لم يمض وقت طويل عن الاحتفاء الرسمي والحزبي والحقوقي بالنتائج التي حققتها النساء في الاقتراع العام يوم 4 شتنبر 2015 المتعلقة بالجماعات الترابية، حتى انحرفت أطوار تلك الانتخابات عن مسارها الديمقراطي لتسجل انتكاسة حقوقية في حقهن، بعد أن انقلب الرجال في الأحزاب ضد ما أعطته القوانين للنساء من مكتسبات و أقره الناخبون في أول انتخابات للجماعات الترابية في ظل الدستور الجديد. لقد تابعنا جميعا كيف سجلت التمثيلية النسائية في المجالس المنتخبة المحلية قفزة كبيرة بحصول المنتخبات على 6673 مقعدا مقابل 3465 فقط في الاقتراع الجماعي لسنة 2009. أي أن عدد النساء المنتخبات تقدم بنسبة 92.6 في المائة بين المحطتين الانتخابيتين. لكن هذه القاعدة العريضة من المنتخبات وهذا التقدم الكبير في الحضور النسوي، تأكد أنه ليس وليد إرادة سياسية وقناعة فكرية للنخبة السياسية، بقدر ما هو حصيلة "الكوطا" التي حددتها القوانين الانتخابية للنساء للناخب المغربي. وتأكدت هذه الخلاصة الصادمة في محطة انتخاب الرؤساء وتشكيل المجالس الجهوية والمحلية، أي في محطة التعبير عن الإرادة السياسية في الإشراك الحقيقي للمرأة في تدبير الشأن العام، وفي محطة اقتسام السلطة معها. إن حصيلة ما نالته المرأة من مناصب في رئاسة مجالس الجماعات الترابة الجهوية منها والمحلية، وكذلك ما نالته من وطائف داخل تلك المجالس يؤكد بالملموس أن الأحزاب قد أجمعت على شبه تغييب ممنهج للمرأة في تقاسم المناصب والوظائف في تلك الانتخابات. فمقابل 20 رئيسىة جماعة، ضمنها منصب عمدة لإحدى المدن الكبرى التي تعتمد نظام المقاطعات (مراكش) في الانتخابات الجماعية لسنة 2009، لا يتوقع أن يتجاوز عدد رئيسات الجماعات الترابية في الانتخابات الأخيرة 12 رئيسة لجماعات صغيرة! ومقابل663 وظيفة داخل مكاتب الجماعات الترابية (رئيسة، نائبة الرئيس، أمينة، أمينة مساعدة بغض النظر عن رئيسات اللجان)، حققتها النساء في انتخابات 2009 (أي بنسبة 12% من مجموع المنتخبين الجماعيين) قد لا يتجاوز مجموع تلك الوظائف في الانتخابات الأخيرة قرابة 200 وظيفة (رقم تقديري في غياب المعطيات النهائية الرسمية والتفصيلية)، أي بتراجع قد يبلغ 70 في المائة في التقدير مقارنة مع 2009! لماذا هذا الانهيار في تمثيلية النساء؟ الفصل 19 من الدستور الذي يشدد على المساواة بين الجنسين في كل الحريات و الحقوق يؤكد على أن "تسعى الدولة إلى تحقيق مبدأ المناصفة بين الرجال والنساء"، ويجمع الفرقاء السياسيون على إعلان التزامهم بالسعي نحو المناصفة، وترجمت القوانين الانتخابية هذا المسعى من خلال فرض "كوطا" انتقالية للنساء، كانت محطة الانتخابات التشريعية لسنة 2011 أول امتحان لها حيث خصصت "كوطا" محددة في 60 مقعدا من خلال اللائحة الوطنية الخاصة بالنساء وأسفرت الانتخابات عن فوز 67 برلمانية. وكان من المتوقع أن يستمر هذا التوجه، وبالفعل نجد أن القوانين التنظيمية الخاصة بالانتخابات الجهوية والجماعية قد عالجت هذا الأمر، و وضعت "كوطا" رفعت تمثيلية النساء في مجالس الجماعات الترابية من 12 بالمائة إلى 27 بالمائة من مقاعد أعضاء مجالس الجماعات الترابية، بالإضافة إلى شروط تفصيلية أخرى، والنتيجة هي 6673 مقعدا نسويا المحصل عليها. و في منصب الرئيس تتساوى فرص ترشيح النساء والرجال دون "كوطا" محدد للأحزاب، وفي مناصب نائب الرئيس لا تقل "الكوطا" عن الثلث، غير أن النتيجة في هذا المستوى، كما بُيِّنت سابقا، تسير عكس ما رسمه الفصل 19 من الدستور، وعكس كل الخطابات السياسية لمختلف الفاعلين. لماذا؟ هل للأمر علاقة بالنصوص القانونية أم بالاختيارات الحرة للأحزاب؟ لقد تابع الجميع كيف استحوذ الرجال على رئاسة الجهات، و كشفت النتائج أن الجماعات التي ترأسها النساء جماعات قيلية جدا و صغيرة، و أن النيابات التي أسندت للنساء سواء في مكاتب الجهات أو الجماعات الترابية الأخرى نيابات بعيدة عموما عن النيابة الأولى و حتى الثانية والثالثة في معظمها. بل لقد خلت بعض المكاتب الجماعية من العنصر النسوي وأغلبها لم "يعمل" على احترام حصة الثلث كما يقول القانون. هذه الحصيلة المظلمة والظالمة في الواقع تعكس، من جهة أولى، هيمنة العقلية الذكورية في تقسيم المناصب، ومن جهة ثانية، تعكس النظرة الدونية للمرأة فيما يتعلق بكفاءتها. ولعل ما يكرس هذا التعامل الإقصائي مع المرأة ترفعها عن الخوض في الصراعات حول كعكة المناصب كما يفعل الرجال. إن الخلاصة التي يمكن الخروج بها من هذا المشهد الانتخابي هي أن النساء في نهاية المطاف تم "توظيفهن" في إنجاح العملية الانتخابية لتأثيث المشهد وتوفير أرقام الدعاية الإعلامية، و تم إقصاؤهن على مستوى تقسيم حصيلة تلك العملية الانتخابية فيما يتعلق بالمناصب والوظائف داخل المجالس المنتخبة. لقد خسر المغرب مع الأسف رهان رفع تمثيلية النساء في مناصب المجالس المنتخبة بفعل عدم تحمل الأحزاب مسؤوليتها في تدبير توزيع المناصب بين الجنسين واستسلامها للمنطق الذكوري. ويبدو أن الحل الأمثل هو أن يعالج القانون هذا "القصور" الحزبي بإلزام الأحزاب بتقديم خريطة ترشيحاتها الفعلية في الرئاسات والنيابات، تشمل خريكة وطنية بالنسبة لترشيحاتها للجهات وخريطة في كل جهة بالنسبة للجماعات المحلية، وفق "كوطا" تحترم الفصل 19 من الدستور وتقدم ضمانات الإلتزام بتحقيق رهان المغرب المتعلق بالرفع من تمثيلية النساء.