تفزعني ، على المستوى الانفعالي ، الأحداث الأليمة التي تقع من آن لآخر ، كحادث الاغتصاب التي وقع في أيامنا هاته مع أمينة الفيلالي ..ولكن يذهلني على المستوى العقلي رد الفعل الاجتماعي لهذه الأحداث ، فهي دائما مدوية مثل جرس إنذار يصم رنينه الآذان ، ولكن في كل مرة يسارع أولئك الذين في مواقع المسؤولية إلى إيقاف عمل الجرس ، ويؤكدون دوما أن الانذار كاذب ، ولا موجب للفزع لكل شيء على ما يرام. إن الفرق بيننا وبين أقوام غيرنا متقدمين أنهم يعاملون أي إنذار كاذب على أنه حقيقة ، ويهرعون فورا إلى اتخاذ مختلف التدابير والاجراءات قصد الحماية ، أما نحن فنعامل كل إنذار حقيقي على أنه كاذب ، وهم لديهم شجاعة الاعتراف بأن ثمة خطأ ما وأن خطرا يهددهم ، أما نحن فلدينا قدرة فائقة على دفن رؤوسنا في الرمال وتجاهل الأخطار ، أليست هذه هي ثقافة الاستهانة التي تحدثت عنها في مقالي السابق_ بأهم ثروة من ثروات البلاد .. !! إنني أرى جرس الانذار الأخير الذي دق مع حادث اغتصاب أمينة الفيلالي ، كان واحدا من أجراس الانذار بالزلازل الاجتماعية الخطيرة التي تهدد بنياننا الاجتماعي بأسره. لقد سبق ذلك الجرس ، أجراس كثيرة تجاهلناها أو أوقفنا رنينها ، فليست هذه أول احدث هتك عرض وتحرش جنسي فضيع ، وهي ليست حالة فردية بل هي عامة متفشية ، والأجراس تدق كل يوم في آلاف البيوت في المغرب وحدها ، فما من بيت به امرأة تستخدم وسائل النقل إلا وتتعرض كل يوم لمضايقات وتحرشات أو على الأقل خدش حياء ، اما حوادث الخطف والاغتصاب فحدث ولا حرج ، فهي مسجلة دوما على صفحات الجرائد طوال السنوات الماضية ، ناهيك عن أحداث أخرى متنوعة كحوادث السرقة في وضح النهار وحوادث التطرف والعنف ... ألم تصبح هذه الأجراس مدوية في كل آن وحين حتى كأننا اعتدنا عليها وأصبحت جزءا لا يتجزأ من حياتنا وبذلك صرنا لا نلقي لها بالا ، وهذه مسألة خطيرة جدا ينبغي أن نقف عندها بكل ما أوتينا من قوة ، ولنرفع شعار : انتبهوا أيها الناس وتخذوا حيطتكم... إننا لا يمكن أن نحمل فردا ما ، ولو كان وزيرا ، أو مؤسسة ما ولو كانت وزارة ، مسؤولية سياسات وظروف تاريخية محلية وإقليمية وعالمية أدت إلى ما نحن عليه الآن من اضطراب ومعاناة زلزلت الأرض الاجتماعية تحت أقدامنا ، ولكننا في المقابل لا بد ان نتحمل جميعا مسؤولية ما يقع وما وقع لأمينة الفيلالي ، ولنصدق بأن ما وقع هو جرس إنذار حقيقي وليس كاذب كما يمكن أن تروج له حكومتنا...وحشد كل الطاقات والهمم لحماية انفسنا وبناتنا من الفناء والانهيارات التي تتوالى الانذارات المدوية بحدوث قربه. فبنياننا الاجتماعي أصابه التآكل في جميع مرافقه ومنه الاسري الذي لم يعد يقوى على النهوض بفعل هذه الاحداث وغيرها من الأحداث الأخرى التي تدق جرس الانذار في كل آن وحين. أولسنا في أشد الحاجة إلى جهود مهندسينا الاجتماعيين والسياسين الصادقين لوضع مشروع أساسات بنياننا الاجتماعي وإعادة بنائه ، وفي الآن نفسه أولسنا في حاجة إلى تصديق كل أجراس الانذار التدي تدق صباح مساء ولا نتجاهلها ونتعلم كيف نملك الشجاعة لمواجهة الحقيقة... !!!