انطلاقا من تخصصي كمربي ومتابع للشأن التربوي أصادف كثير من الحالات المثيرة للاهتمام بين الأطفال والشباب حيث أن عدد لا يستهان به من المتمدرسين -سواء في القطاع العمومي والخصوصي – يعانون من ضعف عام في التحصيل الدراسي وتواضع المعلومات التي يتوفرون عليها بالمقارنة مع مستواهم الدراسي. ورغم أن المربيات والأساتذة يبذلون مجهودات لا يستهان بها سواء في الحصص الرسمية أو حصص الدعم وضغط الاهل على المؤطرين واحتجاجهم من مستوى أبنائهم وعدم الرضا على أدائهم بحجة أنهم يؤدون مبالغ هامة للحصول على نتيجة مم يطرح أكثر من تساؤل ويرفع أكثر من تحدي
ومع تنامي الملاحظات من المربيات وشكوى الاهل بدأت البحث في الموضوع وتتبع عينة من الأطفال فاكتشفت انهم يعانون من فرط الحركة بالانتباه الزائد فكل حركة أو كلمة او صوت يخرجهم مما هم فيه وهذه مسألة غير صحية ويقول المتخصصون ان الانتباه الزائد هو في حقيقته عدم انتباه أي أنه قمة التشتت العقلي وهذا يؤدي إلى صعوبات كبيرة في حفظ وفهم وضبط المعلومات
بعد البحث وجدت دراسات تتحدث على ان أهم عامل يؤدي إلى هذه الاثار السلبية على الدماغ هو الألعاب الالكترونية والموسيقى الصاخبة بدون الحديث عن الإدمان الالكتروني ويتحدث المتخصصون على ان ألعاب السرعة والقتال والحرب والاثارة تتطلب تركيزا عاليا مما يعرض الدماغ لذبذبات كهرومغناطيسية عالية التوتر تصل إلى 40 هرتز (دورة في الثانية) وتسمى ذبذبات GAMA وهي ذبذبات تفوق بكثير ذبذبات BETA (30 هرتز) كأعلى مستوى يصله الدماغ في حالة التركيز العالي
إن أخطر ما في الامر هو مستوى التفاعلات الهرمونية التي تحدث داخل الجسم عموما و على الدماغ خصوصا حين يصل إلى هذا المستوى العالي من الذبذبات حيث يتم إفراز هرمونات متناقضة في وظائفها كالسير وتينين أو الدوبامين و الأدرينالين و الكور تزول مما يعطي شعور بالمتعة و النشوة و الانسجام التام مع اللعبة او الموسيقى و كذا الشعور بالتوتر و التعصب و هذا ما يفسر اختلاط الضحك و القفز و مظاهر الفرح مع الصراخ و التذمر و مظاهر الغضب في ان واحد و قد تم اكتشاف ان هذا الوضع المتناقض يؤدي إلى تدمير ثلاث قدرات مهمة في العقل و هي الانتباه و التركيز و التذكر حيث ان أعراض مرض الزهايمر بدأت تظهر على ناس في مقتبل العمر و يؤكد المتخصصون ان 20 دقيقة يوميا لمدة ثلاث أشهر كافية للتأثير على هذه القدرات فما بالك بمن يقضي أربع ساعات وأكثر يوميا و إذا ما أضفنا ان اللعبة تمارس بأصبعين فقط فإن الاثار الجانبية تتجاوز العقل إلى البدن من ضعف السمع و ضعف البصر و ارتخاء العضلات و انطواء و اضطرابات نفسية دون الحديث على المشاكل الاجتماعية مع الوالدين و الاخوة و المحيط العام .
إن تخلص الأمهات والاولياء من إزعاج الأطفال بهذه الوسائل لهي جريمة ترتكب في حق الأجيال الصاعدة وتفاقم الوضع المزري للتعليم والتكوين ببلادنا ويبقى التوجيه الممكن في هذا الإطار هو ملء فراغ الأبناء بالانخراط في النوادي الرياضية والتربوية والترفيهية والثقافية وإن كان ولا بد من الألعاب الالكترونية فلتكن ثقافية كالأسئلة والرحلات والاستكشاف أو تركيبية كالبناء والتلوين أو تنافسية ليس فيها سرعة ولا قتال كالشطرنج.