تنسب حياة الأحياء من كوكب الأرض إلى ما هو تحت السطح المائي من البحر الذي يعلوه سطح الأرض، وإلى ما هو تحت الغلاف الجوي فوق سطح الأرض، ومن هذه الأحياء الانسان الذي يعيش على اليابسة، يرى الماء والمرعى نعيما للأحياء . السكن الأولي عند الانسان : حين خرج الانسان من مهد الحياة الكونية، إلى الحياة البشرية، انتشر في الأرض يبحث عن الألفة والائتلاف من جنسه الانساني، ثم من الجنس الحيواني الألف . وهذا الائتلاف والالف بين الانسان ومع الحيوان، جعله يبحث عن مستقر يقيم منه على الأرض مع انسيته من الانسان، والفيته من الحيوان، يتعايش ويحيا من الطبيعة الكونية، ضاربا أشواطا من التطور والمعرفة نحو كواكب أخرى . ومن تم اهتم بالطبيعة السليمة التي اكتسب منها العقل السليم، واهتم بالعيش الذي اكتسب منه الحياة الأليفة، كما اهتم بالجناس المادي والروحي الذي ساهم في تطور الاحياء وتحسين سبل الانتاج من المادة، وعند الانسان والحيوان والنبات . أما ظهور السكن عند الانسان فقد ارتبط بمردوديته من الحياة، التي اعتمدت اولا على الانسان والحيوان ثم طبيعة الأرض التي اتخذها سكنا ومستقرا . ومن حقب الحياة البشرية على وجه البسيطة، نربط السكن عند الانسان بثلاثة أصناف أولية، تطور منها اسلوب الحياة نحو حقب العمران عهد البناء الحضري وتمدن الانسان : الحقبة الأولى : ينسب سكن الحقب الأولية إلى الحراك البشري من سطح الأرض، وهو سكن متحرك تأخر الأخذ به عند العرب وهو سكن الرحل من الخيام التي تنسج من وبر الابل لحماية الساكنة من حر الطبيعة خلال فصل الحرارة، وشعر ضأن الماعز الجبلي لحماية السكن من عوارض الرياح وتسرب مياه الامطار خلال فصل الشتاء، أو صوف أغنام أوس/سوس الجبلية المغربية: وإن تعرض نوعها من المكان إلى الندرة والمسماة لأهل أمية حجازية – أغنام قليلة – منسومة المداق، صغيرة الحجم اشعرية الصوف، تتماسك من التطعيم بالأصواف الرطبة، وتنفرد بالجودة والتميز بالنسيج نحو النوع الجبلي الصلد القار المقاوم للحرارة وتساقط الثلوج وتهاطل الأمطار، ومسارب الرياح . سكن الخيام : سكن الخيام المتحركة عند العرب، سابق عن السكن الثابت، وذلك لطبيعة حياتهم من الأراضي الرعوية الشاسعة التي يعيشون منها على الطبيعة الكونية مع كسبهم الحيواني، عبر مدار السنة العام، تجنبا لعوارض الفصول الطبيعية، وحماية للأرض التي يتواجدون منها . والسكن عند العرب وظيفة جماعية واجتماعية، تقوم بنسجها أولا المرأة، وتعمل على تهيئتها الجماعة . من حياة العرب الأولى عهد سكنهم الأولي من الطبيعة، أن المرأة هي التي تعد الخيمة استعدادا للحياة الزوجية، فحين تخطو الطفلة خطواتها الأولى من الحياة، تتهيأ من أوقات الصبا والتربية لأشغال أمها محاكاة وجريا لما تراه منها . وحين تقبل الطفلة على مرحلة البلوغ، تحتفل الأم ببلوغ المرحلة من ابنتها، وتدعوا جيرانها وأحبتها وعائلتها للاحتفال بالعهد الجديد من حياة طفلتها، عند ذلك تفاتح الأم الجمع النسوي في اعداد خيمة المستقبل للطفلة، حيث يحتاج الاشتغال على ذلك لعون جماعي من النسوة وأيضا الرجال، على ما يجري عليه العرف العام والتقاليد عند العرب الأولى . تمهد الأم طفلتها مع جيلها وقريناتها من الفتيات لزيارة الجوار من الخيام والعشائر، الذين يستقبلونها بالترحيب والمدد من الوبر وشعر الماعز، من المادة الخام أو من الغزل ممن يتعذر عليه الحضور يوم بداية توزيع الأشغال . بعد الجولة المباركة تعود الطفلة فرحة تنتشي إلى أهلها محملة بالوبر والغزل والأخبار السارة من الجولة، تمهيدا ليوم الغزل وانطلاقة السدو، لوقف المنسج الخاص بالنسج لأشتال الخيمة التي تنسج أطرافا منفصلة، قبل خياطتها من طرف جماعة الأهل والعشيرة . وبعد عملية النسج التي تقوم على شراكة تعاونية بين الطفلة البكرة وقريناتها، ثم أقارب امها من نسوة الجوار، وكذا مشايخ الأسر من الجدات، في أجواء حافلة بالتغني الخاص بالمناسبة، والتغزل بالأيام الحالمة للبكر من حياتها المنشودة . وحين ينتهي العمل من النسج، يستدعي الأب جواره للتعاون في خياطة أطراف النسيج الجديد وتشكيل الخيمة على مرامي الأعمدة الخشبية حين بنيانها التجريبي والإحاطة بجوانبها وتهيئة أوتادها . وهكذا تكون المرأة العربية من عهودها الأولى هي من تعد خيمة الاسكان أولا استعدادا لبيت الزوجية وحياة الأسرة . بل ان تهيئة الخيمة عند المرأة العربية هي البثة من ذات المنزلة . واشتهر من خيام العرب : خيام ربيعة أم العدوتين، كما ينسب سكن الخيام من سكن الجماعة عهد ائتلاف الأهالي، وعهد الألف بين الانسان والحيوان، من الطبيعة . وآخر خيام العرب من وجه البسيطة : خيام زرقاء اليمامة . وتميز سرير الانسان العربي من الخيمة، بأعمدة قائمة تعلي أعمدة أفقية مستوية تشدها لفائف النسج المنمق كالبساط المسمط فرشا مرفعا مريحا بين الحيرة والنيرة من تشكيل الأعمدة المستوية السريرية، يتم الصعود إليه بالرتب القائمة العمد من الخيمة، يحمل من الاسم الرحل الخاص برب الأسرة . سكن النول : ظهر سكن النول من نسيج القصب وقش الحصاد من الزرع المسمى– البرم - عهد اشتغال البشرية بالزراعة من المناطق الموسمية، وتأخر ظهور النول عند الأفارق العرب الذين اشتغلوا بالزراعة من المناطق المطرة . وتبنى النول نسجا منظوما من القصب المعقود بالحبال النباتية على شكل هندسي دائري القاعدة مستدير الحجم مكوكي الرأس، هرمي من هيئته تزين داخله الاشكال الهندسية من المعينات القصبية، التي يغطيها من الظهر قش البرم، أو تبنى من جهة ثانية على شكل هندسي متوازي الأضلاع خاص بالضيافة والاستقبال، مزينة من السقف بمربعات مقصوصة القصب عالية الطراز من الزينة، مكسوة الظهر بأحزمة البرم . ويرجع أخذ العرب بسكن النول من علاقتهم مع الأفارق من بلاد الحبشة عهد العرب الكنعانية التي تركت الأهرام من بلاد الكنانة، وسكنت الغرفة من بلاد رومة، التي وصل إليها النول من العرب إلى جانب بيوتها الخشبية . واشتهر من نول العرب المضيافة : نول المأمون المغربية . سكن الكهوف : هي أغوار طبيعية أو من تهيئة بشرية، مجوفة من الأرض والجبال والشعاب والعقبات الكئاد، يحتمي بها الانسان من قساوة الطبيعة . وعهد السكن بالمناطق الجبلية الوفرة المادة الحجرية، لا تخلو محطاته الأسرية من سقيفة حجرية – قرية حجرية مبنية من غير طوب أو عجنة تراب - تتوسطها أماكن تحت أرضية تسمى– توفري – وهو مكان الوفرة والخزن للإنتاجات الزراعية من البراري الموسمية للأوقات الخريفية، كما يكون الملجأ الدفئ للأفراد والحيوان وقت هطول الأمطار وتساقط الثلوج وتكون الصقيع والبرد القارس، الذي يدفع إلى البحث عن الدفئ من المناطق الجبلية والأحراش من البراري الموسمية . التوفيري : مخبأ مجوف من باطن الأرض، يتوسطه مفترق من جيبين لخزن الأعلاف والحبوب وأدوات الجر والعمل اليدوية الخاصة بالأغراض والمتطلبات الموسمية . وقد اتخذه سكنا من البراري الموسمية العرب الرحل من الأراضي الشتوية المحاذية للسواحل البحرية، وأقاموا إلى جانبه المراس لخزن محاصيل الأراضي الزراعية . المراس : اسم المفرد المرس والجمع مراس: مجموعة مطامير فلاحية جماعية من باطن الأرض خاصة بخزن الحبوب لأوقات الشدة ولأغراض الزراعة والعلف والتسويق نحو الجهات الأوربية عهد تبادل البضائع وتجارة القوافل . والمرس الجماعي دلالة قائمة الحجية على ممارسة الجماعة أنشطة زراعية من الأرض، وتحصيل المحاصيل منها والاقامة على جمع المدخرات بها عهود الترحال بين مناطق الرعي ومناطق الزراعة . مرس السلطان : ينسب إلى حاكم الرعية من عهد أنشطة المجتمعات الزراعية، التي تقتدي بأحكامه الشرعية من زكاة وأعشار وخرج، وكذا قيامه على أحكام وضعية من روابط علاقة المبادلات الاجتماعية مع الأطراف الدولية، التي تحكمها المواثيق التجارية والتوافقات الثنائية أو المتعددة الأطراف . وقد شكل المرس في حياة المجتمع الزراعي عند الجماعات القروية أو عند السلطان، محل تجميع وخزن المحصول لوقت الزراعة أو المبادلات مع القوافل التجارية التي كانت تقوم بعمليات النقل البري التجارية بين المناطق القروية، والسفن البخارية الراسية من الشواطئ البحرية . كما شكل المرس حلقة وصل وتواصل بين جماعة المجتمع والسلطان القائم على الشأن الاجتماعي من خلال عملية التتويج السلطاني التي تباركها الأوساط الفلاحية من خلال عملية الحرث الجماعي في اطار التتويزة الفلاحية كما تجري على اللسان المغربي، لفائدة الواجب الاجتماعي نحو السلطان، أو لقائد محلي من الخدام، أو معلم قرآن، أو تضامنية مع جماعي مصاب. وللعودة إلى ما سبق، يشكل التوفيري من المناطق الجبلية مكان الدفئ والسكن تحت أرضي، قبل ظهور – المدفئة – وهي أفرنة الدفيء من أبنية السطح كما هو الشأن بالمنتجع الشتوي من مدينة افران المسماة من الأهالي عن عهد المولى اسماعيل اسم الفران . السلطان المولى اسماعيل : قبل ظهور غابة المعمورة من منطقة الغرب، اشتهرت منطقة الأطلس المتوسط عهد السلطان العلوي المولى اسماعيل، بإنتاج مادة الفحم التي كانت تصدر نحو أوروبا لوفرة المادة الخشبية من مناطق الغابة الجبلية . ومن تلك الحقبة الانتاجية حملت المنطقة اسم الفران، وتميزت جودة فحم المنطقة عند العموم من اسم " الأفرن " نسبة لمنطقته المتوسطية، وعهد اقامة المنتجع الشتوي اتخذ اسمه مما يجري على لسان الساكنة . منتجع فران/ افران : من اسمي المفرد والجمع جاء اسم افران، مدينة جبلية حديثة ذات خصائص السياحية الموسمية بالأطلس المتوسط، تحتوي مرافق التزحلق على الجليد من فصل الشتاء، وإقامة ملكية . ومرافق إدارية تطورت من باشوية إلى عمالة . يتميز وسطها بالخضرة الطبيعية وأشجار الأرز الغابوية وبالجداول المائية، كما يتميز بنيانها بالسقوف القرميدية، والمدافئ الشتوية ورحم الله من القراء الفقيه الافراني يوم قال : آن وقد الفران على الحمية، الى أن ينسلخ عنا برد الليالي . وقد ساهم فقهاء التشريع في تنظيم وحماية الغابة، والحد من استعمال الحطب من الأفرنة العمومية والبيوت الأهلية وقت التدفئة . كما كانوا يضبطون للمناطق الجبلية أوقات استخدام المدافئ الليلية من مواقيت منزلة من برج الدجاجة على دخول الليالي القطبية من الأجواء المغربية، تتوافق وقواعد التعايش مع قوانين الطبيعة . ومن العودة إلى التوفيريات الخلوية من المناطق الجبلية من البلاد المغربية هناك : توفيري الوطواط من منطقة تازة والمسمى محليا : فري واطو . ومن محل مدينة طنجة يحمل الكهف من سراديب الأعماق اسم مغارة وهي المسماة : مغارة هيركل : عهد اكتشافها اتخذت من لقية هيكل رجل : اسم هيركل . والمغارة منحدرة من علو البر في سراديب عميقة نافدة نحو أمواج الشاطئ البحري وعهد جلالة الملك محمد السادس، تم الاعتناء بالمغارة في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية وتحولت من أنفاق مظلمة إلى أماكن مضيئة بالكهربة، تغطي دواخلها مسحة من ألوان الزينة، كما يتخذ بائعو التذكارات السياحية من منحدرات أعماقها أماكن لمعروضات من الصناعة اليدوية . وهكذا أزيل الغبار عن موقع المغارة، وتحولت من مكان أثري مطمور، إلى مكان سياحي مشهور . واشتهر من الاقامات التاريخية الجبلية للعهود الحجرية مدائن صالح من شبه الجزيرة العربية، وعهد تلك الاجيال من بنيانها أنه يوفر الظل الظليل من وقت القيظ من حرارة الصيف، والدفيء النعيم من رياح الخريف . وقد وجه الأنبياء والرسل من تلك المقامات : كهوفا أو أغوارا او سقيفات حجرية الدعوة الكونية للشرائع السماوية الحافلة بالأخلاق الانسانية والمثل السامية ، والتي أسست لأسرة المجتمع المدني من البشرية . وينسب سكن الخيام المتحركة، والنول الزراعية، والكهوف الجبلية، والأغوار الأرضية الواقية من الحرارة وحركة الرياح الغبارية، إلى عهود قابلية الدعوة السماوية، التي اجتمعت منها الجماعة، لتجعل من جمعها ارضية للمجتمع البشري، الذي أسس للحياة المدنية من عمران الدور الحضرية بالمدينة . واشتهر من دور العرب : دار أمية علياء الحاضرة .