لم يكن من حقنا ،أن نقارن العنوسة بالضياع ،لولا أننا لم نسمع معاناة الكثير من النساء ممن،فاتهن سن الزواج،وبدأت معاناتهن مع هذا المرض العضال،الذي يستعصى علاجه، ناهيك عن أن البعض يتحدث،عن موت بطيء يطال كل أولئك النساء .إنه ضياع بكل ما تحمله الكلمة من معنى،ضياع الأحلام،وضياع الآمال،فهل من بديل؟ فبعض الدراسات تنذر بخطر العنوسة في المغرب وأكدت أن نسبة المغربيات اللائي وصلن سن الزواج ويعانين من العنوسة تتجاوز 10 في المائة وهو ما يعادل مليون ونصف مغربية تجاوزن متوسط سن الزواج والذي حددته الدراسة في 35 سنة مؤكدة ارتفاع نسبة العنوسة في المدن أكثر من القرى.دعونا نبحث عن الأسباب، ونحدد الحقيقية وراء ازدياد نسبة العنوسة،خاصة بعد مدونة الأسرة 2003 والتي جاءت كصفعة للمرأة المغربية،من طرف المشرع الذي لم يراعي في ذلك خصوصيات المرأة المغربية،والتي تعاني ويلات العنوسة،التي انتشرت انتشار النار في الهشيم،وذلك لتقييدها الزواج ،وإخضاعه لشروط غير موضوعية،بشهادة النساء. من خلال الأرقام ،ومن خلال الإحصائيات التي تطلعنا بها الدراسات والأبحاث في العالم الإسلامي،تجعل من العنوسة، ظاهرة خطيرة،تستوجب الدراسة والبحث ،وإعادة النظرفي سياساتنا التشريعية،والاجتماعية،بدل التستر عليها وإعطائها فرصا للزيادة في الانتشار. لا ننكر أن هناك أسباب أخرى لهذه الظاهرة،التي أصبحت تطال فتياتنا،ولا ننكر أن المرأة المغربية لها قسط من المسؤلية،في مسالة العنوسة، ولكن الطرف المسؤول الأكبر الذي يمكن ان توجه إليه التهم هو الدولة ،التي ساهمت وبشكل كبير في تغذية العنوسة ،وجعلت الظاهرة تستشري وبشكل كبير،في صفوف فتياتنا.فإعلامنا المغربي الذي ما فتئ يطبل ويزمر للثقافة الغربية،التي تحقر الزواج،وتعتبره تقييدا لحرية المرأة،وتعتبر الزواج ستنتج عنه مسؤولية كبرى فيما يخص الولادة،التي يعتبرونها مجازفة بصحة المرأة،هو الذي أنتجلنا مثل هذه الأمراض.
فقنواتنا الإعلامية التي تقدم للمغاربة ،مسلسلات غربية ،تحتوي على رسائل تدعو إلى الثقافة الغربية،وإلى "اتخاذ الأخدان "ونبذ المعاشرة الزوجية،وتحبيب المعاشرة خارج إطار الزواج،وجعلوا من الزواج أمرا اختياريا،في الوقت الذي يعتبر فيه الزواج ،ضرورة ملحة للحفاظ على المرأة ضد هذا الخطر المحدق بها. الإعلام الذي يعتبر ذو 20 من العمر طفلا ،وذو 25 طفلا ،والتشجيع الغير المعقول للنساء عل العمل بلا شك إعلان صريح، وتشجيع معلن على عدم الزواج، مبكرا مما يجعله ،لا يفكر في الزواج إلا بعد تقدمه في السن،وكذلك نفس الشيء للمرأة التي تعمل ،نجد أن أغلبة النساء العاملات،في جميع القطاعات ،لا يقبلن على الزواج إما لرفضهن الآخر،بسبب العمل أو لعدم قبول بعض الرجال بالمرأة العاملة،التي لايحسون معها بالاحترام على حد قولهم، إضافة إلى البيت ،ومسألة تربية الأبناء،التي بفضلها يختار البعض من الرجال،الزواج من ربة بيت،لعلهم يخرجون من تلك الحسابات الضيقة .
إضافة إلى كل هذا فهناك الجانب الاجتماعي، الذي يجعل الشباب المغربي لا يقبلون على الزواج إلا نادرا،بسبب الوضع الاجتماعي الذي لا يسر عدواعند أغلب الشباب، فالعمل أصبح ضرورة ملحة لجميع الشباب،قصد التقدم للزواج،فالعديد من الرجال أو الشباب ،يفضلون عدم الزواج ،حتى تتيسر لهم الظروف ،وذلك الحصول على العمل ،الذي يقيهم مرارة الزواج في الفقر والبؤس.ليس هذا فحسب بل إن بعض الفتيات المغربيات،وآسرهن لا يقبلن أن يشاطرن الشباب في رحلة كفاحهم،ولا يقبلن الاستمتاع،من أجل صنع الحياة،وإنما يحاولن الظفر بالزوج المناسب ،وتناول وجبة جاهزة ،لم يشاركن في إعدادها وتحضيرها،إذ كيف يمكن لشاب الحصول على شقة ،وسيارة،وعمل مميز خاصة إذا لم يكن من الأغنياء.
فالمغالاة والطمع سببان رئيسيان لعنوسة النساء وعزوبة الرجال،فكثير منهن يرفضن الزواج إلا إذا كان الزوج "كامل مكمول" أو "ولد الناس" وهذا الأخير هو من يملك الجمال،والمال في نظر هؤلاء النساء،مثل هذا التفكير لا يزيد إلا استفحالا للظاهرة،ولا يزيد المجتمع إلا التحفظ على الدخول في مؤسسة الزواج،التي تعتبر الحل الوحيد،والأوحد لظاهرة العنوسة. لا يمكن اختزال سبل مواجهة العنوسة،في سبيل واحد بل يجب تكاثف الجهود ،وذلك بإزالة العوائق الفكرية،والاقتصادية،والاجتماعية،والعرفية ،التي وقفت عائقا أمام الفتيات المغربيات، للالتحاق بركب سفينة الزواج، فبداية الحل تكمن في قول الرسول صلى الله عليه وسلم، "إذا جاءكم من ترضون دينه، وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض،وفساد عريض." ففتنة العنوسة، فتنة أشد من جميع الفتن ،التي تصيب المجتمع بالشلل ،وارتفاع نسبة الشيخوخة،ناهيك عن إصابة المجتمع بأزمات نفسية،يصعب علينا حلها،فالدولة مسؤولة،والمجتمع مسؤول، والأسرة مسؤولة،عن تفشي هذه الظاهرة، آن الآوان للدولة أن تعيد النظر،في الإعلام الذي لا يقدم سوى ما يشجع به المغاربة للعزوف على الزواج، وسن قوانين، تيسر الزواج، وتدعو إلى الإقبال عليه، وليس النفور منه إعتباره ،متاهة لا يمكن الخروج منها إلا ونحن خاسرين،أيضا المسؤولية التي تنتظر الآباء لا تقل أهمية عن مسؤولية الدولة،فالآباء بدورهم،وجب عليهم،تيسير الزواج لأبناءهم، وتربيتهم على القناعة ،والتطلع إلى الأفضل،وذلك بالعمل وليس بالتوكل على الغير ،أوانتظار فارس الأحلام الذي لا يشوبه نقص ولا عيب،حتى يأتي،لتدخل في مغارة غير محسوبة العواقب، لتصل إلى سن تفقد فيه الأملفي الزواج، فلا هي بالجمال، ولا هي بالمال، ومن ثم البكاء على زمن يستحيل العودة إليه ولو عاد بنا للوراء.