بعد تقديم قيادة حزب العدالة و التنمية لسلسلة تنازلات كبيرة من أجل إخراج الحكومة الجديدة، سادت أجواء من الغضب والامتعاض داخل صفوف أعضاء الحزب بمختلف ربوع المملكة إلى درجة تم التفكير فيها في وقفة احتجاجية أمام مقر الأمانة العامة للحزب، لكن دوائر من داخل الحزب حاولت بشتى الطرق إبقاء كل الغضب السائد مجرد أراء شخصية متفرقة أو مجرد شوشرات لا ينبغي أن تصل إلى حد الانتظام في حركات احتجاجية داخل التنظيم يمكن أن تهدد سلامة الحزب . نعم يحق لهؤلاء العمل على إبقاء الحزب متحدا و تجنيبه مخاطر الانقسام، إلا أن الإمعان في تسطيح الرأي السياسي و الضغط بكل الطرق من أجل تكميم الأصوات المعارضة ليس من شأنه إلا أن يؤدي إلا إلى تنامي السخط الشعبي تجاه الحزب ككل لما سيبدو للجميع ككتلة رأي أحادي يخطئ الاجتهاد و لا أحد في السفينة يمكن أن يلعب دور المصحح بما يبقي الحزب مأمولا في بعض رجالته و قادرا في أية لحظة على الاستجابة لبعض تطلعات الشعب كلما سنحت الفرصة بذلك، ومن ثمة التكفير عن أخطاء الماضي .
فئة الموظفين مثلا و خصوصا رجال التعليم قلما تجد فيها من ينكر خصال النزاهة التي يتصف بها جل أعضاء الحزب و تفانيهم في خدمة الجماعات التي يسيرونها لكنهم في نفس الوقت جلهم يستنكرون الإجراءات الظالمة في حق عرق جبين الأجراء بإقرار نظام للتقاعد أقل ما يمكن أن يقال عنه أنه ظلم أسود لا يمكن تبريره بأي شكل من الأشكال. وهكذا يمكن القول هنا بأن هناك من مازال يحب نزاهة و قيم العدالة و التنمية لكنه في نفس الوقت يكره ما تتخذه من إجراءات قاسية أو ما تقدم عليه من تنازلات غير معقولة .
و للإجابة عن هذا الإشكال يبقى المعول عليه هو حركة احتجاجية داخل الحزب تذهب إلى الالتحام مع نبض الشارع و تفرضه فرضا على القيادة دون أن يكون من أهدافها التزعم أو خلق انقسام متعمد داخل التنظيم.
و على نفس المنوال يبقى منخرطو الأحزاب السياسية بشكل عام مسئولون عن القرارات التي تتخذها القيادات، إذ عليهم أن يسارعوا إلى الاحتجاج على الصعيد المركزي من أجل تصحيح ما يمكن تصحيحه كلما زاغ قرار القادة عن إرادة القواعد وعن مبادئ الحزب، وهذا كله حتى لا تصير القيادات عرضة للاختطاف السياسي الناعم أو عرضة للإغراءات المباشرة وغير المباشرة.