بعد مجموعة من المحطات النضالية التي خاضها الأساتذة المتدربون حينها ضد مرسومين اعتبروهما مشؤومين، وبعدما توجت النضالات بحلٍّ حرر ضمن محضر وقعته مجموعة من الجهات، اعتقد الجميع أن مشكل الأساتذة المتدربين قد وجد النور ولن يعود للوجود ثانية، وخصوصا أن الحل تضمن وعوداً من الدولة حامية القانون. لكن الأساتذة الجدد أعلنوا من جديد عبر التنسيقية الوطنية عن مقاطعة العمل داخل المؤسسات التعليمية ابتداءً من الإثنين 16 يناير 2017، إلى حين التسوية النهائية للوضعية. قبل المباشرة في نقاش الأزمة، سنعرض فيما يلى تلخيصا كرنولوجيا منذ الدخول الى المراكز الى غاية آخر يوم تطأ فيه اقدام الأساتذة تلك المراكز.
* أسبوعين من التكوين النظري تخللتهما مقاطعات جزئية للتكوين، على إثر صدور مرسومين أحدهما يقضي بفصل التكوين عن التوظيف والآخر يهم تقزيم المنحة من 2500 درهم الى 1200 درهم، ثم مقاطعة شاملة للدروس النظرية.
* ستة أشهر من المقاطعة والنضال، وبعدها تدخلت النقابات وجمعيات المجتمع المدني على الخط من أجل فتح حوار جادّ ومسؤول حول المشكل.
* أبريل 2016، بعد جولات من الحوار مع والي جهة الرباطسلا، تم التوصل للحل وتوقيع محضر أبريل، الذي يقضي بتوظيف جل الأساتذة المتدربين، وصرف مستحقاتهم المالية، ويتضمن المحضر أيضا برنامج تتمة التكوين النظري والتطبيقي، والعودة بعدها إلى المراكز واستكمال الدروس النظرية.
* 07 و08 شتنبر 2016، توقيع محضر الدخول للمؤسسات التعليمية لاستكمال الشق التطبيقي أو ما يسمى التداريب الميدانية.
* نونبر 2016، مقاطعة التداريب الميدانية لمدة أسبوعين، بعد تملص الوزارة الوصية من تنزيل بنود محضر أبريل.
* عودة الأساتذة الى المؤسسات التعليمية للعمل، لكن بدون أي صفة قانونية، ولم تعلق النتائج النهائية لامتحان التوظيف، لغاية كتابة هاته الأسطر.
* 16 يناير 2017، إعلان مقاطعة العمل إلى حين تسوية الوضعية بشكل رسمي ونهائي.
من ضرب لمجانية التعليم إلى مجانية التدريس
لم نكن نعتقد يوما أن التوجه الجديد للدولة في عصرنا الحديث لمحاربة التعليم، من رفع الدعم عن التعليم العمومي وضرب مجانية التعليم، قد يتعداه جرأة إلى مطالبة ذوي الشواهد العليا لتدريس أبناء الشعب مجانا. نعم، إنهم العشرة الاف أستاذ الذين تخرجوا من المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين، عبر مجموعة من الإختبارات الكتابية والشفوية التي تجاوزت أربعة اختبارات منذ الدخول الى المركز إلى غاية 30 دجنبر من عام 2016، أساتذة تحملوا عبء المصاريف طيلة أشهر التكوين، ولم يحصلوا من الدولة سوى على أجرة رمزية لا تغني ولا تسمن من قهر الوضع الاجتماعي المغربي.
من خلال التلخيص الكرونولوجي السابق يتبين بالملموس أن الوزارة الوصية ممثلة الدولة عن قطاع التعليم قد نهجت سياسة الآذان الصماء اتجاه كل المطالب المشروعة للأساتذة الجدد، عبر تجريدهم من الصفة داخل المؤسسات التعليمية وتكليفهم بمهام تدريس التلاميذ بدون مقابل، مما يجعلنا نطرح التساؤلين التاليين:
كيف تخرق الدولة كل القوانين المتعارف عليها اتجاه المشغَّلين، من تغطية صحية وأجرة وترسيم...التي حرم منها الأساتذة الجدد؟ ألا يعتبر النهج الفاشل للوزارة الوصية في معالجة ملف الأساتذة الجدد ضربا في حق التلاميد في الدراسة، بعد حرمانهم بما يقارب شهرين من بعض المواد وفي بعض المؤسسات جل المواد، خلال الدورة الاولى؟
الأساتذة الجدد تُنهك حقوقهم من طرف حاميها
إذا كانت الدولة بكل مؤسساتها تسهر على تطبيق القوانين المسيرة لأمور الأمة، فإنها هذة المرة قد أجهزت على حقوق فئة معينة من المجتمع، خارقة بذلك كل القوانين. قبل أكثر من سنة ونصف وقع الأساتذة الجدد العقد مع الوزارة الوصية ولكنهم لم يستفيدوا لحد الساعة من التغطية الصحية ولم يتم ترسيمهم بشكل نهائي، ولم تصرف مستحقاتهم المالية، ويعد هذا خرقا صارخا لكل القوانين المتعامل بها بخصوص المشغَّلين، بل أكثر من ذلك، سيتم إجبار الأساتذة على العمل داخل المؤسسات التعليمية باستعمال الزمن كامل كأنهم أساتذة رسميون. من جهة، أثقل هذا التكليف كاهل الأساتذة باعتبارهم في فترة التدريب الميداني ومتابعون ببحث تربوي وامتحان التخرج، ولم يستفيدوا نهائيا من التتبع خلال هاته الفترة، ولو رجعنا لمدونة الشغل في المادة 10 سنقرأ أنه يمنع تسخير الأجراء لأداء الشغل قهرا أو جبرا. ومن جهة أخرى يعد هذا الإجراء تحايلا من طرف الوزارة الوصية من خلال الإستفادة ماديا من ساعات عشرة الاف استاذ لمدة نصف الموسم بدون مقابل، وهنا يمكن أن نخلص إلى أن المعيار الوحيد الذي تتخذه الوزارة في التعامل مع الأساتذة الجدد هو
معيار مادي محض خالٍ من الأخلاق الإنسانية وخالٍ من كل الشعارات التي تروج لها الوزارة من خلال البرامج والمذكرات "التربوية" التي تصيغها كل سنة للرفع من مستوى التعليم بالمغرب.
التلميذ المتضرر الأكبر بعد حرمانه من الدراسة
إن التلميذ هو العنصر الأساسي والضروري لعملية التعليم، وبدون التلميذ لن تكون أصلا وزارة التربية والتكوين التي تسير قطاعا بالغ الأهمية، ونجاح جل القطاعات الأخرى رهين بنجاح قطاع التعليم. كل ما يبرم ويخطط له في مجال التعليم، يلمس بشكل كبير ومباشر التلميذ، سواء أكان ايجابيا أم سلبيا، ولعل التعامل الفاشل مع ملف الأساتذة الجدد يشكل أكبر جريمة في حق التلاميذ الأبرياء، كيف أن الوزارة في لقاءاتها وندواتها وبياناتها وبرامجها السنوية تنفت سموم الشعارات التي تبدو رنانة للمتلقي والمتتبع، ولكن في المقابل تحرم فئة كبيرة من التلاميذ من مواد مختلفة لما يقارب شهرين في الدورة الأولى من الموسم الدراسي، وفي بعض المؤسسات قد يحرم التلاميذ من كل المواد. على الأقل كل أستاذ يدرس أكثر من مائة تلميذ، يعني أن عشرة ألف أستاذ يدرّسون أكثر من مليون تلميذ، كيف تجرؤ الوزارة إذن على حرمان أكثر من مليون تلميذ من مواد معينة، ما يقارب الشهرين، أهكذا نهتم بالشباب والأطفال من شراسة الشارع وقساوة الواقع؟ أهكذا يتم تنزيل بنود الميثاق الوطني للتربة والتكوين؟ أهكذا يتم تطبيق البرنامج الاستعجالي؟ أهذه هي الرؤية الاستراتيجية (2015-2030) للرفع من جودة التعليم بالمغرب؟
هذه الهجمة الشرسة على مكتسبات التلميذ وحقه في التمدرس عبر حرمانه من مواد أساسية، يعتبر أكبر انتكاسة لسياسة التعليم الفاشلة التي تنهجها الوزارة الوصية، والمساومة على حق التلميذ في التمدرس من منظور مادي لهو أكبر فضيحة توصم في تاريخ هاته الوزارة.
أساتذة مطالبون بالتدريس مجانا وبدون حقوق، تلاميذ سيطالبون بتأدية رسوم تسجيل تثقل كاهل أبائهم لإنهاء مجانية التعليم، والدولة ترفع شعار جودة التعليم في برامجها التي تضخ لها الملايين من الدراهم..! عن أي جودة يتحدثون؟