"سمحْ ليا وصافي حْنَا عَارْفينك جدّي وتعمل بإخلاص ولكن هَدْشي كْبَر مني ومنك هي تعليمات جَاتْ من الفوقْ وحنا براسنا ما عارفينش علاَشْ..." بهذه العبارة برّر مسؤول بمديرية إقليمية تابعة لوزارة التعليم قرار إعفاء إطار تربوي من مهامه الوظيفية، في إطار حملة الإعفاءات والتنقيلات التي اعتمدتها الدولة ضد أطر عليا قاسمهم المشترك هو انتماؤهم إلى جماعة العدل والإحسان. قد نتفق أو نختلف مع الموقف الفكري والسياسي لجماعة العدل والإحسان، غير أن سلمية الجماعة واستقلاليتها عن المنظمات الدولية لا يمكن أن يزايد عليهما أحد من نخبة البلاد ومثقفيها، ومع ذلك عمد النظام المغربي إلى استهداف أكبر تنظيم سياسي في محاولة للنيل منه عبر التضييق على مواطنين يؤدون الضرائب ويشتغلون على خدمة وطنهم انطلاقا من مواقعهم الوظيفية، ذنبهم الوحيد هو أنهم اختاروا عن طواعية خطا سياسيا أكثر واقعية ووطنية للقطع مع استبداد من شأنه أن يخرب الوطن آجلا أم عاجلا. من حق هؤلاء المستضعفين على الدولة ومؤسساتها وقوانينها أن تحميهم، عوض تقويض دعائم الديمقراطية التي تدّعيها وتروج لها في المحافل الدولية بكثير من الفخر والتباهي، إلى الحد الذي جعل بعض المسؤولين الحكوميين والدبلوماسيين يتحدثون عن الإستثناء المغربي، إذ تدفع الدولة بكل قواها وإمكانياتها اللامادية نحو ترسيخ الديمقراطية وحقوق الإنسان بما تشرعنه القوانين والنواميس الكونية...طبعا هذا بحسب شعارات الدولة التي لا تنسجم مع الواقع المغربي الذي يشهد أزمة سياسية لاأخلاقية من شأنها تأجيج الوضع الداخلي والرفع من منسوب الاحتقان الشعبي المتنامي في السنوات الأخيرة، بسبب القرارات الأحادية التي تقفز على مبدإ التشارك والإشراك، في وقت تحتاج فيه الدولة إلى جميع النخب والمثقفين من أبناء الوطن لبناء حقيقي وامتداد أوسع على المستوى الإقليمي والدولي. لكن، ضمن المنطق الإنتقامي إياه، ومن كون المستهدف هو كيان حزبي معارض ليست الظرفية السياسية مواتية ألبثة للدخول معه في معركة سياسية، يبقى السؤال هو ماذا يريد النظام من وراء هكذا قرارات، علما أنه يدرك جيدا أكثر من غيره أن الجماعة أضحت أكثر من أي وقت مضى عصية على التطويع والاحتواء، إلا إذا كان يريد إرسال رسائل مشفرة إلى جهات أخرى داخلية وخارجية مفادها أن النظام المغربي لا يثق في الإسلاميين بمختلف توجهاتهم، وأن تسريبات ويكيلكس حق لا باطل.