لم تستطع الأحزاب المغربية بجميع إيديولوجياتها إلى يومنا هذا تنظيم و ترتيب بيتها الداخلي من أجل العمل على الانتقال من " العدالة الانتقالية" بخصوص موضوع النوع الاجتماعي إلى" العدالة الاجتماعية " و التي هي أحد أسس البناء الديمقراطي قوامه المساواة و تكافؤ الفرص و الحرية و احترام حقوق الإنسان؛ ليبقى موضوع تمكين المرأة من الممارسة السياسية مجرد شعار أخلاقي و لكنه بعيد كل البعد عن الممارسة السياسية السوية. و إذ لا أحد يمكنه أن ينكر الإرادة السياسية للدولة من أجل إشراك المرأة في تسيير كل الميادين الحيوية, هذه الإرادة التي تم دسترتها بنصوص واضحة ) الفصل 19 من دستور 2011)؛ فإن تعامل الأحزاب مع الدستور بخصوص قضية النوع الاجتماعي بقي تعاملا غير جدي و هذا كان واضحا على مستوى نتائج الانتخابات الجماعية و الجهوية من ناحية النوع الاجتماعي. ففي الوقت الذي ساهمت نضالات الحركة النسوية ببلادنا في رفع نسبة الكوطا من 12% إلى 27% من أجل تحسين تمثيلية المرأة داخل المجالس الجماعية و بالفعل حصلن على 6673 مقعدا من أصل 31508 مقعد مع الإشارة طبعا أن هذه النتيجة أتت بفعل "الإكراه القانوني" بخصوص الكوطا و لا تعكس إرادة الأحزاب بخصوص إشراك المرأة في الحقل السياسي سواء في ما يتعلق بشبه غيابها كوكيلات اللوائح الانتخابية الرئيسية أو ما أظهرته نتائج العملية الانتخابية كحجة و برهان قاطع حيث حصلت النساء على قيادة 12 جماعة فقط و كلها جماعات صغيرة من بين 1503 بلدية ومقاطعة دون أن ننسى النكسة الكبرى بخصوص طغيان النزعة الذكورية في ترشيح رؤساء الجهة بحيث لم تحظى و لا امرأة واحدة بمنصب رئاسة الجهة و هذا يدل على أن أحزابنا لم تستحضر المسؤولية السياسية التاريخية بخصوص وضع لبِنات تأسس لمرحلة المناصفة التي أتى بها الدستور و يمكننا أن نقول بخصوص هذا الموضوع أنها انقلبت على مضامين دستور 2011. و رغم أهمية حصيلة النساء في العملية الانتخابية من حيث الكم فهي تبقى مجرد أرقام تُستخدم في عملية ترجيح كفة مرشح ذكر من أجل الظفر بمركز القرار؛ و أن اختيار مسار العدالة الانتقالية في انتظار تحقيق مبدأ المناصفة هو غير مُجدي في ظل غياب قوانين تلزم الأحزاب على تقديم مرشحات نسائية لتحمل المسؤولية عوض تغول العقلية الذكورية في هذا المجال. إن بعد هذه النتائج المخيبة للآمال و التي تعكس من جهة أن الأحزاب تعاملت مع نتائج "كوطا" النساء بنوع من الخداع و المكر السياسي و عرت بالتالي عدم امتثالها للشعارات الأخلاقية التي ترفعها بخصوص مشاركة المرأة في الحقل السياسي و من جهة أخرى أن العدالة الانتقالية لم تخدم الهدف الرئيسي من تبنيها في هذه المرحلة و الذي هو تحقيق العدالة الاجتماعية بمعنى المساواة و تكافؤ الفرص في ظل عقلية ذكورية تستأسد بالمشهد السياسي و تعيد ترتيبه بنفس النمطية بعيدا عن التمكين السياسي الحقيقي للمرأة؛ لتبقى الخصوصية المغربية حاضرة بتوابلها لطبخ كل الآليات التي استخدمتها الشعوب الديمقراطية و التي من بينها العدالة الانتقالية وهكذا كانت النتيجة عبارة عن مقلب مغربي بامتياز يؤكد مرة أخرى أن أحزابنا لا تمتلك الإرادة و لا الجرأة بخصوص إشراك المرأة في الحقل السياسي ببلادنا! و في انتظار ما ستخرج به الأحزاب في الانتخابات التشريعية القادمة فما على النساء المناضلات سوى أن يتشبثن بالأمل و أن يستمرن في النضال على واجهتين : واجهة خلخلة النزعة الذكورية السائدة في بيوت الأحزاب و واجهة النضال و الانشغال بهموم المواطنات و المواطنين.