كانت اﻷمهات و كذلك اﻵباء خلال سبعينات و ثمانينات و تسعينات القرن الماضي يموتون 100 مرة في اليوم خوفا على أبنائهم من أن يلقى عليهم القبض وينقلون إلى "الكوميسيريا " ومن تم إلى السجن بعد التعذيب و الترهيب، بدون سبب أو لأسباب تافهة كتواجدهم خارج البيت ليلا مثلا، و على بناتهم من اﻹغتصاب من طرف اﻷجهزة القمعية آنذاك؛ و لم يكن يهنأ لﻵباء و اﻷمهات بال و ينعموا بالنوم إلا إذا قضى أبناؤهم الليل بينهم في البيت. يضاف إلى ذلك تفانين العذاب التي كان يمارسها عليهم المعلمون "الساديون"، الذين وظفوا في التعليم ليس لكفائتهم و لكن لإصابتهم بداء السكري و الروماتيزم و الكوليستيرول و الشقيقة و الضغط الدموي والخوف من نسائهم و من المفتش، و الذين لم يكونوا يتقنون سوى تلاوة و حفظ القرآن و "طلع البدر علينا" و جدول الضرب و" Mina jolie Mina, Miki joli Miki.". منهم من مات و ارتاح منه التلاميذ و منهم من لازال يحتضر. كانت المدرسة كالمعتقل، يجمعون فيها أبناء الفقراء ليمارسوا عليهم كل أنواع العقاب الجسدي و النفسي، أكثر من مخافر الشرطة، ليس من أجل تعليمهم و تكوينهم و إنما إرضاءا للسلطات الحاكمة و خوفا على رواتبهم، و بمباركة من اﻷسر الفقيرة و الساذجة كذلك، خاصة تلك التي شاهدت أشياء غريبة في القمر؛ و التي كانت تقول لما يسمى بالمعلم آنذاك: "انت ذبح و انا نسلخ"؛ حيث "الفلقة" و تجميد الدم في المؤخرة و البصق في الفم ونتف الشعر و اﻹغماءات و العاهات المستديمة، و إرغام التلميذ على الوقوف خارج القسم لمدة طويلة، حافي القدمين في البرد و الثلج، ناهيك عن السب و الشتم. كم من التلميذات اللاتي تبولن في ملابسهن الداخلية و كم من التلاميذ من تبولوا و تغوطوا في ملابسهم الداخلية، من كثرة الضرب و الرهب، بل أن 90% من التلاميذ انقطعوا عن الدراسة قبل حصولهم حتى على الشهادة اﻹبتدائية، بسبب الفقر من جهة و هؤلاء الجلادين من جهة ثانية. كنا و ما يزال بعضنا كالعبيد، طوال اليوم، نخدم الدولة الإمبريالية و اﻷحزاب اﻹنتهازية و عملاء الإستعمار الفرنسي و اﻷسباني و أمراء دول الخليج، الذين كانوا منشغلين بالجمع بين الثروة و السلطة، وفي الليل نأكل "داك شي لي كتب الله" ثم ننام باكرا ك"الدجاج"، كي نستيقض باكرا، لخدمة "أسيادنا" و مصالحهم. كنا نموت و نحيا مع الخوف. كانت فعلا سنوات الجمر و الرصاص، على جميع المستويات، بشهادة لجنة اﻹنصاف و المصالحة. كان اﻹعلام الرسمي و التلفزة و الراديو يزيدون من تعاستنا عوض الترويح و الترفيه عنا؛ كانوا يريدون أن نكون كما يحبون هم و ليس كما نحب نحن. كان الجميع يحلم بالهروب و الهجرة إلى فرنسا إلا أن الحصول على "الباسبور" كان من قبيل المستحيلات؛ قبل أن يصبح اليوم لا قيمة له بدون فيزا أو بطاقة اﻹقامة هناك؛ و إن كان إخواننا في المهجر يعانون الكراهية و التمييز الممنهج، بما فيهم أولائك اﻷوروبيون "لمزورين"، الذين ولدوا و ترعرعوا هناك، من أم أوروبية و أب مغربي مثلا؛ حيث لم يعد تجنيسهم أو جنسيتهم تحميهم من العنصرية؛ و مع ذلك تبقى عنصرية الغرب أهون و أحسن من نفاق و كراهية بني جلدتهم في وطنهم اﻷصلي. كان اﻹعلام و الوسائل التعبيرية من كتابة و فن حكرا على أبناء الطبقة اﻷرستقراطية و الطبقة الحاكمة؛ حيث كانت موجهة لخدمة مصالحها و أجنداتها فقط. لم يكن بإمكان أبناء الشعب التعبير حتى عما هو جميل فباﻹحرى تشخيص و فضح و نقد التناقضات اﻹجتماعية، المجتمعية و السياسية. كان المحظوظون الذين لديهم تلفاز ينتظرون السادسة مساءا ليشاهدوا كل ما تقدمه دار البريهي من برامج تلفزية رديئة لأنهم لم يكن لهم اﻹختيار إلى أن جاء اﻷنترنيت. هل علينا اﻷنترنيت بكل مواقعه و تقنياته و تطبيقاته من يوتوب وفيسيوك و تويتر و واتساب و انسكرام وأشياء أخرى ما زلنا نجهلها، وبفضله تحرر و تدمقرط المجال اﻹعلامي و السمعي البصري، حيث أصبحت الصحف اﻹلكترونية و شبكات التواصل اﻹجتماعي منبر من لا منبر له و و سائل فعالة لمراقبة عمل الوزراء و تقييم اﻷداء الحكومي و فضح الفساد و تجاوزات المسؤولين، أحسن من بعض البرلمانيبن المتواطئين مع المفسدين. وهكذا رد اﻷنترنيت اﻹعتبار للمواطن و أصبحت له قيمة و أصبح المسؤولون يحسبون له ألف حسابا، و بفضل اﻷنترنيت تحرك المجتمع و تغيرت بعض أحواله. حتى اﻷصوات الداعية للكراهية و إقصاء اﻵخر وجدت ضالتها في هذه التكنولوجيا التي جائتنا من بلاد الكفر و اﻹلحاد؛ بل جنى أصحابها من ورائها أموالا طائلة. شكرا كذلك للصحفيين النزهاء الذين يديرون المواقع اﻷعلامية الملتزمة بنشر الخبر و المعلومة بصدق و أمانة وحياد، من أجل صحافة بنائة و بناء مجتمع مدني، يتسنى فيه للفرد التعبير و إبداء الرأي بكل حرية و شجاعة. و بعد أن عاش كل واحد منا سنينا طويلة يخاف م "الحيوط"، ها هو اليوم تغمره الثقة في النفس و لسان حاله يقول "أنا عندي اﻷنترنيت، إذا أنا موجود"