من الأدبيات المتفق عليها في عالم السياسة أن السياسة لا تمارس إلا في جو، ملؤه الحرية والاستقلال، أما في ظلال الاستعمار الكثيفة فالعمل الجاد فيها هو الجهاد والنضال والكفاح. وإذ عرفنا جميعا أن الأمة العربية ما زالت أسيرة الاستعمار الاقتصادي والثقافي والسياسي فالممارسة السياسية فيها لا تعدو أن تكون خيانة أو عمالة، تتقاتل في الاستئثار بها عصابة من المجرمين عديمي الضمائر، يحتقرون الشعوب ويسرقون الثروات، ويهدمون القيم، وينشرون الأمراض المستوردة، ويوطئون أكناف البلاد للأعداء. لذلك نرى السياسة الحقيقية في الدول المستقلة تبني الأوطان وتعمرها، وتنشر المنافسة الحميدة في ممارستها، كل زعيم يحاول أن يكسب ود المواطنين ورضاهم، ويبني مجده بخدمتهم، ثم يغادر منصبه مأسوفا عليه مكرما. وهي عندنا هدامة للأوطان، ناشرة للعداوة والإحن، مقصية للمنافسين، مهمشة للمواطنين، كل زعيم يستغل منصبه للتربح والترفع، ثم لا يغادره إلا بالموت ملعونا في الخضراء والغبراء! علما أن الأول أقسم بشرفه أن يعمل مخلصا، ولا يشينه كثيرا أن يخونه، والثاني أقسم بكتاب ربه، وهو على خطر كبير إن خانه. ومما يثير الشفقة والسخرية أن ترى أو تسمع في ظل الأوضاع المزرية التي تتقلب فيها الأمة العربية: "أن زعيما عربيا أو قائدا عربيا التقى نظيره الأمريكي أو الفرنسي مثلا ". نظيره في ماذا؟ في الذكورة؟ في الملامح؟ في ضخامة الجثة؟ أما السياسة والزعامة والقيادة فلا معنى للمقارنة فيها والمناظرة بين شريف يملك أمره، وبين خسيس يقاد من أنفه وبطنه. ولا تغرنك الفخفخة والمظاهر التي تنتشر بيننا كالاحتفال بأعياد الاستقلال، وانتشار الأحزاب كالفطر، وتنظيم الانتخابات .... فانظر إلى فلسطين التي يعرف ويعترف العالم أجمع أنها دولة محتلة، تجد أن الحركات فيها ثلاث: إسلامية تمارس الجهاد، وعلمانية جادة شعارها النضال والكفاح، وثالثة في الحكومة تنسق مع العدو، وتنفذ التعليمات السامية والتوجيهات العالية. من أجل هذا التوت حبال السياسة في أيدي الإخوان في مصر، وكان مصيرهم غياهب السجون والشتات، واستقامت عقدها في أيدي الخونة الذين وصلوا ما انصرم من شباك الخيانة في السنوات التي تلت الثورة المجهضة. وحزب النهضة في تونس يبدل لباسه وحاله ومقاله كل صباح، فيقال له ما قاله صاحب الجاحظ لصاحبه: "والله لو خرجت من جلدك ما عرفتك". ولن ينال الرضى حتى يستبدل الخيانة والعمالة بالسياسة. وهل السيرك الذي تشاهد فيه ألاعيب التماسيح والعفاريت والأشباح يغطي السوأة السياسية، ويلهي عن الحقيقة التي تعلن أنالانتخابات تحت ظلال (الزيزفون) أُلْهِية، وأن حبل الكذب قصير؟!