إن كان تعريب مجال حساس كالطب في المغرب شأنا ذو أبعاد متشعبة بالغة التعقيد،فإن بعض المبادرات الفردية النادرة تبقى مبادرات تستحق التنويه و التعريف و تفتح الأمل أمام مشاريع أخرى أكثر جرأة و عمقا في إعطاء اللغة العربية قيمتها العلمية و حظوتها في حمل أمانة علم شريف يهتم بالإنسان و صحة الإنسان. ولعل أبرز من قام بالتنظير و التحضير لمسألة تعريب الطب في المغرب الأستاذ السابق بكلية الطب بفاس أمل العلمي إذ بذل مجهودات طيبة بالتنسيق مع المكتب الجهوي لمنظمة الصحة العالمية و أصدر كتبا ووثائق و مقالات في محاولات لتأسيس لِبنات تهيء لمشروع تعريب الطب في المغرب ، مبادرات الأستاذ أمل العلمي اصطدمت بالبنيات المعقدة التي تصعب و تعيق أي تقدم لمشروع بهاته الجرأة. تجربة كلية الطب بفاس الذي بدأت مع محاولات الأستاذ أمل العلمي والتحقت بتجارب كليات الطب الرباط و الدارالبيضاء على ندرتها في مجال تعريب الطب ،استمرت بمبادرات شجاعة لدكاترة قدموا و ناقشوا بحوث أطروحاتهم باللغة العربية ،هذه الوثائق الموجودة بكلية الطب بفاس يتوجب التعريف بها للمهتمين بالموضوع و الباحثين عن المعلومة الطبية باللغة العربية: تعريب الأساسي من وحدة الطب النفسي الدكتور مصطفى يكن - تعريب دروس علم الأعراض و الأمراض التنفسية الدكتورة غزلان السليماني- تعريب الملف الطبي : تدبير مرضى مصلحة الجهاز التنفسي نموذجا الدكتور الشادلي علي - ثلاث وثائق نادرة وسط آلاف الأطروحات والبحوث الطبية التي نوقشت ونشرت باللغة الفرنسية علما أن اللغة الأجنبية هي حاجز يحول دون تواصل الطبيب مع المرضى المغاربة في مهمة إنسانية بالدرجة الأولى وهو إشكال من بين إشكالات عديدة ذكرها الدكتور عز الدين دزاز في مقال طيب له حول تعريب الطب،شرح فيه عوامل واقتراحات يمكن أن تحفز على إنجاح هذا المشروع أبرزها: وضع استبيانات لكل من الأساتذة المشرفين عن الأطروحات وطلبة الطب للسنة السادسة قصد معرفة العوائق والأسباب التي تحول دون إنجاز أطروحات طبية عربية. أن يكون جزء من الامتحان في مادة التخصص باللغة العربية وأن يشمل الامتحان ترجمة موضوع أو مقال طبي من اللغة الانجليزية إلى العربية. تشجيع تبادل الأساتذة والطلاب على أوسع نطاق بين الجامعات العربية لتحقيق إشاعة تبادل الخبرات في مجال التعريب وتنميته. إن التناقض بين واقع التعليم الجامعي وتوصيات الدستور الذي ينص على أن اللغة العربية لغة رسمية إضافة إلى عدم انسجام تدريس الطب باللغة الفرنسية مع التكوين الثانوي باللغة العربية و مهمة الطبيب الإنسانية تجعل التجارب الخجولة التي شهدتها كلية الطب بفاس و غيرها تجارب سباقة في انتظار الاقتناع بتعريب الطب لتطوير بنيات قطاع الصحة في المغرب.