إن الحديث عن متطلبات حماية البيئة ببلادنا، يجرنا إلى الحديث أولا عن مدى انخراط المملكة في ميدان حماية البيئة، خصوصا ونحن على أبواب تنظيم حدث عالمي لاشك وأنه سيدر على المملكة العديد من الإيجابيات. فقمة المناخ التي ستقام بمدينة مراكش في الفترة ما بين 7 و18 نونبر (تشرين الثاني) المقبل، تحمل في طياتها العديد من المعاني والغايات والرسائل التي تكمن في أن بلادنا تحمل هم حماية البيئة والحفاظ عليها، الشيء الذي سيجعل المغرب محط أنظار العالم. فقد كان المغرب سباقا في مسار الحفاظ على البيئة، وذلك كونه البلد العربي الأول الذي وقع اتفاقية الإطار للأمم المتحدة حول التغيرات المناخية وذلك أثناء انعقاد مؤتمر قمة الأممالمتحدة حول البيئة والتنمية بريو دي جانيرو (البرازيل في يونيو 1992)، والتي صادق عليها في دجنبر 1995، كما يعتبر إصدار الميثاق الوطني للبيئة، ومخطط المغرب الأخضر، ومخطط الاستثمار الأخضر، ومنع المواد المعدلة جينيا، وقانون منع الأكياس البلاستيكية رقم 77.15، إلا تعبير عن هذه التعبئة وهذا الالتزام في المحافظة على البيئة. فالعالم اليوم يعي جيدا بأن الحفاظ على البيئة هو السبيل الأمثل نحو التنمية الاقتصادية والاجتماعية، فأرضنا تعاني من عدة مشاكل وأضرار سببها الإنسان، مما أدى إلى ما نعيشه اليوم من احتباس حراري، وظواهر بركانية وعاصفية غريبة وشديدة القوة، أدت إلى تدمير مدن، مخلفة ورائها عدد كبير من الضحايا وخسائر مادية هائلة. لذلك فالعالم اليوم يتجه نحو ورش جديد صديق للبيئة يسمى بالطاقات المتجددة أو الخضراء، النظيفة من أجل الحفاظ على البيئة والمناخ، من أجل هدف واحد وهو أن يعيش الإنسان على كوكب نظيف. فالطاقات المتجددة أصبحت اليوم مفتاحا رئيسيا وعنصرا أساسيا ومحوريا انخرطت فيه جل الدول المتقدمة من أجل رفع التحدي لحماية البيئة والمناخ، ومن أجل كوكب أخضر خالي من جل العيوب والمخلفات التي راكمها عليه الإنسان. فالحفاظ على البيئة يعتبر بحد ذاته نقطة مهمة في باب التنمية الاقتصادية والاجتماعية، فكيف استطاع المغرب الحفاظ على بيئة سليمة ونظيفة؟ وما هي الوسائل والإمكانيات المتاحة من أجل ذلك؟ وكيف سيؤثر ميكانيزم حماية البيئة بشكل قوي يشكل معه دعامة رئيسية لمتطلبات ومستلزمات التنمية ببلادنا؟ أولا: حماية البيئة بالمغرب: لقد انخرط المغرب في ميدان حماية البيئة منذ سنوات عديدة، بحيث يعتبرها المهتمون بالمجال دعامة رئيسية ومكملة لمسلسل التنمية الذي تشهده بلادنا، ويمكن القول على أن المغرب كان سباقا نحو تبني ترسانة قانونية ومؤسساتية ناجعة تشكل أداة للحفاظ على البيئة، يوجه من خلالها المغرب رسائل قوية المعنى لبلدان العالم، كون أن المغرب منخرط بشكل إيجابي في مسار الحفاظ على البيئة. وقد توج ذلك بمصادقة المملكة على اتفاقية باريس حول الاحتباس الحراري داخل قبة الأممالمتحدة بنيويورك، والتي تعد نتاجا لقمة المناخ (كوب 21) التي أقيمت بالعاصمة الفرنسية باريس. وما يزيد في اتجاه القول بأن المغرب منخرط بشكل جدي وإيجابي في مسلسل حماية البيئة، هو تنظيمه للمؤتمر العالمي حول المناخ (كوب 22) بالمدينة الحمراء مراكش. من بين الوسائل والأدوات التي استعملتها المملكة في ميدان الحفاظ وحماية البيئة، هو تأسيس العاهل المغربي الملك محمد السادس مؤسسة محمد السادس لحماية البيئة في شهر يونيو من سنة 2001، بحيث تضع التحديات التي تطرحها التربية والتوعية في صلب المهام التي تضطلع بها، وذلك من خلال التوعية بالحفاظ على شواطئ نظيفة، والتربية البيئية والتحسيس، والتأسيس لمدن مزهرة، والتعويض الطوعي للكربون وجودة الهواء، والحفاظ على الساحل والسياحة المسؤولة، وترميم الحدائق التاريخية والحفاظ على واحة النخيل والواحات وتنميتها. زيادة على هذا، نص دستور 2011 على مؤسسة ذات حمولة قوية في ميدان حماية البيئة، وهو المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي. إلى جانب ذلك، فقد انخرط المغرب في استراتيجية وطنية للطاقات المتجددة، التي تعتبر آلية تتوج مسار حماية البيئة ببلادنا، بحيث تم إحداث العديد من المؤسسات التي تصب في هذا المجال، كالوكالة الوطنية لتنمية الطاقات المتجددة والنجاعة الطاقية (ADEREE)، والوكالة المغربية للطاقة الشمسية (MASEN)، وشركة الاستثمارات في مجال الطاقة (SIE) ومعهد البحث في الطاقة الشمسية والطاقات المتجددة (IRESEN). في الشق المتعلق بالوسائل القانونية التي نص عليها المشرع المغربي في مجال المحافظة على البيئة، الشيء الذي يحسب للمشرع المغربي الذي حاول تأطير منظومة الوسائل الحامية للبيئة، وذلك حينما نص على إحداث القانون رقم 13.09 المتعلق بالطاقات المتجددة، والقانون رقم 16.09 المتعلق بالوكالة الوطنية لتنمية الطاقات المتجددة والنجاعة الطاقية باعتبارها مؤسسة عمومية، والقانون رقم 47.09 المتعلق بالنجاعة الطاقية، إلى جانب مؤسسة المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي التي نص عليها الباب الحادي عشر من دستور 2011، وخصها بإدلاء الرأي والاستشارة في القضايا التي لها طابع اقتصادي و اجتماعي وبيئي. كما لا نغفل في هذا الإطار المشاريع الطاقية النظيفة التي دشنها المغرب، والتي تعتبر نقطة إيجابية توضح بالملموس إرادة المملكة في سلوك طريق الطاقات المتجددة كأول بلد عربي-إفريقي يدخل غمار هذا المجال. فقد دشن عاهل البلاد في بداية سنة 2016 محطة "نور 1"، كأول محطة ضمن مركب الطاقة الشمسية "نور ورزازات" والمتوقع أن تصل طاقتها الإنتاجية إلى 160 ميغاواط، كما أعطى عاهل البلاد انطلاقة أشغال محطة "نور 2" و "نور3"، كما سيتم إنجاز محطة "نور4"، والتي تعد الشطر الأخير من مركب الطاقة الشمسية نور، وسيتم تشييدها على مساحة تناهز 210 هكتار وتعتمد تكنولوجيا الطاقة الشمسية الضوئية، الشيء الذي سيجعل من هذا الأخير أضخم موقع لإنتاج الطاقة الشمسية متعددة التكنولوجيا في العالم بطاقة إنتاجية تصل إلى 580 ميغاواط وغلاف استثماري يبلغ 24 مليار درهم. هذا إلى جانب مشاريع طاقية أخرى رأت النور مؤخرا، كمحطة الطاقة الريحية "طنجة1 ظهر سعدان"، التي تعد الأكبر من نوعها بأفريقيا، إذ أنجزت بكلفة إجمالية تبلغ 2.75 مليار درهم، وستساهم بنسبة 2.5 في المائة في الاستجابة للطلب الوطني على الطاقة. ثانيا: حماية البيئة وسؤال التنمية الاقتصادية والاجتماعية لا يخفى على أحد كون أن الحفاظ على البيئة، ومدها بجميع الوسائل الضرورية واللازمة من أجل حمايتها، يشكل حجر أساس نحو التنمية بمختلف مشاربها وأشكالها. فالحفاظ على البيئة سيدر العديد من النقط الإيجابية في الشق الاقتصادي والاجتماعي، سواء للمواطن أو الدولة على حد السواء، فالدولة حينما تسلك طريق الطاقات المتجددة من أجل حفاظها على بيئتها، تؤسس لمنبع جديد من الموارد التي هي بحاجة ماسة إليها في ظل تفاقم عجز ميزانية الدولة. فالاستثمارات والمشاريع الاستثمارية المتعلقة بالطاقات المتجددة تعد فرصة سانحة ومهمة لتثبيت دعائم التنمية السوسيو اقتصادية، من خلال القيام بمنجزات في مجالات الصحة، والتعليم، والفلاحة، وعالم المقاولة، والتنشيط الثقافي والرياضي، زيادة على البنية التحتية المهمة التي ستتيحها هذه المشاريع، كتزويد الدواوير بالماء الصالح للشرب، وربطها بالشبكة الطرقية الوطنية، والمساهمة بشكل مباشر في التقليص من عزلتها الترابية. بالإضافة إلى دور مشاريع الطاقات المتجددة في استحداث الوظائف الخضراء، حيث تلعب مشاريع الطاقات المتجددة دورا بارزا في استحداث فرص العامل الدائمة، إذ يساهم تحفيز النشاط الاقتصادي تحسين الظروف المعيشية للمواطن، بتواز مع احترام للبيئة وتوطين السكان بأراضيهم، كما سيساهم استعمال الطاقة الشمسية في المناطق النائية كالتدفئة الحرارية أو لتوليد الكهرباء بالبخار أو تجفيف المحاصيل، في فك عزلة المناطق النائية، والمساهمة في تحقيق التنمية الترابية المنشودة. كما تؤثر هذه الطاقات المتجددة في تعزيز انخراط اليد العاملة في هذا المجال، الشيء الذي سيؤثر أيضا في الجانب الاجتماعي المرتبط بإيجابيات هذه الطاقات الحامية للبيئة على المواطن بالدرجة الأولى، وستشكل نقطة ربط بينها وبين التقليص من حجم ونسبة البطالة التي يعاني منها شبابنا، مما سيمكن من التوفيق ما بين متطلبات حماية البيئة ومستلزمات التنمية ببلادنا. تعد حماية البيئة من العناصر المهمة لتحقيق التنمية الاقتصادية، إذ تشكل إمداداتها عاملا أساسيا في دفع عجلة الإنتاج وتحقيق الاستقرار والنمو، مما يوفر فرص العمل ويساهم في تحسين مستويات المعيشة والحد من الفقر. فالحديث عن حماية البيئة بالمغرب يستدعي في نهاية الموضوع تراكم جهود الجميع من أجل رفع الإيقاع، خصوصا وأننا في مرحلة مهمة، حاسمة، تاريخية تمر منها البلاد، ونحن على أبواب تنظيم القمة العالمية حول التغيرات المناخية (كوب 22)، الشيء الذي يستوجب أكثر من أي وقت مضى، مساهمة الجميع بمواطنة إيجابية، من أجل رفع التحديات ودر الرماد الذي يعتري مسار التنمية ببلادنا. فالحديث عن التنمية يجرنا إلى الحديث عن حماية البيئة ومستلزماتها وأدواتها التي بسطها لها المشرع المغربي والتي ذكرناها في متن هذا الموضوع، والتي لا تكفي لوحدها بدون انخراط جدي وفعال من لدن جمعيات المجتمع المدني التي تشتغل في الميادين المتعلقة بالبيئة، وكذا انخراط جدي وحقيقي من لدن الأحزاب السياسية، إعلام مرئي ومسموع. فلا يكفي فقط أن تبقى المؤسسات والنصوص القانونية المتعلقة بالجانب البيئي حبيسة الرفوف والسطور، ولكن يجب تفعيلها على أرض الواقع من أجل تحقيق غاياتها وأهدافها الكامنة في الرقي بمتطلبات الحفاظ على بيئتنا وحمايتها، مما سيشكل أداة ربط رئيسية بينها وبين متطلبات ومستلزمات التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية ببلادنا.