مع انقضاء العطلة الصيفية وبداية الدخول المدرسي الجديد وما استلزمه وسيتلزمه هذان الأمران من مصاريف كبيرة على الأسر، تطل علينا بعد أيام قليلة مناسبة عزيزة وغالية على قلوب المغاربة و كل المسلمين في شتى بقاع الأرض وهي عيد الأضحى المبارك. وإذا كان هذا العيد شعيرة دينية تذكرنا بفداء الله تعالى لسيدنا إبراهيم عليه السلام عن نحر ولده إسماعيل بأضحية عظيمة مصداقا لقوله عز وجل في الآيات: من102 إلى107 من سورة الصافات: "فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102) فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103) وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ (106) وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107)"، فإنه تحول في السنوات الأخيرة في بلدنا إلى مجموعة من العادات المجتمعية المحضة التي تأخذ في كثير من مظاهرها طابعا سلبيا. فقد أصبح العيد "الكبير" حسب الاصطلاح الشائع في مجتمعنا مظهرا من مظاهر التنافس المرضي والتفاخر غير المبرر بالأضحية بين كثير من الناس، فتجد قريبا من الأقارب يمتدح كبشه ويباهي بصفاته وجارا يفاضل حجم أضحيته وما أنفق عليه من أجل ابتياعه بما لم يتوفر عند جيرانه. علاوة على ذلك، فقد أضحى شراء الخروف واجبا لا مجال لتركه ولو تطلب الأمرالتضحية بالغالي والنفيس، ما يضطر فيه المرء خاصة إذا كان معوزا أو مفلسا إلى الاقتراض من هنا وهناك بل أحيانا بيع بعض حاجياته من أجل الحصول على المال اللازم. وهكذا، لم تعد الأضحية وسيلة وقربانا تعبديا إلى الله سبحانه وتعالى وإحياء لسنة سيدنا إبراهيم عليه السلام، وإنما غاية في حد ذاتها ولا عيد دونها. إن هذه الممارسات السلوكية المنحرفة والسلبية وغيرها في مجتمعنا المغربي لتحتم علينا استذكار طبيعة هذه المناسبة ومقاصدها وغاياتها. فالأصل في عيد الأضحى أنه سنة مؤكدة وليس فرضا، ومعلوم أن السنة لا يأثم تاركها مثل الفرض. وفي ديننا الإسلامي الحنيف، هناك بعض العبادات التي تقتضي توفر القدرة اللازمة من أجل القيام بها، من أهمها الحج إلى بيت الله الحرام الذي يعتبر فريضة واجبة على كل مسلم ومسلمة وركنا من أركان الإسلام الخمسة، لكن وجوبه يسقط في حالة عدم توفر شرط القدرة البدنية والمادية، فكيف الحال بأمر السنة التي يِِؤجر فاعلها ولا يأثم تاركها كعيد الأضحى. ولهذه المناسبة العظيمة مقاصد كثيرة ومتعددة، لعل أبرزها شيوع مظاهر البهجة والفرح والسرور بين الناس، كما تتخللها عدة مظاهر وطقوس دينية مثل أداء صلاة العيد وزيارة الأقارب والأحباب وتبادل التهاني فيما بينهم، أما شراء الكبش أو النعجة أو الأضحية عموما وذبحها فما هو إلا عنصر من عناصر العيد وليس هو كل العيد، يقول عز من قائل في هذا المنحى في الآية37 من سورة الحج: "لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ". كما أنه يفترض انعدام العسر المادي، إذ إن شرط القدرة يمسي ضروريا في مثل هذه الأمور حتى لا تقع مخالفة منهج الله تعالى وإرادته في كونه وعباده، يقول الله عز وجل في إطار هذا السياق في بداية الآية286 من سورة البقرة: "لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ". على هذا الأساس، يعدو من اللازم من قبل كثير من الناس تصحيح عاداتهم وسلوكاتهم وكيفية تعاملهم مع العيد من خلال ما يلي: - استشعار بعده الديني والروحي. - التعامل معه باعتباره منظومة شمولية من الطقوس الدينية والتعبدية والمظاهر الاحتفالية والاجتماعية الرامية إلى تمتين الأواصر والصلات العائلية والأخوية والإنسانية عموما. - تفادي حصر قيمته في ضرورة شراء الأضحية وذبحها، إذ يمكن الاكتفاء-عند توفر القدرة اللازمة-على شراء بعض القطع من اللحم فحسب. - تجنب التباهي اللاعقلاني بشراء الأضحية وثمنها وشكلها وحجمها، ما يحافظ على قدسية المناسبة وحرمتها الدينية ويزيل الشحناء والأحقاد التافهة بين الناس