إنّ ما شهده العالم من أعمال إجرامية لا يقرّها دين ولا قانون ولا عرف، أدّت إلى قتل وترويع للأبرياء، في كلّ من تونس ومالي وفرنسا ومن قبلها إسبانيا، وبريطانيا، ثم مصر، وساحل العاج، تباعا. وقد سبق تلك العمليات الدمويّة المروّعة، عمليات دموية غادرة أخرى لا تقل عنها أهمية، في كل من المغرب وتركيا ولبنان والسويد والولايات المتحدةالأمريكية، كانت ممهدة لما بعدها، حيث سقط العديد من المواطنين المسلمين ضحية عمليات إرهابية غاية في الوحشية والدمار. فعلى سبيل المثال؛ قتل في السنة الماضية 2015 بدم بارد، ثلاثة مسلمين رميا بالرصاص من طرف إرهابيّ أمريكيّ أبيض يدعى: كريغ هكس بولاية كارولينا الشمالية، دون أن تخلف تلك العملية الإرهابيّة النكراء ضجّة إعلامية تذكر، بل زاد تلك الجريمة الإرهابية الجبانة النّكراء صمتها الرسمي والجماهيري بشاعة وقبحا لا نظير له. نفس العملية ونفس السيناريو انتقل من أمريكا بلد تمثال الحرية ليكرر فصوله في مملكة السويد، بلد العدالة والديمقراطية والرفاهيّة وحماية حقوق الإنسان وإيواء اللاجئين. حيث أودى هجوم على مدرسة غالبية طلابها من أبناء الجالية الإسلامية بحياة ثلاثة أبرياء آخرين، نفّذه كذلك إرهابي سويدي أبيض. دون أن تحرك آلة الإعلام دواليبها ومخالبها هنا أوهناك، كما رأيناها تفعل مستنفرة إبّان الهجوم الإجرامي الدّموي في فرنسا، ومؤخرا ببلجيكا. واكتفت الدوائر الرسميّة السويديّة مثل الأمريكيّة تماما، بما عهدنا من الأسف والتأسّف على ما حصل في الحادث، شأنهم في ذلك شأن الكيان الصهيوني الذي يرسل مستوطنيه وجنوده معربدين ومفترسين، ثمّ يعقب ذلك بأسفه على ما حدث!... ليعقب الأسف روايات عن سيرة القتلة الإرهابيين الجبناء، واصفة إياهم بالمختلين عقليا مضمرة أنّهم قد رفع عنهم القلم، كما يعرف ذلك المسلمون!...ناهيكم عن الهجوم الارهابي الدّموي الذي روع العالم في النرويج منذ بضع سنين، وكان منفذه نصراني حاقد على المسلمين يدعى ّأندريس بهيريج" والذي كتب مذكراته من ألف صفحة قبل قدومه على ارتكاب المجزرة. دوّن من خلالها مسوغات عمله الارهابي الحاقد كمخلصا للنصارى في العالم عموما، وفي النرويج على وجه خاص. كل تلكم الطفرة من العمليات الإرهابية الدّموية وغيرها لا يحصى، كانت تختم بخاتم ومباركة ما يعرف ب : اليمين المسيحي الغربي المتطرف. إنّ الضّحايا المسلمين الذين يسقطون في كلّ مكان على أيدي القتلة الإرهابيين في فلسطين وفي العراق وفي الشام وفي بعض الدول الغربيّة، لا بواكي لهم، وكأنّ دماءهم ليست من دماء البشر. لكنّنا بالمقابل مطالبون عند سقوط أبرياء في البلدان الغربية بالبكاء والتنديد والتعزيّة وإشعال الشموع حزنا وحدادا في مشهد جماعي وتحت تغطية ومواكبة اعلامية عالمية مؤثرة.. مع تضامننا مع أهالي الضحايا الأبرياء في كل مكان بلا شك.
إنّ العنف والإرهاب والقتل والدمار والتشريد للأبرياء مرفوض، سواء أكان من دول أو من جماعة أو من أفراد، مسلمين أو يهودا أو نصارى أو ملحدين أوغيرهم، وأنّ ذلك العمل الشنيع مرفوض تماما ولا صلة له برسالة الإسلام السمحة، بل ولا يتصل في اعتقادي بأي دين سماوي غير محرف على الاطلاق. والإسلام منه براء براءة الذئب من دم ولد يعقوب عليه السلام. بل إنّ تلك العمليات مناقضة تماما للشريعة الإسلامية السمحة، التي ما أتت عموما إلا لحفظ النفس البشريّة من الدمار والهلاك...
فإذا علمنا ذلك، وعلمنا أننا جميعا في مركب واحد يُستهدف راكبوه بمجرّد استهداف عضو فيه، وجب علينا النّظر إلى الإرهاب وإلى العمليات الإرهابيّة بعين واحدة، والوقوف ضدّه بإجراءات موحّدة لا تفرّق بين بني البشر عقوبة أو مجازاة... علينا أن تكون نظرتنا إلى هذا التحدي المدمّر نظرة شمولية غير انتقائية كما هي عليه اليوم في الغرب... الدماء التي تهرق في فلسطينوالعراق وفي ليبيا وتركيا وفي تونس والشام، وفي الدول الغربية والافريقية.. هي دماء واحدة، دماء الأبرياء ضحايا السياسات الحمقاء التي تكيل بمكيالين مفرّقة بينها على أساس الدين والعرق واللون. الحكومات الغربية ومعها كلّ حكومات العالم مدعوة اليوم قبل غد لحماية مواطنيها، كل مواطنيها، مسلمين وغير مسلمين، مؤمنين وغير مؤمنين على أساس العقد الاجتماعي، وليس على أساس التفرقة العنصرية العرقية البغيضة (اللون والعرق والدّين). كما هي مطالبة كذلك بإفساح المجال الأكبر والفضاء الواسع للحوار والنقاش حول الظاهرة "الإرهاب والعنف"، بهدف ضبط الأسباب ومحاولة إيجاد الحلول الجذريّة... فمن خلال الحوار الجادّ والصادق، وانطلاقا من حسن النيّة يمكن الوقوف على خلفياته "الإرهاب" والعمل على إزالة كل ذلك، كما يمكن التوصّل إلى سبل مقاومته سياسيا وفكريا وثقافيا واقتصاديا، وأنّ المقاربات الأمنية وحدها أثبت التجربة فشلها في جميع الدّول المتضررة منه. مع التحرك السريع من خلال الإجراءات اللاّزمة والرادعة، لمنع أي انزلاق نحو تحميل الإسلام نتائج أوالمسلمين، وخاصّة المقيمين منهم في بلاد الغرب ما يجري على الأرض!...فإن تسعة وتسعون من مسلمي الكرة الأرضية ينبذونه ويتبرؤون منه جملة وتفصيلا، لا مكان للإرهاب والإرهابيين بين المسلمين، كلّ أنواع الإرهاب والإرهابيين على حد سواء.
إنّ من المفارقات التي لم تعد خافية حتّى على تلميذ في الصف الابتدائي من أبناء الجاليات الاسلامية والعربية في الغرب وفي بلدان العالم العربي والإسلامي كذلك؛ التدخل العسكري الغربي السافر في بلدان الآباء والأجداد، ثمّ التنديد بعد ذلك بالعنف والإرهاب المنسوبين إليهم... على الغرب "المتحضّر" أن يراجع سلوكه، فلعلّه غفل عن صنعة هو مصدرها ومبدعها!... فما العنف الحاصل اليوم في الغرب إلّا شعاع بسيط دقيق لا يُؤبه له أمام عواصف العنف والدمار التي يحدثها الغرب كلّ لحظة في بلاد المسلمين يوميا... لقد انتبه بعض المحللين العقلاء العدول في الغرب؛ فبدأت صيحاتهم تعلو وترتفع منددّين بسياسة إزدواجية المعايير، وهي إحدى المبرّرات التي تستعملها وتوظفها الجماعات الناقمة على سياسة الغرب الحمقاء في تأجيج حالة الغضب والكراهية لمن تستقطبهم من الشباب الذين بدورهم لا يجدون أجوبة على سؤال الهوية بحكم الولادة والمنشأ في الغرب من جهة، وعلى حمم قذائف الطائرات المذيبة للجماد قبل الإنسان في بلاد الأجداد والأمجاد، وما الغارات الروسية الجديدة في سوريا منهم ببعيد، ومن قبلها الأمريكية في العراق وأفغانستان، وما تحدثه ماكينة الحرب والدّمار الإسرائيلية باستمرار في غزة المنكوبة والمحاصرة منذ سنين ... إنّ على الغرب إذا أراد بالفعل العيش بسلام تام مجنبا شعوبه ردّات أفعاله؛ مراجعة سياساته النفعية تجاه المنطقة العربيّة والإسلامية برمتها، وإنّ المراجعة تبدأ أوّلا وقبل كلّ شيء بوقف نشاطه العسكري على أراضي الأمة العربيّة والإسلاميّة، ثمّ ثانيا بإيقاف كل أشكال الذعم المادي اللوجستي للإرهاب الإسرائيلي الذي يعبث بمقدسات الأمة الإسلامية والعربيّة في فلسطين وفي سوريا وخارجهما... ذلكما شرطان لا بدّ للغرب من توفيرهما بغية العيش بسلام. وبدل أن نظلّ جميعا في اقتناص فرص اتّهام أحدنا الآخر... في غياب ذلك فلن يجد المتطرّفون من الجانبين، أحسن من الغربيين بسيماهم الحالية كمحرّض لهم على العنف وكداع للإرهاب الذي لن يهنأ بوجوده أحد صغر شأنه أم كبر!... هي صيحة نطلقها ونصيحة ندعو الجميع إلى الأخذ بها من أجل إرساء سلم اجتماعيّ وإنعاش مواطنة حقيقيّة، والعيش في إطار مجموعة إنسانيّة اختارت التعايش سبيلا والتآزر طريقا لترقية الحياة، والحوار مجالا لمناقشة كلّ العوارض. ألا هل بلّغنا، اللهمّ فاشهد...