداد قوة و لحمة و استقطب كل فئات الشعب المغربي حتى اضحى ممثلها و الناطق الرسمي باسمها ، ولم يتبقى عند المسؤولين غير خيار استعمال القمع و الاعتقال و ليدشنوا عهدا جديدا سيعمم فيه التظاهر كل الوطن .